لقاءات

صفية رضي: لا ينبغي للمجتمع أن يربي المرأة على السكوت على الظلم

 

نسرين نجم .. 

جمعت ما بين البكالوريوس في علوم الاقتصاد والسياسة والدبلوم في الإرشاد الأسري والنفسي وبين كونها محاضرة وناشطة وخطيبة حسينية وكاتبة في المجال الديني والأسري والتربوي ومدربة ومرشدة ومستشارة أسرية ومعلمة وأستاذة حوزوية لتوصل الرسالة الأساسية في حفظ الأسر وصيانة المرأة عبر توعيتها وتثقيفها، فكان الحوار مع السيدة صفية رضي حول  شؤون وشجون المرأة المسلمة:

* المرأة المسلمة اليوم:
بدأت رحلتها في التدريس والتثقيف الديني في العام ١٩٨٦عبر مدرسة توبلي للعلوم الإسلامية وموسم الزهراء النسوي، أما الإرشاد الأُسري فبدأته في العام ٢٠٠٩ عبر مركز الإرشاد الأسري في جمعية التوعية الإسلامية، وقد بدأت بالكتابة: "منذ التسعينات وظهور الحاسوب ووسائل التواصل المختلفة كالمنتديات وبرامج التواصل وعبر نشرات جمعية التوعية والمؤسسات المختلفة والصحافة ومستمرة للآن عبر صفحاتي الخاصة على الفيس بوك والانستغرام".
حُكي الكثير عن حال المرأة المسلمة منهم من قال بأنها لا تزال تعيش في قيود وأعراف ولم تنل حقوقها التي نص عليها الشرع الإسلامي، ومنهم من اعتبر بأنها أخذت حقوقها كاملة، بينما ترى السيدة صفية رضي بأن: "المرأة في العالم العربي والإسلامي لديها صفات إيجابية تتميز بها عن غيرها من الشعوب، فهي طموحة متعلمة مبدعة وقيادية ونشيطة وموهوبة في مجالات مختلفة، تقدس الزواج والأسرة وتضعها في قمة أولوياتها، تسعى لحل مشاكلها وتعمل على تحصيل الثقافة التربوية والأسرية باستمرار، صبورة تضحي من أجل أسرتها والحفاظ على أمانها واستقرارها في الأزمات، تسعى للوظيفة والعمل خارج المنزل أو داخله لدعم زوجها وأسرتها ماديًّا والاعتماد على نفسها لكنها تحب الاستقرار في المنزل كربة بيت، محصنة مخلصة لزوجها وعفيفة لا تلجأ للعلاقات المحرمة حتى لو كانت تعاني من مشاكل مع زوجها لأن الحس الديني عندها مازال حيًّا، تهتم بجمالها وصحتها ووعيها وسلوكها الصحي باستمرار. استطاعت أن تجمع بين جمال واستقامة الدين وبهجة الحياة. لكنها تعاني أحيانًا من بعض السلبيات فيها أو في محيطها  مثل التمييز والتشدد والجهل الديني الذي يحرمها من حريتها وممارسة بعض حقوقها التي كفلها لها الدين والقانون لكن العرف يحرمها، وتسرف في إنفاقها والتركيز على المظاهر المادية وتخفق في إدارة مواردها المالية جيدًا، جهلها وقلة وعيها الديني يجعلها سريعة التقليد والتبعية للعادات الخاطئة والبدع والأفكار الغريبة، تعيش بين نمطين من النساء والرجال، نمط متحلل متمرد على الدين فكريًّا وسلوكيًّا، ونمط متشدد فهم الدين بشكل خاطىء وهي تتبع أحدهما بلا تفكير مستقل ولا قرار راشد ."
السيدة صفية رضي كاتبة ومهتمة بقضايا المرأة كإنسان وليس فقط كأنثى وهي ترى بنقطة إنصاف الأقلام للمرأة المسلمة بأنه: "لن ننصف المرأة إلا إذا توقفنا عن التركيز على المرأة فقط، وكتبنا عن المساحة الإنسانية والاجتماعية المشتركة أكثر، معظم هذه الأقلام تفتعل وتتخيل معارك وهمية لا وجود لها إلا في عقولهم وعلى صفحاتهم، لكن كثرة الكتابة عنها جعل المرأة تحولها لمشكلة في الواقع إنها تشبه بالضبط ما يقوم به الساسة لشغل شعوبهم بمعارك وهمية، وتشبه الجدل العقيم الذي انشغلت به الفلسفات القديمة حول جنس وهوية المرأة، إذا أردنا أن نعرف من القلم المنصف والموضوعي لابد أن نتكلم عن مواصفاته سواء كان لرجل أو امرأة، فهو القلم الذي :

- ينظر للمرأة والرجل ببعدين متوازنين، البعد الإنساني والبعد النوعي. 
- لا يطالبها بالخروج من ثوبها الأنثوي الفطري ويشغلها بهوس التشابه مع الرجل. 
- لا يتكلم من رأي شخصي وتعميم وإنما وفق بحث علمي وتجارب وإحصاءات وأدلة ومعرفة دينية ومتخصصة واسعة.
- لا يطالب المرأة بأدوار متعددة ومتراكمة ويغفل دور الرجل. 
- لا يستخدم المرأة والطفل كناعق خلفه لخدمة الدين والسياسة والجنس والاقتصاد بلا وعي ولا تفكير مستقل. 
- يطلع على ما يستجد من تطورات العصر ولا يكتب خارج الزمن.


* الأنوثة والاستغلال المادي:
 مفهوم الأنوثة فيه الكثير من الإنسانية والرقي لكن المادة دخلته واستغلته في الكثير من الأحيان، لذا سألنا السيدة صفية رضي ما المقصود بمفهوم الأنوثة هل هو مفهوم تجاري أم أنه مفهوم يقمع المرأة أم ماذا؟ فتجيب: "الأنوثة تكوين فطري في المرأة كما الذكورة تمامًا وبه تكون الحياة متوازنة وقد خلق الله المرأة بشكل يناسب هذا المفهوم، أما استغلاله تجاريًّا أو دينيًّا بشكل خاطىء وقمع المرأة بسببه فهو من أفكار وعادات البشر وليس من تكوين الأنوثة الفطري الذي يجب علينا أن نرسخه في المرأة وسلوكها بشكل شرعي ومعتدل، فمفهوم الأنوثة يشمل :
- الأمومة والرقة والعطف والحنان.. 
- الاهتمام بالزينة والجاذبية والجمال.. 
- حب الأسرة والاستقرار.. 
- الرعاية والمسؤولية المنزلية ..

وكلها صفات فطرية مهمة تساعدها في أداء دورها المتوازن وليست ضعفًا أو عيبًا... لكنها يجب ألا تنفي دور المرأة في البعد الإنساني المشترك مع الرجل".
 في ظل ارتفاع الخلافات الزوجية والتوترات داخل البيت نسأل عن دور الزوجة في إعادة الاستقرار إلى البيت، وفي حال كان الزوج ظالمًا ومعنفًا لها هل عليها أن تسكت وتصبر؟ ترى الأستاذة صفية بأنه: "يجب علينا أن ننشر الثقافة الفقهية والأخلاقية الإسلامية والحقوقية الصحيحة بين الرجال والنساء بمختلف الوسائل ومختلف الميادين وفِي جميع المناسبات لنعيد الاستقرار للبيت الزوجي، وفي حال تمادي وظلم وعنف الزوج تجاه المرأة فقد جعل الله لها سبلًا ووسائل للعلاج التدريجي والإصلاح والاستشارة فإن لم تفلح فلها أن تختار لها الحياة الكريمة والسعيدة مع زوج آخر وليس لأحد أن يجبرها على حياة المظلومية والعنف والتعاسة، وكذلك الرجل، فلا ينبغي للمجتمع أن يربي المرأة على السكوت على الظلم . "
عدم السكوت عن الظلم مرتبط بمدى اطلاع كلا الجنسين على حقوق المرأة في الاسلام، ولكن للأسف بعض الرجال يضربون بهذه الحقوق عرض الحائط لذا تعتبر السيدة صفية رضي: "يوجد جهل وفهم خاطىء وقاصر للدين والحقوق الزوجية، كما يوجد جهل فقهي وأخلاقي بأحكام الزواج كما جاءت في القرآن ومخالفة الرجال لهذه الحقوق سببه تربية ونمط خاطئ تربى عليه الرجل ومفهوم خاطىء لمعنى القوامة وأحكام التعدد في الزوجات، كما أن المنابر والمؤسسات أغفلت التثقيف الحقوقي والتربوي للرجل لسنوات وركزت على دور المرأة فقط، فنشأ جيل من الرجال يفهم الزواج كحق فقط لا يقابله واجب عليه وإنما على المرأة  فقط، ويلعب الإعلام والأصدقاء والأهل وقلة الاطلاع على الثقافة الزوجية والمعاصرة لدى الجنسين دورًا في تعدي وظلم الرجل للمرأة".

بالحديث عن الثقافة والتحصن بالمعرفة وفي ظل سيطرة العوالم الافتراضية والتكنولوجية كيف يمكن للأم أن تقوم بدورها التربوي وكذلك الأب؟ تجيب: "يجب على الأبوين أن يطلعا على تطورات العصر وإفرازاته على الأبناء ويتفهما تطورات الزمان ويستخدما الوسائل الحديثة والتكنولوجية لصالح التربية ويوجها الأبناء لذلك،  يجب أن نكون كآباء متابعين لما ينشر في هذا الوسائل ومستعدين لتساؤلات أبنائنا وإجابتها وما يثار من شبهات لا متفرجين ناقدين فقط، كما يمكن أن نتابع الصفحات المتخصصة في التربية والثقافة الزوجية والنفسية لنزيد وعينا بذلك، وندخل هذه الوسائل مع أبنائنا ونشاركهم في الحوار والتقييم لما ينشر فيها ونشجعهم على المشاركة والكتابة والتفكير الناقد، إن هذه الوسائل خير معين لنا في التربية إن أحسنا استغلالها وتوجيهها ".
نصل هنا إلى السؤال الأهم والأساس في بناء الحياة الزوجية المستقرة وهو كيف تختار الفتاة شريك حياتها بالطريقة الصحيحة؟ تجيب السيدة صفية رضي بأن: "هذا يحتاج لدورات متخصصة ومكثفة للشباب من الجنسين قبل الزواج تشرح لهما مختلف المعايير التي يجب مراعاتها في الاختيار، كما يجب على المجتمع أن يعطي الشباب والفتيات فرصة للاختيار بإرادتهم ورغبتهم وليس بالطريقة التقليدية فقط، مع الحفاظ على الحدود الشرعية المتعلقة بالاختلاط والعلاقات بين الجنسين، وإذا كان الاختيار بالمقابلة الشرعية وعن طريق الأهل فلا بدّ أن نعلم الشباب والفتيات بنمط الأسئلة المطلوبة في المقابلة وأنماط الشخصيات، ونؤكد طبعًا على أولوية شرط الصلاح الديني والخُلق في الشاب والفتاة وبعده نبحث عن توفر المعايير الأخرى ". 

هذه المعايير أو الشروط في اختيار الشريك تتطلب أن يكون الفرد متصالحًا مع ذاته، وللحصول على هذا التصالح تقول السيدة رضي: "المفاهيم والمصطلحات المتعلقة بالنفس البشرية وتهذيبها ومبادئها يجب أن نأخذها من القرآن والروايات الشريفة الصحيحة والموثقة ومن علم التفسير والأخلاق ثم من الكتب الحديثة المعاصرة والمختصين مما يتفق مع مصادرنا وثقافتنا الإسلامية وما يناسب عصرنا، فمثلًا مفهوم الأنا والهوى والنفس والذنب وتأنيب الضمير ومحاسبة النفس ومخاطبتها ولومها من المفاهيم التي تختلف بين الثقافة الإسلامية القرآنية والروائية وبين مفهومها في الفكر النفسي والتربوي الحديث والغربي، وأداء حق النفس وحريتها عندنا يجب أن يتوازن مع أداء حقوق الغير وحريتهم، أما في الدورات الحديثة فتركز فقط على النفس والأنا، وهكذا فالأمثلة كثيرة تحتاج منا الاطلاع الشامل والواسع والتروي والعقل والذكاء والنقد في غربلة وتمحيص الجيد من السيء"... وهي تنصح المقبلين على الزواج بالتالي: 
" - الدخول في الدورات التدريبية ،
     - وقراءة الكتب المتخصصة في ذلك، 
    -الاطلاع على المواقع والمواد الالكترونية المتاحة من مختصين،
    - تهيئة أنفسهم بعلاج عيوبهم وسلبياتهم قبل الزواج، 
-    تعويد أنفسهم على تحمل المسؤولية وضبط السلوك وترك العلاقات المحرمة والتوبة والدعاء والاستعانة بالله، 
-    الحرص على مستحبات ليلة الزفاف 
-    البعد عن الإسراف والمظاهر المادية في حفلات الزواج "

بالختام تتحدث السيدة صفية رضي عن مشاريعها الحالية: "العمل على التأليف والكتابة في المجال الأُسري والزوجي والتربوي وفق المنهج القرآني والروائي، ودخول الدورات الفكرية المتخصصة، وضع خطة استراتيجية للمأتم والتعليم الديني" أما بالنسبة لمشاريعها المستقبلية: "فهي عديدة منها: تدريب كوادر مؤهلة من الفتيات على البحث وإلقاء المحاضرات وكتابة المقالات، افتتاح مركز تنموي وأسري شامل، تقديم دورات التنمية البشرية بمفهوم إسلامي، ووضع برنامج تربوي إرشادي خاص بالعائلة".

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة