
حواره مع ابن أبي العوجاء
من الحوارات العلمية الجميلة التي نقلها لنا الرواة حوارات الإمام الصادق عليه السلام مع عتاة الملحدين في عصره ممن لم يفتقروا إلى القدرة على المراوغة وطرح الإشكالات والشبهات بأساليب مختلفة، ومع ذلك تجدهم يقفون أمام الإمام عليه السلام بكل إجلال ومهابة لا تكاد تنطلق ألسنتهم بسبب ما يعرفونه ويشعرون به من كون الشخص الذي يتصدى لهم ليس شخصاً عادياً، فهو يمتلك علماً لا يُعرف حده، ويمتلك قدرة على مناقشتهم لم يعهدوها عند أي شخص آخر..
ومن هذه الحوارات ذلك الحوار الذي دار بين الإمام الصادق عليه السلام وابن أبي العوجاء، هذا مع الإشارة إلى أن هذا الذي سننقله هو إحداها، وإلا فإن هؤلاء قد تصدى لهم الإمام عليه السلام في مناسبات عديدة وكان بينه وبينهم العديد من المنازلات.
ففي حديث ابن أبي العوجاء حين سأله أبو عبد الله عليه السلام قال: عاد ابن أبي العوجاء في اليوم الثاني إلى مجلس أبي عبد الله عليه السلام فجلس وهو ساكت لا ينطق فقال أبو عبد الله عليه السلام: كأنك جئت تعيد بعض ما كنا فيه؟ فقال: أردت ذلك يا ابن رسول الله فقال له أبو عبد الله عليه السلام: ما أعجب هذا تنكر الله وتشهد أني ابن رسول الله! فقال: العادة تحملني على ذلك، فقال له العالم عليه السلام فما يمنعك من الكلام؟ قال: إجلالاً لك ومهابة ما ينطلق لساني بين يديك فإني شاهدت العلماء وناظرت المتكلمين فما تداخلني هيبة قط مثل ما تداخلني من هيبتك، قال: يكون ذلك ولكن أفتح عليك بسؤال وأقبل عليه فقال له: أمصنوع أنت أو غير مصنوع؟ فقال عبد الكريم بن أبي العوجاء بل أنا غير مصنوع فقال له العالم عليه السلام: فصف لي لو كنت مصنوعاً كيف كنت تكون؟ فبقي عبد الكريم مليا لا يحير جوابا1 وولع بخشبة كانت بين يديه وهو يقول طويل عريض عميق قصير متحرك ساكن كل ذلك صفة خلقه، فقال له العالم: فإن كنت لم تعلم صفة الصنعة غيرها فاجعل نفسك مصنوعاً لما تجد في نفسك مما يحدث من هذه الأمور، فقال له عبد الكريم: سألتني عن مسأله لم يسألني عنها أحد قبلك ولا يسألني أحد بعدك عن مثلها، فقال أبو عبد الله عليه السلام: هبك2 علمت أنك لم تسأل فيما مضى فما علمك أنك لا تسأل فيما بعد، على أنك يا عبد الكريم نقضت قولك لأنك تزعم أن الأشياء من الأول سواء فكيف قدمت وأخرت، ثم قال: يا عبد الكريم أزيدك وضوحاً أرأيت لو كان معك كيس فيه جواهر فقال لك قائل: هل في الكيس دينار فنفيت كون الدينار في الكيس، فقال لك صف لي الدينار وكنت غير عالم بصفته هل كان لك أن تنفي كون الدينار عن الكيس وأنت لا تعلم؟ قال: لا، فقال: أبو عبد الله عليه السلام فالعالم أكبر وأطول وأعرض من الكيس فلعل في العالم صنعة من حيث لا تعلم صفة الصنعة من غير الصنعة، فانقطع عبد الكريم وأجاب إلى الاسلام بعض أصحابه وبقي معه بعض.
فعاد في اليوم الثالث فقال: أقلب السؤال فقال له أبو عبد الله عليه السلام: سل عما شئت فقال: ما الدليل على حدث الأجسام؟ فقال: إني ما وجدت شيئاً صغيراً ولا كبيراً إلا وإذا ضم إليه مثله صار أكبر وفي ذلك زوال وانتقال عن الحالة الأولى ولو كان قديماً ما زال ولا حال لأن الذي يزول ويحول يجوز أن يوجد ويبطل فيكون بوجوده بعد عدمه دخول في الحدث وفي كونه في الأزل دخوله في العدم ولن تجتمع صفة الأزل والعدم والحدوث والقدم في شئ واحد، فقال عبد الكريم: هبك علمت في جري الحالتين والزمانين على ما ذكرت واستدللت بذلك على حدوثها فلو بقيت الأشياء على صغرها من أين كان لك أن تستدل على حدوثهن؟ فقال العالم عليه السلام: إنما نتكلم على هذا العالم الموضوع فلو رفعناه ووضعنا عالماً آخر كان لا شئ أدل على الحدث من رفعنا إياه ووضعنا غيره ولكن أجيبك من حيث قدرت أن تلزمنا فنقول: إن الأشياء لو دامت على صغرها لكان في الوهم أنه متى ضم شئ إلى مثله كان أكبر وفي جواز التغيير عليه خروجه من القدم كما أن في تغييره دخوله في الحدث ليس لك وراءه شئ يا عبد الكريم فانقطع وخزي. فلما كان من العام القابل التقي معه في الحرم فقال له بعض شيعته: إن ابن أبي العوجاء قد أسلم فقال العالم عليه السلام: هو أعمى من ذلك لا يسلم، فلما بصر بالعالم قال: سيدي ومولاي، فقال له العالم عليه السلام: ما جاء بك إلى هذا الموضع؟ فقال: عادة الجسد وسنة البلد ولننظر ما الناس فيه من الجنون والحلق ورمي الحجارة؟ فقال له العالم عليه السلام أنت بعد على عتوك وضلالك يا عبد الكريم فذهب يتكلم فقال له عليه السلام: لا جدال في الحج ونفض رداءه من يده وقال: إن يكن الأمر كما تقول وليس كما تقول نجونا ونجوت وإن يكن الأمر كما نقول وهو كما نقول نجونا وهلكت، فأقبل عبد الكريم على من معه فقال: وجدت في قلبي حزازة3 فردوني فردوه فمات لا رحمه الله.
1 - بالمهملة أي: لا ينطق ولا يقدر عليه: والولوع بالشئ الحرص عليه والمبالغة في تناوله. (آت).
2 - هبك: اي افرض نفسك انك علمت ما مضى وسلمنا ذلك لك. (آت).
3 - الحزازة وجع في القلب.
شكل القرآن الكريم (3)
الدكتور محمد حسين علي الصغير
حقّانية المثنّى كمبدأ أنطولوجي (6)
محمود حيدر
الاعتراف بالذنوب يقرّبنا إلى الله
الشيخ محمد مصباح يزدي
طرق الوقاية والعلاج من حبّ الدنيا
الشيخ مجتبى الطهراني
الهداية والإضلال
الشيخ شفيق جرادي
كيف ننمّي الذكاء الاجتماعي في أولادنا؟
السيد عباس نور الدين
الذنوب التي تهتك العصم
السيد عبد الأعلى السبزواري
كلام في الإيمان
السيد محمد حسين الطبطبائي
الإسلام أوّلاً
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
لا تجعل في قلبك غلّاً (2)
السيد عبد الحسين دستغيب
السيدة الزهراء: حزن بامتداد النّبوّات
حسين حسن آل جامع
اطمئنان
حبيب المعاتيق
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر
شكل القرآن الكريم (3)
حقّانية المثنّى كمبدأ أنطولوجي (6)
السيدة الزهراء: حزن بامتداد النّبوّات
الزهراء عليها السّلام إشراقات مباركة
(سنابل يوسف) جديد الكاتب عبدالعزيز آل زايد
واحد وثلاثون عملاً للحبارة في تحدّي (إنكتوبر 2025)
الاعتراف بالذنوب يقرّبنا إلى الله
طرق الوقاية والعلاج من حبّ الدنيا
أظافر قدميك تكشف إذا كنت تعرضت لسبب غير مرئي لسرطان الرئة
شكل القرآن الكريم (2)