علمٌ وفكر

الإبستيمولوجيا


دخل هذا المصطلح الإبستيمولوجيا (Epistemology) حديثا إلى ميادين البحث الفكرية العربية. إلا أنه كثيرًا ما أسيء استخدامه مثل سواه من المصطلحات الأخرى التي أنتجتها الحداثة في الغرب. ومع ذلك فإن الفكر الغربي نفسه، وقع هو أيضًا في سوء هذا المصطلح، عندما تم تداوله في الحقول المختلفة للعلوم الإنسانية.


ماذا يعني هذا المصطلح؟
الإبستيمولوجيا هو مصطلح جديد، استخدمه للمرة الأولى الفيلسوف الأسكتلندي جيمس فريدريك فيريي 1808-1864 في كتابه مبادئ الميتافيزيقا عام 1754 حيث قسّم الفلسفة إلى قسمين:
أنطولوجيا وأبستيمولوجيا. أما بالنسبة الى أصل هذا المصطلح فهو مركب من كلمتين يونانيتين هما (Epistémé) ومعناها علم (Logos) ومعناها نظرية (دراسة). وعليه يمكن القول أن معنى الإبستيمولوجيا من حيث الاشتقاق اللغوي؛ هو دراسة العلم أو نظرية العلم. إلا أنه اختُلف في دلالة (Epistémé) ههنا، هل هي المعنى لكلمة (Knowledge) الإنكليزية، وما في معناها من اللغات، أم أنها مرادفة لكلمة (Science) علم بالمعنى الحديث؟
ذهب الفرنسيون بمعظمهم إلى اعتبار المعنى المراد هو العلم بالمعنى الحديث، أي (Science) وهو موضوع الإبستيمولوجيا وميدانها، الذي تندرج تحته علوم الفيزياء، والكيمياء والأحياء، وغيرها من العلوم البحتة، واتسعت عند البعض لتطال علومًا أخرى لم ترق إلى مصاف العلوم البحتة، كعلم الاجتماع وعلم النفس. هذا مع الإشارة إلى أن كلمة (Science) مشتقة من (Scientia) اللاتينية، والتي كانت تستعمل أيضًا كمرادف لكلمة (Knowledge) أي أنها استُخدمت فيما مضى للدلالة على كل أنواع المعرفة فيما تقتصر اليوم في دلالتها على خصوص ميادين بعينها.
هذا التحول في دلالات الألفاظ وتطورها، الذي يسري على كلمة سوفيا (Sophia) اليونانية، والتي كانت تستعمل ككلمة جنس لكل أنواع العلوم، كذلك كلمة فلسفة (Philosophy) التي كانت إلى وقت قريب أم العلوم. فإسحق نيوتن الذي نصنفه اليوم كفيزيائي، كان يصنف في عصره ك(فيلسوف طبيعي). ولعل الصورة الدلالية للكلمات والمصطلحات أنها سوغت للفرنسيين التحويل الاستعمالي أو النقل للمصطلح (Epistémé) من معناه العام والخاص، أي من (Knowledge) إلى (Science) وهذا التغيير في المعنى الدلالي، هو في الوقت نفسه، تغيير للحقل المعرفي برمته، وتاليًا فنتائجه وآثاره كبيرة جدا. وبمعنى آخر لقد أدى هذا النقل الى تغيير موضوع الإبستيمولوجيا برمته. لقد أصبح موضوعها العلوم البحتة، أما مسوغه فهو أن المعرفة العلمية هي وحدها المعرفة الحقيقية.
لكن السؤال الذي أجمع عليه النقاد فإنه يبقى ماثلا في مجال النقاش المعاصر وهو:
إذا كانت الإبستيمولوجيا علما للعلم ذاته، أفلا تحتاج هي نفسها الى إبستيمولوجيا تكشف عن مشكلاتها والصعوبات التي تواجهها؟
لم يتوصل الإبستيمولوجيون إلى جواب قاطع عن السؤال بعد. وذلك لأن الشروط الداخلية والخارجية التي يخضع لها العلم؛ هي الشروط نفسها التي تخضع لها الإبستيمولوجيا. لذلك فعلى الرغم من نزوعها العلمي، وادعائها الحياد، في النقد، والتحليل، والتفسير، فإن العاملين في إطار مناهجها، غالبا ما يقعون في مطب الأحكام الإيديولوجية حيال الظواهر العلمية.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة