مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد عباس نور الدين
عن الكاتب :
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران: الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه.

قواعد للتّعامل مع النّفس

 

السيد عباس نور الدين
يدرك المؤمن أنّ نفسه كغيرها من مخلوقات العالم هي أمانة إلهيّة، وينبغي أن يرجعها إلى بارئها كما أراد. لهذا، يشعر المؤمن الواقعيّ بالمسؤوليّة الكبرى تجاه نفسه، ويسعى دومًا لتحمّل هذه المسؤولية انطلاقًا من وعيه ومعرفته بمبادئ الدّين وأهدافه. وفيما يلي ست قواعد أساسية للتّعامل مع النّفس وفق ما أراد الله تعالى.
توحيد مركز القرار
قد تتعجّب حين تعلم أنّ نفوس أكثر النّاس ليست صاحبة القرار الأوّل والأخير فيما يجري عليها. بمعنى أنّهم يتركون نفوسهم تخضع للمؤثّرات الخارجيّة وتنساق معها. وأخطر هذه العوامل الشّيطان الذي يصل به الأمر إلى التحكّم التامّ بنفوسنا وجعلها منقادة له بالكامل. وهذه هي ولاية الشيطان. ومن تولّى الشيطان سلك طريقه حتّى يصبح مثله. ومن العوامل الأخرى التي تكون في أكثر النّاس في طفولتهم وقد تستمر معهم إلى آخر العمر، كون النّفس تابعة للبدن. وهذا ما يؤدّي إلى تشتّتها. مثلها مثل الملك الذي يتبع وزراءه وحاشيته، فيصبح بلا إرادة، يفعل كل ما يطلبونه منه. وحين نسمح بتبعيّة نفوسنا لبطوننا (وهي من أشدّ الوزراء حضورًا في بلاط النّفس)، فسوف ننساق وراءها فيما تطلب وتشتهي.
ولأجل ذلك لا بدّ من الرّياضة المعنويّة (وأهمّها ما يُطرح في برامج السير والسلوك). وعلى رأس هذه الرّياضات العبادة (كالصلاة). ففيها يتمرّن الإنسان على جعل كل جنود مملكة نفسه خاضعة لها من خلال توجيهها إلى خالقها وربّها.
 

سوء الظنّ المطلق بها
من عرف حقيقة النّفس يدرك تمامًا أنّها بطبيعتها ميّالة للباطل وأمّارة بالسوء. فلو ترك الإنسان نفسه تسوقه إلى كلّ شرّ ولو كان في أعلى مراتب الكمال. لهذا، يتعامل المؤمن الذّكيّ مع نفسه بسوء الظنّ دومًا ولا يأمن جانبها. فهو يعتقد أنّه قد يقع في أسفل سافلين وإن كان في أعلى علّيّين. ويمكن أن يسقط في إمتحان الإيمان بأي لحظة، مهما كان قلبه عامرًا به. ولأجل أن ينجو من شرّ نفسه، عليه أن يتحصّن بحصن التوكّل المطلق على الله وإحسان الظنّ به. وخاصّة أنّ سوء الظنّ بالنفس قد يجعله يائسًا قانطًا.
عدم الثّقة بالنفس
وهذا ينبع من الحقيقة السابقة، فالذي عرف نفسه يدرك أنّها عين الضعف والعجز. فكيف يعتمد عليها أو يثق بها، وقد تخذله في أيّ لحظة. وقد أظهر الشّيطان للنّاس طريقين حين نسوا ربّهم، فقال لهم إمّا أن تثقوا بأنفسكم أو لا. وحين يفقد الإنسان الثّقة بنفسه فسوف ييأس ويُحبط ويكسل ويكتئب و.. لكنّ المؤمن يعلم أنّ هناك طريقًا آخر أخفاه الشيطان عن عمد. وهو أن يثق بربّه فقط. كما قال تعالى: { أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ}.
الرفق بالنفس ومداراتها
النفس هي المحل الأوّل للتربية، لأنّها مسؤوليّتنا الكبرى. فإذا استطعنا تربيتها وتهذيبها وتكميلها، أمكننا تربية النّفوس المستعدّة كلّها. ولأنّ معظم النّفوس تكون مشغولة بتدبير البدن وتأمين حاجاته ومتابعة شؤونها، فإنّها تكون شديدة التعلّق به، بحيث يصعب التفكيك بينهما. فإذا تألّم البدن تألّمت، وإذا حصل على ما يلائمه انبسطت، وهكذا. لهذا، فإنّ فكّها عن هذا التدبير دُفعةً واحدة، بالإضافة إلى خطئه، فقد يكون سببًا لزيادة تعلّقها به. مثلما يحدث إذا قرّر الشاب الإعراض عن الزّواج، فقد يكون سببًا لاستعار الشهوة أكثر من السّابق. وهذا ما يعبّر عنه بالكبت الذي يولّد الانفجار.. لهذا، ينبغي مراعاة الرّفق معها والتدرّج والمداراة؛ فيعطي للبدن حظّه من دون مغالاة، حتّى تتوفّر للنّفس فرصة إدراك عالم الرّوح الذي خُلقت من أجله.
 

الرجوع إلى الطّهارة الأولى
ورد في الأحاديث أنّ موسى كليم الله عليه السلام سأل الله تعالى ماذا يريد منه. فقال الله له ارجع لي نفسك طاهرةً كما أعطيتك إيّاها طاهرة. وهذا يدلّ على أنّ نفوسنا تكون في حالتها الأولى وقبل عروض العوامل الوراثيّة والاجتماعيّة والمسلكيّة عليها في عين الطهارة، لكنّها تتلوّث شيئًا فشيئًا. فالأصل هو الطهارة، ولهذا فليس المطلوب سوى الرّجوع إلى الأصل. وليس علينا أن نخترع شيئًا ونضيفه إلى أنفسنا، بل ينبغي أن نتخلّص ممّا علق بها. ولا يحصل ذلك إلّا من خلال تهذيب النّفس في برنامج السّير إلى الله.
التدرّج في مراتب الكمال
أكثر النّفوس تكون في حالة من الإهمال والدسّ {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}، فينشأ تبعًا لذلك مرض أو مشكلة فيها تجعلها أمّارةً بالسوء. فإذا تواجد الإنسان في بيئة قيميّة أو معنويّة (إلى حدٍّ ما)، يتولّد فيه شعورٌ واضحٌ تجاه الحسن والقبح. فتصبح نفسه لوّامة إن هو استحسن تلك البيئة وأراد الانسجام معها. تلومه نفسه إن هو خالف الحسن أو اتّبع القبيح. ثمّ قد تصبح نفسه ملهمة بالحسن والجمال، فيجد في نفسه على أثر الاستمرار بالحركة التكامليّة رغبة في بلوغ الكمالات العليا. حتّى يصل إلى مرحلة الطمأنينة، حيث تستقر نفسه في طاعة العقل الذي يدعو إلى كلّ خير وكمال.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة