لقاءات

الشيخ حسين الأكرف: أشعر بالمسؤولية أكثر من أي شعور آخر (1)

 

الجزء الأول من مقابلة خاصة بشبكة فجر الثقافية

عبير محمد ..

يتحد الكلم والنغم، فينصهران في الصوت الآسر قوةً، ليخترق القلوب يمسّ شغافها، ويداوي النفوس بارتقاء وجداني. هي خلطة سحرية.. قد يسميها البعض خلطة النجاح. فهو امتلك هذه الأسلحة الثلاثة, الكلم والنغم وعذوبة الصوت, وظفر بلا ريب بقلوب الشعوب. وهو ما تحقق للشيخ حسين الأكرف في العالم العربي.

امتطى الأكرف صهوة النشيد الإسلامي في عمر العاشرة, إلا أن تلك الشعلة الوقادة بالموهبة، لم تشتد جذوتها إلا بعد مخاضات وثقافات متعددة عايشها، فصبّت في تلك الشعلة زيت الإرادة للنجاح وكذا صار. وعلى الرغم من المرحلة الهابطة التي مرت بها القصيدة العربية ككل، والتجارب غير المشجعة في الفن الإسلامي، إلا أن الأكرف استطاع أن يشيّد مدرسةً جديدةً في عالم القصيدة الإسلامية، طافت باسمه في أقطار العالم العربي.

الشيخ حسين الأكرف-43 عاما-لم يصبح أحد أبرز الأسماء في عالم الإنشاد الإسلامي بمحض الصدفة، بل كان كل ما قدمه من معاني الوجدان الإنساني، وما يحاكي همومه، ويساند قضاياه، ناجمًا عنه بأسلوب يشبع ذائقة الجمهور الفنية بكل أطيافه ومزاجه العام، بالإضافة إلى ذكائه الفني لتتكامل عناصر وصوله إلى قلوب الناس. هذا وأكثر، كان محور جلستنا مع الشيخ حسين الأكرف من مكتبه في بيروت. ومحور المقابلة، كان هو، صاحب الصوت الذي طالما رافقنا في "أتعبتني يا قلب"، واستنهضنا في "نحن لا نهزم"، وأشبع حاجاتنا الروحية في "لا شريك لك"، وتلك الإنسانية في "قلب أمي"، وتوّج وجع جرحنا الدائم, فلسطين, في "ستون حزنًا".

 

أكرف البحرين النجف وقم

بدأ الأكرف حديثه من الأماكن التي تركت أثرًا في شخصيته كما فنه، مشيرًا إلى عناصر ثلاثة تؤثر بها البيئة، وهي الذائقة الأدبية والفنية والثقافية. وفي الواقع فللبحرين الأثر الأول الغالب على شخصية هذا الأسمر العربي، وذلك يتجلى واضحًا في خلال حديثه: "البحرين هي النواة الأولى التي شكلتني".

أما مدينة النجف في العراق، فكانت فيها الدراسة الدينية، التي لم يغب عنها الإنشاد الإسلامي، ولو في الأروقة الضيقة للحوزة العلمية، في أيام ظلم الطاغية صدام حسين حيث: " م يكن في العراق مساحة لممارسة الإنشاد الديني"، وفي مقابل ذلك، كان يجد من العراقيين أفضل ترحيب بموهبته، وتقدير لصوته، حيث اعتادوا ان يتمثلوا أمامه بواحد من أمثلتهم المأخوذ من حكاياهم الشعبية:  "لا بد أنه قد شرب من ماي الشط".

 يقرأ الأكرف سطرين من قصيدة اعتبرها ثمرة تجربته العراقية فيقول: "زينب قرآن الإباءِ وامتداد من كربلاءِ.. يا بقايا النور بددي الديجور". أنشدها بعد عودته إلى البحرين في إجازة محرم، مشيرًا إلى أنه على الرغم من أنها للشاعر صادق الدرازي البحراني، لكنها أتت بلمسة نجفية، كما أتت معظم قصائد تلك الفترة، مستوحاة من القمع الذي شهده الأكرف خلال فترة دراسته في العراق.

ثم كانت إيران، الانفتاح لمجال الأكرف. فالمسألة مختلفة تمامًا هنا: "المجال مفتوح، والألوان متعددة". وجد الأكرف في قم، مساحة لممارسة هذه الشعائر و: "الطيف الحسيني واسع ومتعدد وألوانه كثيرة"، الذي كوّن لدى الأكرف رؤيا تستقرئُ الواقع بحيث: "باللاشعور والشعور"، فحدث له تغير داخلي.

بعد هذه التراكمات والمخاضات والأذواق المختلفة، جاءت مدرسة جديدة في الإنشاد، وذلك في العام 1992، أثناء عودته إلى البحرين في إجازة محرم. مدرسة مختلفة تلاقحت فيها هذه الثقافات الثلاث البحرينية والعراقية والإيرانية، فولدت مدرسة تعدد الألحان، وتخرّج منها الأكرف كما نعرفه اليوم.

 

"لم أخلقه ولكني خلَقته"

لا يدعي الشيخ حسين، أن هذه المدرسة هي تجربة ناضجة نضجًا كاملًا، إنما يعتبرها جديدًا احتاجته القصيدة والجمهور معًا، وذلك ما جعلها تتسيّد كل المدارس الإنشادية منذ من أكثر من عشرين عامًا، منتشرةً في أغلب بلدان الخليج كما في العراق والشام. فشكل هذا الأسلوب الجديد نقلة نوعية بالنسبة للملحن لقصر اللحن, وللشاعر بسبب تنوع اللحن، ولكن أعطى الأخير فرصةً أكبر للإبداع, كما وأعطى الرادود إيقاعًا جديدًا وحماسةً جديدة، حملت المعزي إلى التفاعل معها، لأنه شعر بأنها ترضي ذائقته، وتشبع حماسه، وتغذي حزنه.

 

يتكلم الأكرف بإسهاب عن امتداد هذه المدرسة بين مدارس عديدة، وخصوصًا تلك البحرانية القديمة، وهي ليست منفصلة عنها: "فكل رادود يقرأ بلونه، وأنا قرأت بكل الألوان، وجمعت كل ألوانهم بقالب واحد جديد, يبدو مختلفًا ولكنه ليس من العدم. لم أخلقه ولكني خلَقته". ويعزو الأكرف من جهة أخرى، نجاح هذه المدرسة، إلى الرواديد الذين انتسبوا إليها وساهموا فيها: "انضمت إلى هذه المدرسة أسماء شبابية مهمة، لولا انتماؤهم إليها، لكنت غريبًا فيها، ومن أهم هذه الأسماء جعفر الدرازي ومهدي سهوان في ذلك الوقت". التواضع نفسه تجده عندما تسأله عن طبيعة شعوره بالفخر كأي شخص قد يحقق ما حققه، فيجيب دون تردد: "إنما أشعر بالمسؤولية أكثر من أي شعور آخر".

في فترة التسعينات، ورغم رواج "مدرسة تعدد الألحان" رواجًا شديدًا، كان هناك من الرواديد مَن تمسكوا بمدارسهم و: "هذا أمر يثنى عليه", في فترة لاحقة ضعفت هذه المدرسة في البحرين، عندما اضظر رواديدها إلى مغادرة البحرين في فترة اندلاع الثورة في البحرين في العام 2011, واشتدت وانتشرت في الخارج في المقابل. أما اليوم فيحب الشيخ الأكرف أن يشيد بجهود وموهبة أحد روّاد هذه المدرسة وهو الرادود أحمد قربان: "العين عليه"، هكذا يلخص دوره في تفعيل هذه المدرسة، وجذب مجلسه لجموع الناس المشتاقين لهذا الأسلوب. يبتسم الشيخ حسين حين يتكلم عن قربان: "أحمد من أبنائي الروحيين وصديق وأخ ورافقني لسنوات طويلة".

مواقيت الصلاة