
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
لقد قرأنا وسمعنا الكثير عن حقيقة الوحي، لكن رغم ذلك كله، فإنّ معرفتنا لحقيقته غير ممكنة، لعدم ارتباطنا بهذا العالم الغامض، وحتى لو فسّره لنا الرسول بنفسه، فإنّه لا ينطبع شيء في أذهاننا عنه سوى شبح.
ومثل ذلك كمثل شخص بصير يريد أن يصف أشعة الشمس الجميلة، وأمواج البحر الهائجة وأجنحة الطاووس الملوّنة والمنظر الخلّاب للورد وبراعم الحديقة الخضراء لشخص ولد أعمى، وقد تحصل صور مبهمة ومشوشة لهذه المخلوقات عند الأعمى إلّا أنّ إدراك صورها الحقيقية فهو أمر مستحيل.
لكننا نستطيع توضيح الوحي عن طريق آثاره وأهدافه ونتائجه، ونقول : إنّ الوحي هو الإلقاء الإلهي الذي يتمّ بهدف تحقيق النبوة والتبشير والإنذار، أو نقول: إنّه نور يهدي به اللَّه من يشاء، أو نقول : إنّه وسيلة الارتباط بعالم الغيب وإِدراك معارف ذلك العالم، ولهذا السبب نرى القرآن يتحدث عن آثار الوحي لا عن حقيقته.
وينبغي أن لا نعجب من هذا الأمر، وأن لا نتخذ عدم إدراك حقيقة الوحي دليلًا على عدم الوجود، أو نفسره بتفاسير مادية جسمية، فإنّ في عالم الحيوانات التي نعدها في مستوى أدنى من مستوانا فضلًا عن عالم النبوّة، تُشاهد آثار أحاسيس وإدراكات يعجز البشر عن إدراكها، فبعض الحيوانات تضطرب قبل حدوث الزلزلة وتصرخ بصورة جماعية أحياناً، وتارة تحدث أصواتاً مروعة حاكية عن قرب وقوع حدث مفجع، هذا كله بسبب تحلّيها بحاسة تستطيع بواسطتها أن تكشف قرب وقوع الزلزلة، الأمر الذي تعجز عن كشفه أحدث تكنولوجيا في العصر الحاضر.
أو أنّ بعض الحيوانات تتنبأ بتغييرات الأحوال الجوية للأشهر القادمة، فتبني بيوتها وفقاً لتلك الأحوال في الأشهر المقبلة عليها، وتعد الطعام الذي يتناسب مع طول فصل المطر والشتاء، فإذا كان طويلًا- مثلًا- يختلف مقداره عمّا لو كان قصيراً!
كما أنّ بعض الطيور قادرة على الهجرة الجماعية من المناطق القطبية إلى الاستوائية أو بالعكس، وقد يتمّ ذلك في الليل وفي سماءٍ ملبدة بالغيوم، مع أنّ الإنسان لا يمكنه السير في هذا الطريق وينجح باجتياز واحد بالمائة منه، إلّا بالاستعانة بالوسائل الدقيقة، وكذا الأمر بالنسبة لبعض الحيوانات حيث تطلب صيدها في ظلام الليل الدامس، وأحياناً تحت أمواج المياه وغير ذلك من الأمثلة التي يصعب على الإنسان تصديقها، إلّا أنّ العلم أثبت صحتها.
إنّ هذه الواقعيات التي تثبت بالعلم والتجربة تكشف عن وجود إدراك وشعور خاص لتلك الحيوانات لا يوجد مثله عند الإنسان، بالطبع إنّ الاطلاع الكامل على عالم حواس الحيوانات الغامض أمر محال، إلّا أنّه لا يمكن إِنكار هذه الحقائق «1».
فبالرغم من أنّ حواس الحيوانات لها أبعاد مادية وطبيعية وهذا أمر طبيعي ولا يمثل جانباً غيبياً، إلّا أننا لا نعرف حقيقة هذه الحواس، فكيف يمكن لنا أن ننكر عالم الوحي الغامض أو نشكك فيه بسبب عدم إدراكنا له؟
لم نقصد من حديثنا هذا الاستدلال على ثبوت مسألة الوحي، بل أردنا أن نرد على الذين ينكرون وجوده بسبب عدم إمكان إدراك حقيقته.
ولنا طرق واضحة لإثبات قضية الوحي منها:
1- نشاهد من جهة رجالًا يدعون النبوة جاءوا بكتب وتعاليم تفوق قدرة البشر الفكرية، فالرسول الأمي- مثلًا- كيف أمكنه الإتيان بكتاب ذي محتوى مجيد بالرغم من كونه قد نشأ وترعرع في مجتمع الحجاز المتأخر للغاية في عصر الجاهلية؟!
2- ومن جهة أخرى فإنّ دعوة الرسل مقترنة دائماً مع معاجز تفوق قدرة البشر، وهذا يكشف عن ارتباطهم بعالم ما وراء الطبيعة.
3- ومن جهة ثالثة، فإنّ الرواية الكونية التوحيدية تقول لنا: إنّ اللَّه خلقنا للتكامل والسير نحو ذاته المقدّسة الأبدية، وبديهي أن سلوك هذا الطريق أمر غير ممكن لكثرة مصاعبه وانعطافاته وتعرجاته ومشاكله وأخطاره لأننا نشاهد عجز العقل وضعفه عن إدراك كثير من الحقائق، والدليل على ذلك، الاختلافات الكثيرة بين العلماء والمفكرين، وكذلك مصير الأمم التي وضعت قوانينها بالاعتماد على العقل والقوانين الوضعية وذلك لإدارة شؤون حياتهم الفردية والاجتماعية.
وعلى هذا، فإنا نقطع بأن اللَّه لم يترك الإنسان لوحده، فبالإضافة إلى عقله أمده بقادة يرتبطون بعالم الغيب، ويستفيضون من بحر العلم الإلهي، وهذا هو الذي يعينه لاجتياز الطريق والوصول إلى الأهداف المقصودة.
وبهذه القرائن الثلاث يمكننا إدراك العلاقة بين عالم الإنسانية وعالم ما وراء الطبيعة، وكذلك الإيمان بالوحي رغم أننا لم نتعرف على حقيقته وماهيته، وبتعبير آخر: إن علمنا بالوحي علم إجمالي وليس علماً تفصيلياً.
_________________________
(1). يراجع كتاب عالم حواس الحيوانات الغريب (بالفارسية).
كيف يخاف النبي موسى عليه السلام من اهتزاز العصا؟!
السيد جعفر مرتضى
العالم كما نراه... وتأثير هذه الرؤية على نفوسنا
السيد عباس نور الدين
حقّانية المثنّى كمبدأ أنطولوجي (7)
محمود حيدر
شكل القرآن الكريم (4)
الدكتور محمد حسين علي الصغير
الأدوية المعنويّة والأدوية المادّيّة
الشيخ علي رضا بناهيان
الإيمان والطّمأنينة
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ}
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
الاعتراف بالذنوب يقرّبنا إلى الله
الشيخ محمد مصباح يزدي
طرق الوقاية والعلاج من حبّ الدنيا
الشيخ مجتبى الطهراني
الهداية والإضلال
الشيخ شفيق جرادي
السيدة الزهراء: حزن بامتداد النّبوّات
حسين حسن آل جامع
اطمئنان
حبيب المعاتيق
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر
كيف يخاف النبي موسى عليه السلام من اهتزاز العصا؟!
كم ساعة يجب أن تنام وفقًا لعمرك؟
العالم كما نراه... وتأثير هذه الرؤية على نفوسنا
حقّانية المثنّى كمبدأ أنطولوجي (7)
شكل القرآن الكريم (4)
الأدوية المعنويّة والأدوية المادّيّة
الإيمان والطّمأنينة
{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ}
شكل القرآن الكريم (3)
حقّانية المثنّى كمبدأ أنطولوجي (6)