مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد صنقور
عن الكاتب :
عالم دين بحراني ورئيس مركز الهدى للدراسات الإسلامية

الاعتقاد بأنَّ الأئمة (ع) محدَّثون ليس غلواً


الشيخ محمد صنقور ..

يعتقد شيعة أهل البيت (ع) أنَّ الأئمة الاثني عشر (ع) من آل الرسول (ص) محدَّثون، كما يعتقدون في السيدة فاطمة بنت النبي (ص) أنَّها محدَّثة، وليس ذلك من الغلوِّ في شيء، إذ هو مقام لا يختص به الأنبياء (ع) وقد نصَّ على ذلك القرآن الكريم وروايات كثيرة وردت من طرقنا بل ومن طرق العامة أيضاً.
فمما ورد في القرآن الكريم هو قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ / يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾(1).
وقال تعالى: ﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾(2).
فالآيات صريحة في أن الملائكة كانت تُحدِّث السيدة مريم (ع) رغم أنَّها لم تكن نبيَّاً بإجماع المسلمين.
وممن نصَّ القرآن الكريم على أنَّ الملائكة حدَّثتهم رغم أنَّهم لم يكونوا من الأنبياء هي السيدة سارة زوجة النبي إبراهيم (ع).
قال تعالى يحكي قصة الملائكة الذين حلَّوا ضيوفاً عند إبراهيم (ع): ﴿وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُواْ سَلاَمًا قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ / فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إلى قَوْمِ لُوطٍ / وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ / قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ / قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ﴾(3).
فرغم أنَّ السيدة سارة لم تكن نبياً إلا أنَّ هذه الآيات تنص على أن الملائكة حدَّثتها وأنبأتها عن أمور كانت في غيب الله جلَّ وعلا، فهي قد أخبرتها عن أنها تُرزق بمولودٍ فيكون ذكراً اسمه إسحاق، كما أخبرتها أنه يكون وراء إسحاقَ يعقوبٍ.

وأما ما ورد في الروايات من طرق العامة فروايات عديدة فيها ما هو صحيح السند بحسب ضوابطهم:
منها: ما أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص): "لقد كان فيما مضى قبلكم من الأمم محدَّثون..."(4).
ومنها: ما أخرجه البخاري أيضاً في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال النبي (ص): "لقد كان فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل رجال يُكلَّمون من غير أن يكونوا أنبياء"(5).
ومنها: ما أخرجه مسلم في صحيحه عن عائشة عن النبي (ص): "قد كان يكون في الأمم قبلكم محدَّثون..."(6).
ومنها: ما رواه الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين في مناقب عمران بن الحصين بسنده عن مطرف بن عبد الله عن عمران بن حصين أنه قال: اعلم يا مطرف أنه كان تُسلِّم الملائكة عليَّ عند رأسي وعند البيت وعند باب الحجر فلمَّا اكتويتُ ذهب ذلك فلمَّا برىء كلَّمه، قال: اعلم يا مطرف أنه عاد إليَّ الذي أفقد، اكتم عليَّ يا مطرف حتى أموت(7).
وروى البيهقي في السنن الكبرى بسنده عن مطرف بن عبد الله الشخير يحدث عمران بن حصين: ... وأنه كان يُسلَّم عليَّ فلمَّا اكتويتُ انقطع عنِّي، فلما تركتُ عاد إليَّ يعني الملائكة. قال أخرجه مسلم في الصحيح من حديث شعبة، وبهذا لمعنى رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن مطرف(8).
وأفاد النووي في كتابه شرح مسلم(9): ومعنى الحديث أنَّ عمران بن الحصين كانت به بواسير فكان يصبر على المهمات وكانت الملائكة تُسلِّم عليه فاكتوى فانقطع سلامهم عليه ثم ترك الكيَّ فعاد سلامهم عليه.

وأفاد النووي في تذكرة الحفاظ في ترجمة عمران بن حصين: وكان ممن يسلِّم عليه الملائكة، مات سنة اثنين وخمسين، وكان به داء الناصور فاكتوى لأجله: فقال: اكتوينا فما أفلحت ولا أنجحت، وروينا انه لما اكتوى انقطع عنه التسليم مدةً ثم عاد إليه.
وأفاد الطبراني في المعجم الكبير(10) بسنده عن قتادة أن الملائكة كانت تُصافح عمران بن حصين حتى اكتوى.
وأفاد جلال الدين السيوطي في تنوير الحلك(11) قال: وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن يحيى بن سعيد القطان قال: ما قدم علينا البصرة من الصحابة أفضل من عمران بن حصين، أتت عليه الملائكة ثلاثون سنة تسلِّم عليه من جوانب بيته.
وأفاد ابن حجر في الإصابة(12): وأخرج الطبراني وابن منده بسندٍ صحيح عن ابن سيرين قال: لم يكن تقدم على عمران أحد من الصحابة ممن نزل البصرة، وقال أبو عمر: كان من فضلاء الصحابة وفقهائهم يقول عنه أهل البصرة أنه كان يرى الحَفَظَة وكانت تُكلِّمه حتى اكتوى. وذكر الصالحي السامي في كتابه سبل الهدى والرشاد: وكان يراهم الملائكة- عياناً(13).

ومنها: ما أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده عن حذيفة بن اليمان أنه أتى النبي (ص) فقال: بينما أنا أصلِّي إذ سمعت متكلِّماً يقول: اللهم لك الحمد كلُّه، ولك الملك كلُّه، بيدك الخير كلُّه، إليك يرجع الأمر كله علانية وسره، فأهلٌ أن تُحمد، إنَّك على كل شيء قدير...، فقال النبي (ص): "ذلك ملَك أتاك يُعلِّمك تحميد ربك"(14).
وثمة روايات أخرى عديدة وردت من طرق العامة صريحة في أنَّ الملائكة كانت تُحدِّث غير الأنبياء، وحينئذٍ فما هو المحذور في أن يلتزم الشيعة الإمامية بأنَّ الأئمة (ع) من أهل البيت (ع) كانت تُحدِّثهم الملائكة بعد أن نصَّت الروايات المعتبرة عندنا أنهم قد منحوا هذا المقام من الله تعالى.
ونختم برواية رواها الكليني في الكافي بسنده عن أبي جعفر الباقر (ع) قال: "إنَّ علياً (ع) كان محدَّثاً"، فقلتُ: فتقول نبي؟، قال: فحرِّك بيده هكذا ثم قال (ع): "أو كصاحبِ سليمان أو كصاحب موسى أو كذي القرنين أَوَ ما بلغكم أنه قال: وفيكم مثلُه"(15).

وروى بسنده عن بريد بن معاوية عن أبي جعفر وأبي عبد الله (ع) قال: قلتُ: ما منزلتكم؟ ومن تُشبهون ممن مضى؟، قال (ع): "صاحب موسى وذو القرنين كانا عالمين ولم يكونا نبيين"(16).
والمقصود من صاحب سليمان هو آصف بت برخيا الذي حكى عنه القرآن في قوله: ﴿قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي﴾(17) فصاحب سليمان جاء بعرش بلقيس من أرض سبأ إلى الشام قبل أنْ يرتدَّ إلى سُليمان طرفه، ولم يكن صاحب سليمان نبيَّاً وإنما كان وليَّاً من أولياء الله تعالى.
والمقصود من صاحب موسى هو الخضر الذي قال الله تعالى عنه: ﴿فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا﴾(18) إلى أن قال: ﴿وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا﴾(19).
وأما ذو القرنين فهو من ذكره القرآن بقوله: ﴿إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا﴾(20).
فهؤلاء الثلاثة لم يكونوا أنبياء ولكنَّ الله تعالى منحهم من فيض كرمه فظهرت الخوارق على أيديهم بإذنه جلَّ وعلا، وحينئذٍ كيف يُستوحش في أنْ يجعل الله تعالى في أمة خاتم الأنبياء (ص) وأفضلهم من يكونون مثلهم أو يزيدون.

روى الثعلبي في تفسير قوله تعالى: ﴿يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ / بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ﴾(21) بسنده عن ابن أبي ليلى عن أبيه عن رسول الله (ص): "سُبَّاق الأمم ثلاثة لم يكفروا بالله طرفة عين عليُّ بن أبي طالب وصاحبُ آل ياسين ومؤمنُ آل فرعون، فهم الصدِّيقون، وعليٌّ أفضلهم"(22).
وروى جلال الدين السيوطي في الدرِّ المنثور في تفسير قوله تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ﴾(23) قال أخرج ابن مردويه عن ابن عباس ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ﴾ قال: "السابقون من كلِّ أمة، وأخرج عن ابن مردويه عن ابن عباس في قوله:﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ﴾ قال: نزلتْ في حزقيل مؤمنِ آل فرعون وحبيبِ النجار الذي ذكر في (ياسين) وعليِّ بن أبي طالب، وكلُّ رجل منهم سابقُ أمته، وعليُّ أفضلهم سبقاً"(24).
وفي فتح القدير(25) للشوكاني قال: وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس أيضاً في قوله تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ﴾ قال: يوشعُ بن نون سبق إلى موسى، ومؤمن آل ياسين سبق إلى عيسى، وعليُّ بن أبي طالب سبق إلى رسول الله (ص).
وذكر جلال الدين السيوطي في الدر المنثور قال: وأخرج أبو داوود وأبو نعيم وابن عساكر والديلمي عن أبي ليلى قال: قال رسول الله (ص): "الصدِّيقون ثلاثة، حبيب النجار مؤمن آل ياسين الذي قال: ﴿يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ﴾(26) وحزقيل مؤمن آل فرعون الذي قال: ﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ﴾(27)، وعليُّ بن أبي طالب، وهو أفضلهم". قال: وأخرج البخاري في تاريخه عن ابن عباس قال: قال رسول الله (ص): "والصديقون ثلاثة حزقيل مؤمن آل فرعون وحبيب النجار صاحب آل ياسين وعليُّ بن أبي طالب"(28).
وروى ذلك الطبري في ذخائر العقبى وقال: روى أحمد بن حنبل في كتاب المناقب وذكر في ذيله وعلي بن أبي طالب وهو أفضلهم وكناه رسول الله (ص) بأبي الريحانتين(29).
فإذا كان عليٌّ (ع) أحد الثلاثة الذين سبقوا الأمم كلَّ الأمم فهم السابقون السابقون وعليٌ أفضلهم كما نصَّت الروايات، وإذا كان عليٌّ أحد الصدِّيقين الثلاثة الذين هم صفوةُ الصدِّيقين على امتداد تاريخ الرسالات فما وجه الاستيحاش من ان يكون محدَّثاً.
نعم قد يكون المنشأ لذلك هو ما أفاده القرآن الكريم في سورة النساء: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾(30).

____________________________________

1- سورة آل عمران آية رقم 42-43.
2- سورة آل عمران آية رقم 45.
3- سورة هود آية رقم 69-73.
4- صحيح البخاري -البخاري? ج 2 ص 200.
5- صحيح البخاري -البخاري? ج 2 ص200.
6- صحيح مسلم -مسلم النيسابوري- 7 ج ص 115.
7- المستدرك -الحاكم النيسابوري? ج 3 ص 272.
8- السنن الكبرى -البيهقي? ج 5 ص 14.
9- شرح مسلم -النووي- ج 8 ص 206.
10- المعجم الكبير -الطبراني? ج 18 ص 107.
11- تنوير الحلك -جلال الدين السيوطي- ص 4.
12- الإصابة -ابن حجر- ج 4 ص 585.
13- سبل الهدى والرشاد -الصالحي السامي- ج 10 ص 45.
14- مسند احمد -الإمام احمد بن حنبل? ج 5 ص 396.
15- الكافي -الشيخ الكليني- ج 1 ص 269.
16- الكافي -الشيخ الكليني- ج 1 ص 269.
17- سورة النمل آية رقم 40.
18- سورة الكهف آية رقم 65.
19- سورة الكهف آية رقم 82.
20- سورة الكهف آية رقم 84.
21- سورة يس آية رقم 26-27.
22- تفسير الثعلبي -الثعلبي- ج 8 ص 126.
23- سورة الواقعة آية رقم 10.
24- الدر المنثور -جلال الدين السيوطي- ج 6 ص 154.
25- فتح القدير-الشوكاني- ج 5 ص 151.
26- سورة يس آية رقم 20.
27- سورة غافر آية رقم 28.
28- الدر المنثور -جلال الدين السيوطي- ج 5 ص 262.
29- ذخائر العقبى -الطبري- ص56.
30- سورة النساء آية رقم 54.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة