مقالات

خصائص الحج الاجتماعية


محمد تقي مدرسي ..

لو نظـرنا إلى الحجـاج وهم يطوفون حول البيت الحرام، وسألناهم من أي البلاد هم، لوجدنا أنهم قد اجتمعوا من كل بلد، قرب أو بعد. ولو أخذنا مثلًا ألف حاج كعينة، لوجدنا أن كل واحد من هؤلاء ربما هو من منطقة تختلف عن مناطق الآخرين. وهذا يزيد إيمان الأمة بنفسها وبقيمها وبكتابها وبرسولها، وبالتالي بالله سبحانه وتعالى.
لذلك جاء في الحديث الشريف عن الإمام الصادق عليه السلام أنه إذا الكعبة أهملت، فلا يُنظرون. أي أن الأمة الغسلامية كلها ستدمر وتزول. فبقاء الأمة ببقاء الناس حول الكعبة.
لقد جعل الله سبحانه الكعبة هـدى ورحمـة وبركـة للأمة الإسلامية جميعاً وفي كل منطقة من المناطق، حتى البعيدة منها. فالأمة إنما تعيش بالكعبة. لذلك يقول ربنا سبحانه وتعالى: ﴿ وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ ﴾ أي قلنا لإبراهيـم.. يا إبراهيـم هنا مكان البيـت﴿ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً ﴾ من هذا نستفيد، أن هناك علاقة بين بيت الله الحرام، وبين التوحيد في المجتمعات.
ثم قال ربنا عز وجل: ﴿ وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَالْقَآئِمِينَ وَالرُّكّـَعِ السُّجُـودِ * وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾ (الحج/26-27)
لقد جاء إبراهيم عليه السلام بزوجته هاجر وطفلـه الصغير إسماعيـل، وتركهم في تلك الأرض القاحلة بين الجبال بأمر الله سبحانه وتعالى، والذي أمره أيضاً بأن يذهب إلى أعلى جبل قُبيس ويدعو الناس للحج..
وحينما قال إبراهيم: يا رب، لمن أدعو، فليس هنـاك أحد في هذا الوادي، وبين هذه الجبال التي ليس فيها ماء ولا كلاء. جاءه الجواب: أن يا إبراهيم عليك الأداء وعلينا البلاغ.
وهكذا صعد إبراهيم ذلك الصديق إلى أعلى جبل قُبيس ونادى: أيها الناس، هلموا للحج.. وكما جاء فـي الحديـث عن أبي عبد الله الإمام الصادق عليه السلام قال: " لمّا أمر الله عز وجل إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ببنيان البيت وتـمّ بناؤه أمره أن يصعد ركناً ثم ينادي في الناس: ألا هلمّ الحج، فلو نادى هلمّوا إلى الحج لم يحجّ إلاّ من كان يومئذ إنسياً مخلوقاً، ولكن نادى هلمّ الحج، فلبّى الناس في أصلاب الرجال: لبيك داعي الله لبيك داعي الله، فمن لبّى عشراً حج عشراً، ومن لبّى خمساً حجّ خمساً، ومن لبّى أكثر فبعدد ذلك، ومن لبّى واحداً حج واحداً، ومن لم يلبّ لم يحج ".
لذلك ترى الناس حين يأتي موسم الحج ترى قلوبهم تتلهف للحج، وإذا بالأمور تتهيأ لبعضهم فيوفقون للحج، ولا تتهيأ للبعض الآخر فلا يتوفقون. وهذا التوفيق، إنما جاء منذ ذلك اليوم.
بعد ذلك قال الله تعالى: ﴿ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ ﴾
إن الحج ليس مجرد عبادة فردية، وإنما إضافة إلى ذلك هي عبادة تتصل بالحياة وبتطوير الأمم. فقد جعل الله سبحانه أرض مكة منطقة حرة أعطاها حرمة كاملة، هو سماها البيت الحرام الذي لا يحق للإنسان فيه أن يتجاوز ويعتدي على أي شيء، حتى النملة إذا كانت على بدنه فلا يحق له أن يأخذها ويرميها على الأرض، وإنما عليه أن يضعها في مكان أمين، وحتى الطير لا يحق للحاج أن يكشه. لذلك تجد أن كل شيء هناك آمن.

وكما يقول الشاعر العربي قبل الإسلام النابغة الذبياني:
والمؤمن العائذات الطير يمسحها***ركبـان مكـة بين العـين والسلــم
أي قسما برب الذي أعطى أماناً لهذه الطيور العائدة، التي يمسح على ظهرها المسافرون إلى مكة، وهي بين تلك الأحطاب وتلك الشجيرات البرية التي تسمى بالعين والسلم.
البيت الحرام، والمسجد الحرام، المشعر الحرام، ماذا يعني ذلك ؟ إنه يعني الحرية، بل أقصى أنواع الحرية. فهناك يجوز للإنسان أن يتحدث بكل صراحة، ولا يحق لأحد أن يعتدي على أحد.
وبالرغم من أن هذه الآيات الكريمة لم تطبق بالصورة الكاملة، إلا أن ما طبـق منها حتى الآن في المسجد الحرام أفادت الأمة الإسلامية فائـدة كبـيرة.
إن الحج ينضح كل عام في الأمة الإسلامية تياراً من الأمل والإيمان والتحدي للمشاكل إلى أبعد الحدود. وهذا التيـار عليـنا أن نسزيد منه عبر تطهير أنفسنا والذهاب إلى الحج وقد أدينا كل الحقوق والواجبات التي علينا من قبل الله والناس، وخصوصاً حقوق الأرحام. وبذلك نزداد في الحج طهراً ونقاء وإيماناً بـإذن الله.
ثم إن علينـا أن نبرمج لحجنـا، فخـلال الأيـام التي يقضيهـا الحـاج في ضيافة الرحمن عز وجل، علينا أن نستفيد من تلك الساعات بأقصى قدر ممكن من الاستفادة بذكر الله عز وجل، وبتلاوة القرآن. ففي الحديث الشريف: "من ختم القرآن في مكـة لم يمت حتى يرى رسول الله صلى الله عليه وآله ويرى منزله من الجنة".
ثم الدعاء والتبتل لرب العزة، والدعاء لإخواننا المؤمنين، ولذرياتنا، ولقضاء حوائجنا لدنيا والآخرة، إنه سميع مجيب وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة