مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ علي رضا بناهيان
عن الكاتب :
ولد في عام 1965م. في مدينة طهران وكان والده من العلماء والمبلغين الناجحين في طهران. بدأ بدراسة الدروس الحوزوية منذ السنة الدراسية الأولى من مرحلة المتوسطة (1977م.) ثم استمرّ بالدراسة في الحوزة العلمية في قم المقدسة في عام 1983م. وبعد إكمال دروس السطح، حضر لمدّة إثنتي عشرة سنة في دروس بحث الخارج لآيات الله العظام وحيد الخراساني وجوادي آملي والسيد محمد كاظم الحائري وكذلك سماحة السيد القائد الإمام الخامنئي. يمارس التبليغ والتدريس في الحوزة والجامعة وكذلك التحقيق والتأليف في العلوم الإسلامية.

شُكْرُ النعمة

الشيخ علي رضا بناهيان

إن من القدرات الذهنية البالغة الأهمية هي أن يتمكن الإنسان من أن يحدّد لنفسه "زاوية للرؤية" ويعوّد نفسَه النظر إلى الأمور جميعاً من خلال هذه الزاوية. فكما أن بإمكاننا التعوّد على طريقة خاصة في الكلام، والأكل، واللبْس، يمكننا أن نعوّد أنفسنا على طريقة خاصة في النظر إلى الأمور والاهتمام بها. فإن عوّدَ الإنسانُ نفسَه على رؤية سليمة أضحى قادراً على السيطرة على ذهنه.

إذا تُرِكَ ذهن الإنسان طليقاً فإنه سيتّجه نحو السلبيات والمخاوف. فإن أحببنا أن لا تفكّر أذهانُنا في ما ينقصنا، ولا تتحسر على الماضي أو تقلق من المستقبل، فعلينا أن نمارس تمريناً غاية في الأهمية، علَّمَنا الدينُ إيّاه، وهو أن نعوّد أنفسَنا النظرَ دائماً إلى النصف الملآن من الكوب؛ أي النظر إلى ما نملكه، ومن ثم نشكر الله عليه.

شكْر النعمة، هذا الذي رُصِدَ له كَمّاً هائلاً من الثواب، يحاول – في الحقيقة – العمل على تغيير زاوية رؤيتنا. رَكِّزْ على ما تملك وحدّث نفسك بأنه كان من الممكن أن لا تملك هذه الأشياء أيضاً؛ أي كان في مقدور الله أن لا يعطيك إياها. فإن تعوّد المرءُ هذا النمط من الرؤية أصبح ذهنه إيجابياً نشطاً عموماً وأمسى تحت سيطرته. ولا ينبغي أن ننازع الذهن على نحو موصول؛ أي أن نذر أذهاننا تنحدر نحو السلبية، وعند ذلك فقط نحاول تغيير مسارها إلى الحالة الإيجابية.

علينا أن نعوّد أذهاننا على النظرة والتفكير الإيجابيَّين؛ كأن نتعوّد النظرَ إلى الإيجابيات كلما استيقظنا من رقادنا. يقال: "إذا نظرتَ بإيجابية فإنك ستجتذب نحوك الأمور الإيجابية". وتُطرَح في عالمنا المعاصر مباحث كثيرة في هذا المجال وتلقى ترحيباً من المتلقّين أيضاً. إلا أنّ ضرباً من الغش يعتريها وهو أنهم يحذفون منها دَورَ الله تعالى ومُقَدّراته لعباده. فإن كانت ورقة الشجر لا تسقط إلا بإذن الله، فكيف لأحوالي أنا أن تتغيّر من دون إذنه عزّ وجلّ؟!

ولو أحب المرء تحليل النظرة الإيجابية تجاه الله تعالى لرأى أنها "الشكر" بعينه، فالشكر هو التمرّن على السيطرة على الذهن وتعويده على التفكير بإيجابية. ألا وإن صَرفَ الذهن عن المساوئ والأمور السلبية أمر في غاية الصعوبة، أما صرفه إلى الأمور الإيجابية فأسهل.

لو أننا وَجَّهنا أذهاننا دائماً إلى الأشياء الإيجابية ثم تعوّدتْ هي على ذلك فسوف لا نواجه مشاكل كثيرة لدى تحوّل اهتمام الذهن. فحين تكون إيجابي النظرة، وتنظر إلى كل الأحداث – حتى الأليم منها – من زاوية الجزء الملآن من الكوب، وتؤدّي شُكْر الله تعالى فإنك ستصيب في مجال العبودية حالاً في منتهى الروعة.

إذا نحن مرَّنّا أنفسَنا وعوّدنا أذهاننا على هذه النظرة الإيجابية الشاكرة فإننا سننمو حتى بأعمالنا العادية هذه. ففي الخبر إن المؤمن الشاكر يأكل ويشرب لكنه ينال من الثواب ما يناله الصائم المجاهد، لا بل أكثر! لأنه يشكر على كل فعل يفعله. فحين يشكر الله من أعماق قلبه وينظر بإيجابية فإنه ينال أجر الصائم حتى بأكله الطعام؛ «الطَّاعِمُ الشَّاكِرُ لَهُ مِنَ الأَجْرِ كَأَجْرِ الصَّائِمِ الْمُحْتَسِب» (الكافي/ ج2/ ص94)، «إِنَّ الْمُؤْمِنَ‏ لَيَشْبَعُ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَيَحْمَدُ اللهَ فَيُعْطِيهِ اللهُ مِنَ الأَجْرِ مَا لَا يُعْطِي الصَّائِم» (المحاسن/ ج2/ ص435). (وإنّ أجر الشُكر أكثر من أجر الصبر): «... فَإِنَّ الشُّكْرَ عَلَى‏ الْعَافِيَةِ خَيْرٌ مِنَ‏ الصَّبْرِ عَلَى‏ الْبَلَاء» (مشكاة الأنوار/ ص258).

وأكثر شيء أمَرَ القرآنُ الكريم بالذكر فيه هو النِعَم: «اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُم» (فاطر/3). وعن الإمام موسى الكاظم(ع) قوله: «التَّحَدُّثُ بِنِعَمِ اللهِ شُكْرٌ وَتَرْكُ ذَلِكَ كُفْر» (وسائل الشيعة/ ج7/ ص40).

وعن أبي عبد الله الصادق(ع) أنه قال: «مَنْ عَرَفَ نِعْمَةَ اللهِ بِقَلْبِهِ اسْتَوْجَبَ الْمَزِيدَ مِنَ اللهِ قَبْلَ أَنْ يُظْهِرَ شُكْرَهَا عَلَى لِسَانِه» (تحف العقول/ ص357). والذي يعوّد نفسَه على مثل هذه النظرة يكون شكوراً! لا شاكراً. والشكور هو الذي ينظر إلى كل شيء من زاوية إيجابية. فإنّ الكثير ممّا يلُمّ بنا في الحياة من الهموم، والأحزان، وضروب القصور هي وسائل محبة الله لنا ولطفه بنا. فاشكُرْ جميع ذلك، وانظُرْ من زاوية إيجابية، وسترى كيف ستكون حياتك بعد ذلك.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة