علمٌ وفكر

تأثير الجينات التي ورثها والتي لم يرثها الأطفال على تعليمهم وصحتهم

 

المترجم : أبو طه/ عدنان أحمد الحاجي .. 

إنه نقاش قديم : ما هو مقدار ما تحدده جيناتنا من كيف ننمو ونتعلم، وكم من ذلك يُعزى إلى البيئة؟ أظهرت دراسة جديدة أجراها كونغ أوغستين (من أيسلاندا) وزملاؤه  ( الدراسة على هذا الرابط :https://www.ncbi.nlm.nih.gov/m/pubmed/29371463/) أن جينات الوالدين، حتى تلك التي لم  تـنقل إلى الأطفال، لها آثار كبيرة على صحة الأطفال وتحصيلهم التعليمي.
على الرغم من أن هذا الاكتشاف قد نشره البعض على أنه "يسبب دوار الرأس" ولكن  بالنسبة لي فهو ليس من المستغرب جدًّا.
نحن نعلم بالفعل أن الوالدين يساهمان في الجينات التي تؤثر بشكل مباشر على النمو، وأن بيئة الطفل تحدد كيف يكون لهذه الجينات تأثير.
ولكن جزء هام من هذه البيئة هما الوالدان. بالنسبة لي، الدراسة الجديدة هذه تسلط الضوء على أهمية الجينات الوالدية في تشكيل كيف رُبينا.


الجينات والتنمية البشرية
ونحن نعلم من العديد من الدراسات أن معظم جوانب النمو والتنمية البشرية تتأثر بشدة من المكوّن الجيني للطفل. على سبيل المثال، مقارنة التوائم المتطابقة وغير المتطابقة تظهر عناصر وراثية كبيرة لمثل هكذا اختلافات مادية كالطول والوزن، فضلًا عن العديد من السلوكيات، بما في ذلك القدرة على التعلم.
ولكننا نعلم أيضًا أن كل هذه الصفات تتأثر بشدة بالبيئة. فعلى سبيل المثال، الطول يمكن أن يُعاق بسبب سوء التغذية، والقدرة على التعلم تصبح محدودة بسبب الفقر.
المئات - وربما الآلاف - من جيناتنا العشرين ألفاً تساهم في هذه الصفات. لكل جين، متغيرات  مختلفة (تسمى "الأليلات -وهي صبغيات وراثية متضادة الصفات - alleles ")   قد تنتج اختلافات - كبيرة أو صغيرة - في كيف ينمو الأطفال.
الطريقة للتعرف على هذه الجينات هي مقارنة المكون الوراثي لكثير من الناس ومعرفة ما هي الأليلات التي تتساوق - أي، تبين التشابه الإحصائي ذي الصلة مع سمات معينة. كان هذا صعبًا عندما كنا نقارن جينًا جينًا، وذلك باستخدام طرق غير ملائمة لتحديد الأليلات من خلال تسلسل حمضها النووي أو بالبروتينات التي تصنعها.
الآن وبعد أن أصبح تسلسل الحمض النووي رخيصًا، يستطيع العلماء النظر في الجينوم ككل لآلاف الأطفال، ووالديهم، وتحديد الاختلافات في التسلسل في كل الجينوم. هذه التقنية، التي تعرف باسم دراسة العلاقة الجينومية الواسعة ( جينوم وايد اسوسياشين GWAS) ، قد تعرفت على العديد من الجينات البشرية الداخلة في التطور الطبيعي والأمراض البشرية.
على سبيل المثال، نحن نعرف من دراسة مائة ألف شخص أن ٧٤ منطقة جينوم مقترنة (مرتبطة) "بالتحصيل التعليمي" (عدد السنوات التي صرفت في الدراسة).


التأثيرات الجينية من بعد
يتلقى الطفل نسخة واحدة (أليل) من كل جين عن طريق البويضة من الأم، وأليل آخر من كل جين عن طريق الحيوانات المنوية من الأب. لأنه من المرجح أن يكون الأمهات والآباء لديهم اختلافات طفيفة في التسلسل في معظم جيناتهم، فمن السهل باستخدام الكمبيوتر تحديد لكل جين أي أليل جاء من الأم وأي منها جاء من الأب.
ومن السهل أيضًا أن نفعل العكس: معرفة أي من الأليلين من الأم أو الأب تم نقلهما إلى الطفل، وأي أليل لم يفلح في أن يُنقل إلى تلك البويضة أو الحيوان المنوي المعنيين المساهمين في (تخليق؟) الطفل.
معظم دراسات GWAS  تحلل فقط تلك الأليلات الوالدية التي تم نقلها إلى الطفل. الدراسة الجديدة نظرت بشكل مقصود في الأليلات الوالدية التي لم تُنقل.
وتتبعت الدراسة الجينات في ٢١٦٣٧ رجلًا وامرأة في أيسلندا، حيث تتوافر بيانات الجينوم لجميع السكان. لقد بحثوا في أحد الوالدين أو كليهما لمعرفة أليلات الجينات التي تم نقلها إلى كل واحد شملتهم الدراسة، ولاكتشاف أي منها لم  يُـنقل.
ثم ساوقوا الأليلات الوالدية غير المنقولة بجوانب التعليم والصحة في أطفالهم. ووجدوا، بشكل عام، أن الأليلات غير المنقولة تضيف تأثيرًا كبيرًا على التحصيل العلمي للطفل، أي ما يقرب من ثلث التأثير المباشر للجينات الخاصة بالأطفال. وكان للأليلات غير المنقولة نفس الأثر على التحصيل العلمي سواء كانت في الأمهات أو في الآباء.
فقد كانت متشابهة لعناصر النمو والصحة: الطول والوزن ومؤشر كتلة الجسم، واستخدام الجلوكوز والدهون في الجسم، وحتى عدد السجائر  المدخنة. مرة أخرى، وجد أن الأليلات الوالدية غير المنقولة (وخاصة من الأم) لها تأثير كبير، على الرغم من أنها لم تنته (تـنقل) في الأطفال.


طبيعة الرعاية *
وعليه لماذا أنا لست مندهشًا من هذه النتيجة الجديدة؟
لقد عرفنا لفترة طويلة أن المكون الجيني للأم قد يكون له تأثير قوي على نمو ذريتها. فقد درست "جينات تأثير الأم"  لعقود في الحيوانات الأليفة، حتى الأسماك والذباب الفاكهة.
ولكن كيف بإمكان جينات الأب غير المنقولة أن تعمل؟ وكيف تؤثر الجينات الوالدية على التحصيل العلمي النهائي لطفلهما؟

يجب أن يكون انتقال التأثير عن طريق سلوك الوالدية للوالدين، الذي هو في حد ذاته محدد وراثيًّا بشكل جزئي. فالأولويات التي يضعها الوالدان للقراءة والرياضة واستخدام المشروبات والسجائر تتشكل جميعها بالجينات، وتهيئ بيئة منزلية تؤثر على الأطفال للأفضل أو للأسوأ.
ويؤكد هذا البحث على أن الوالدين عنصران حيويان في بيئة طفلهما. إسهامهما في مصلحة أطفالهم ليس فقط مباشرة من خلال الأليلات التي ينقلونها إلى أطفالهم، ولكن أيضًا بشكل غير مباشر من خلال المكون الجيني الذي يؤثر على من هم وكيف يربون أطفالهم.
ويسمي كونغ هذه "بالرعاية الجينية". ولكن أتساءل عما إذا كان البحث الذي أجراه كونغ قد بدأ عن غير قصد لتحديد الجينات التي تسهم في "والدية جيدة"؟


المصدر:
https://theconversation.com/kids-learning-and-health-is-shaped-by-genes-they-dont-inherit-as-well-as-genes-they-do-90852
* تعليق من خارج النص على العوامل الطبيعية والرعوية على الطفل  
الطبيعة هي ما قبل التخلق وتتأثر بالوراثة الجينية والعوامل البيولوجية الأخرى.
الرعاية: عادة ما تؤخذ الرعاية باعتبارها تأثير العوامل الخارجية بعد الحمل على سبيل المثال. نتاج التعرض والخبرة والتعلم على الفرد.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة