سياحة ثقافية

المنازل التي نزل بها الحسين من مكة حتى كربلاء (3)

 

16 الرهيمة
قال الصدوق: «ورد عليه رجل من أهل الكوفة يكنى أبا هرم، فقال: يا ابن النبي ما الذي أخرجك من المدينة؟ فقال: ويحك يا أبا هرم شتموا عرضي فصبرت، وطلبوا مالي فصبرت، وطلبوا دمي فهربت، وأيم الله ليقتلني، ثم ليلبسنهم الله ذلا شاملا، وسيفاً قاطعاً، وليسلطن عليهم من يذلهم»
17 ـ قصر بني مقاتل: قال الطبري: «ومضى الحسين حتى انتهى الى قصر بني مقاتل، فنزل به، فإذا هو بفسطاط مضروب.
قال أبو مخنف: حدثني المجالد بن سعيد، عن عامر الشعبي، أن الحسين بن علي رضي الله عنه، قال: لمن هذا الفسطاط؟ فقيل: لعبيد الله بن الحر الجعفي قال: ادعوه لي. وبعث اليه، فلما أتاه الرسول، قال: هذا الحسين بن علي يدعوك، فقال عبيد الله بن الحر: (إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ)! والله ما خرجت من الكوفة إلاّ كراهة أن يدخلها الحسين وأنا بها، والله ما أريد أن اراه ولا يراني، فأتاه الرسول فأخبره، فأخذ الحسين نعليه فانتعل، ثم قام فجاءه حتى دخل عليه، فسلم وجلس، ثم دعاه الى الخروج معه فأعاد إليه ابن الحُر تلك المقالة، فقال: فإن لا تنصرنا فاتق الله أن تكون ممن يقاتلنا، فوالله لا يسمع واعيتنا أحدٌ ثم لا ينصرنا هلك قال: أما هذا فلا يكون أبداً إن شاء الله، ثم قام الحسين عليه السّلام من عنده حتى دخل رحله.
قال أبو مخنف: حدثني عبد الرحمن بن جندب عن عقبة بن سمعان، قال: لما كان في آخر الليل أمر الحسين بالاستقاء من الماء ثم أمرنا بالرحيل، ففعلنا، قال: فلما ارتحلنا من قصر بني مقاتل وسرنا ساعةً خفق الحسين برأسه خفقة، ثم انتبه وهو يقول (إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ) (وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) قال: ففعل ذلك مرتين أو ثلاثاً، قال فأقبل إليه ابنه علي بن الحسين على فرس له، فقال (إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ) (وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) يا أبت، جعلت فداك! مم حمدت الله واسترجعت؟ قال: يا بني إني خفقت برأسي خفقةً فعنّ لي فارس على فرس، فقال: القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم، فعلمت أنها أنفسنا نعيت إلينا. قال له: يا أبت، لا أراك الله سوءاً، ألسنا على الحق؟ قال: بلى والذي اليه مرجع العباد، قال: يا أبت، اذاً لا نبالي نموت محقين، فقال له: جزاك الله من ولد خير ما جزى ولداً عن والده.
18 ـ القطقطانة: روى الطبري الإمامي بإسناده عن راشد بن مزيد، قال: «شهدت الحسين بن علي وصحبته من مكة حتى أتينا القطقطانة، ثم استأذنته في الرجوع فأذن، فرأيته وقد استقبله سبع فكلمه فوقف له، قال: ما حال الناس بالكوفة؟ قال: قلوبهم معك وسيوفهم عليك، قال: ومن خلفت بها؟ قال: ابن زياد وقد قتل مسلم بن عقيل، قال: وأين تريد؟ قال: عدن، قال: أيها السبع هل عرفت ماء الكوفة؟ قال: ما علمنا من علمك إلاّ ما زودتنا، ثم انصرف وهو يقول: (وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّم لِّلْعَبِيدِ).
قال الصدوق: «سار الحسين عليه السّلام حتى نزل القطقطانة فنظر إلى فسطاط مضروب، فقال: لمن هذا الفسطاط؟ فقيل: لعبيد الله بن الحر الجعفي فأرسل إليه الحسين سلام الله عليه. فقال: أيها الرجل إنك مذنب خاطىء إن الله عزّوجل آخذك بما أنت صانع إن لم تتب إلى الله تبارك وتعالى في ساعتك هذه فتنصرني ويكون جدي شفيعك بين يدي الله تبارك وتعالى، فقال: يا ابن رسول الله والله لو نصرتك لكنت أول مقتول بين يديك، ولكن هذا فرسي خذه إليك فوالله ما ركبته قط وأنا أروم شيئاً إلاّ بلغته ولا أرادني أحدٌ إلاّ نجوت عليه فدونك فخذه، فأعرض عنه الحسين عليه السّلام بوجهه، ثم قال: لا حاجة لنا فيك ولا في فرسك (وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً) ولكن فر، فلا لنا ولا علينا فإنه من سمع واعيتنا أهل البيت ثم لم يجبنا كبّه الله على وجهه في نار جهنم».
19 ـ نينوى، والغاضرية، والشفّية، والعقر: قال الطبري: «وأخذ الحر ابن يزيد القوم بالنزول في ذلك المكان على غير ماء ولا في قرية، فقالوا: دعنا ننزل في هذه القرية يعنون نينوى، أو هذه القرية يعنون الغاضرية، أو هذه الأخرى يعنون شفية، فقال: لا والله ما أستطيع ذلك، هذا رجل قد بعث علي عيناً، فقال له زهير بن القين: يا ابن رسول الله إن قتال هؤلاء أهون من قتال من يأتينا من بعدهم، فلعمري ليأتينا من بعد من ترى ما لا قبل لنا به، فقال له الحسين: ما كنت لأبدأهم بالقتال. فقال له زهير بن القين: سربنا إلى هذه القرية حتى تنزلها فإنها حصينة وهي على شاطىء الفرات فإن منعونا قاتلناهم، فقتالهم أهون علينا من قتال من يجيء من بعدهم، فقال له الحسين: وأية قرية هي؟ قال: هي العقر، فقال الحسين: اللهم اني أعوذ بك من العقر».

20 ـ كربلاء: قال السيد ابن طاووس «ثم إن الحسين عليه السّلام ركب وسار، كلما أراد المسير يمنعونه تارة ويسايرونه أخرى حتى بلغ كربلاء، وكان ذلك في اليوم الثاني من المحرم، فلما وصلها قال: ما اسم هذه الأرض؟ فقيل: كربلاء، فقال: اللهم إني أعوذبك من الكرب والبلاء. ثم قال: هذا موضع كرب وبلاء انزلوا، ها هنا محط رحالنا ومسفك دمائنا وهنا محل قبورنا، بهذا حدثني جدي رسول الله. فنزلوا جميعاً ونزل الحر وأصحابه ناحية».
قال المجلسي: «ثم سار حتى نزل بكربلاء فقال: أيُ موضع هذا؟ فقيل: هذه كربلاء يا ابن رسول الله، فقال عليه السّلام: هذا والله يوم كرب وبلاء وهذا الموضع الذي يهراق فيه دماؤنا ويباح فيه حريمنا».
قال أبو مخنف: «وساروا جميعاً إلى أن أتوا أرض كربلاء وذلك يوم الأربعاء، فوقفت فرس الحسين عليه السّلام من تحته فنزل عنها فركب أخرى فلم تنبعث من تحته خطوة واحدة، ولم يزل يركب فرساً بعد فرس حتى ركب سبعة أفراس، وهن على هذا الحال، فلما رأى الإمام عليه السّلام ذلك الأمر الغريب قال: يا قوم ما يقال لهذه الأرض؟ قالوا: أرض الغاضرية، قال: فهل لها اسم غير هذا؟ قالوا: تسمى نينوى، قال: هل لها اسم غير هذا؟ قال: تسمى بشاطىء الفرات، قال: هل اسم لها غير هذا؟ قالوا: تسمى بكربلاء، قال: فعند ذلك تنفس الصعداء، وقال: أرض كرب وبلاء، ثم قال: قفوا ولا ترحلوا».
21 ـ حائر الحسين عليه السّلام: قد نعتت البقعة التي دفن فيها الحسين عليه السّلام في كربلاء بأسماء مختلفة، منها (الحائر).
وقد ورد التعبير في الروايات تارةً بلفظ الحائر وأخرى بلفظ حرم الحسين. أما الحائر، فالحرم شامل له ولا وجه لتقييد الحرم الوارد في الروايات المستفيضة بالحائر، ان ثبتت سعة الحرم، والا فلا بد من التوقف والاقتصار على الحائر.

حد حائر الحسين عليه السّلام:
وقد اختلف كلام الأصحاب في حد الحائر:
فقال العلامة المجلسي: «اعلم أنه اختلف كلام الأصحاب في حد الحائر، فقيل: إنه ما أحاطت به جدران الصحن، فيدخل فيه الصحن من جميع الجوانب والعمارات المتصلة بالقبة المنورة، والمسجد الذي خلفها وقيل: إنه القبة الشريفة حسب وقيل: هي مع ما اتصل بها من العمارات كالمسجد، والمقتل، والخزانة، وغيرها.
والأول أظهر لاشتهاره بهذا الوصف بين أهل المشهد، آخذين عن أسلافهم ولظاهر كلمات أكثر الأصحاب».
وقال محمّد بن ادريس الحلي: «المراد بالحائر ما دار سور المشهد والمسجد عليه، دون ما دار سور البلد عليه لأن ذلك هو الحائر حقيقةً، لأن الحائر في لسان العرب: الموضع المطمئن الذي يحار الماء فيه، قد ذكر ذلك شيخنا المفيد في الإرشاد في مقتل الحسين، لما ذكر من قتل معه من أهله، فقال: والحائر محيط بهم إلاّ العباس فإنه قتل على المسناة».
وقال الشهيد الأول: وفيه حار الماء يعني به لما أمر المتوكل بإطلاق الماء على قبر الحسين ليعفيه فكان لا يبلغه.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة