لقاءات

رائد العلقم: كربلاء تمثل لي النبع الذي ارتويت منه فهذبني وأسسني على هذه الخدمة المباركة


نسرين نجم

في كل عام ينتظر عشاق الإمام الحسين (ع) أحدث اللطميات التي تحاكي عشقهم وولاءهم وتعلقهم بسيد الشهداء وبآل بيته وأصحابه الأطهار، فلا يمكن لأحد أن ينكر الحضور الهام والكبير للرادود الحسيني في الأذهان وتأثيره بالموالين من خلال حُسن اختيار الشعر والألحان بما يخدم الرسالة الكربلائية.. وينجح الرادود أكثر فأكثر عندما يكون متزودًا من الثقافة الحسينية من خلال معرفة الوقائع التاريخية والعقائدية، لتكون له البصمة المميزة في نقل المشهد بأسلوب صادق ومؤثر... وهذا ما يجعل "اللطمية" حيّة في الأذهان رغم مرور العقود على مناسبتها، لذا فإن الرادود هو شريك أساسي في النهوض بالمشروع التربوي القائم على واقعة الطف... وللحديث أكثر عن الرواديد ودورهم في صناعة الإنسان الحسيني كان لنا هذا الحوار مع الرادود الحسيني رائد العلقم...

 * كربلاء تعيش في نفوس كل من تربى على المجالس:
أصبحت صفة "الرادود" تلامس قلوب الشباب ممن يسعون فعلًا إلى أن يكونوا كذلك، انطلاقًا من شعورهم بإظهار انتمائهم لمدرسة الحسين (ع) ولنقل النهج الحسيني لكل موال عبر كلمة ولحن وأداء، لذا بدأ الرادود رائد العلقم رحلته في هذا العالم بالقول بداية: "شكرًا لكم على هذه الاستضافة الكريمة وأسأل الله أن يسدد خطاكم في نشر خط محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين، ترعرعت ولله الحمد في بيئة ومحيط حسيني، فمذ كنت طفلًا وأمي يرحمها الله تصطحبني إلى مجالس الحسين عليه السلام فتعلقت بالحسين عاطفيًّا، ومن ثم جاء دور الإثراء الفكري والعقلي من خلال حضوري مجالس ومحاضرات المنبر الحسيني ومن هنا تعلقت قلبًا وفكرًا بأبي الضيم أبي عبد الله الحسين عليه السلام... أما بالنسبة  لانضمامي إلى ركب الخدمة الحسينية (الرادودية)، فكانت قصة قد تختلف بعض الشيء عن الآخرين فلم يكن لدي مساع لهذا الأمر وإنما شاء الله أن أكون كذلك...  ففي بداية انطلاقة العزاء البحريني لم يكن هناك في منطقتنا القطيف رواديد لإحياء هذا اللون من العزاء إلا ما نذر، فجاء دور الشباب للبحث عن الطاقات والأصوات التي تخدم هذا اللون العزائي الجديد على المنطقة، فكنت من ضمن مجموعة اختيرت عشوائيًّا لاكتشاف أصواتهم، فعُرضت علينا قصيدة باللحن العراقي والجميع أخذ بإلقائها، فتم اختياري لأكون رادودًا وكانت تلك البداية..".

وقد عمل على تطوير موهبته: "الموهبة تعني الهبة من الله جل وعلا أما تطويرها فتحتاج لصقلها علميًّا وفنيًّا، وفي مجال الرادودية التطوير يجب أن يكون مستمرًّا حتى يتماشى الرادود مع ما هو موجود وما هو جديد في الساحة العزائية من ناحية انتقائه للشعراء، واهتمامه بالكلمة والفكرة المنصبة في القصيدة وأيضًا من ناحية التركيب النغمي للقصيدة لكي يُعطى للإبداع مجالًا، أما أنا فأفتقر إلى الكثير وأسعى إلى التطوير ولم أصل لأن أكون رقمًا وأسعى أن أكون رقمًا عند محمد وآل محمد وأسأل الله قبول أعمالي ببركة دعائكم لي بالموفقية والسداد ."

هذا اللون الفني الملتزم الرسالي تطور عمّا كان عليه في السابق، ففي الماضي كانت الأسماء محصورة قليلة أما الآن فاختلف الوضع، عن هذا التطور والتقدم يجيب الرادود رائد العلقم منطلقًا من الحديث عن تجربته الخاصة فيقول: "من صغري وأنا أعشق صوت العلم الرادود الكبير حمزة الصغير رحمه الله وكنت أحفظ قصائده وأرددها دائمًا بيني وبين نفسي، لذلك لم يكن بالأمر الشاق علي بأن أجيد إلقاء اللطميات ولكني كنت حديث العهد بالإلقاء أمام الناس فكان الأمر مربكًا جدًّا في البداية، ومع مرور الوقت انكسر ذلك الحاجز، والشيء الظريف والمفيد في الموضوع لم يكن في ذلك الوقت شعراء لهذا اللون من العزاء فإما أن يساعدك أحد بالكتابة، أو أن تضطر للكتابة لنفسك، وفي نفس الوقت يجب عليك أن تلحن القصيدة أيضًا وهذا هو الدرس الأصعب لصقل الموهبة.. فكانت تلك اللبنة الأولى والأساسية لبناء رادود يستطيع أن يكتب ويلحن وإن كانت البدايات متواضعة... ومع مرور الوقت ونضوج هذه التجربة العزائية في المنطقة، بدأ التوجه لصناعة شعراء لهذا اللون فأصبح بإمكان الرادود التفرغ لتطوير الأداء وتطوير الحس النغمي واللحني... وإذا تكلمت عن تجربتي الشخصية فيجب ومن الضرورة ذكر من ساندوني وعلموني في هذا الفن الحسيني الجميل، فأول من وقف معي ودعمني معنويًّا وفنيًّا في بداياتي المرحوم أبو سجاد الشيخ  تغمده الله برحمته، ومن ثم معلمي وأستاذي الرادود السيد ضياء التاريخ يحفظه الله ويرعاه، وبعد ذلك توسعت المدارك والاستماع إلى أن تكونت لدي حصيلة سمعية كبيرة استطعت من خلالها أن أعتمد على نفسي بعد الله سبحانه وتعالى."

وعن أهمية الرادود في نقل الثقافة الحسينية يرى العلقم بأن: "هذا الزمن وهو زمن العولمة وانتشار القنوات الشيعية التي تنقل الثقافة والفكر الشيعي، لذا تكمن المسؤولية الكبرى على الجميع من ناحية الأسلوب في الطرح والسياق الموضوعي وأيضًا المراقبة المتخصصة لأي نوع من أنواع الطرح حتى لا تتفشى البدع والخرافات المتداولة حاليًّا والتي ليس لها وجود لا من قريب ولا من بعيد من فكر أهل البيت عليهم السلام، طالبنا ونطالب أهل العلم والعلماء وأهل التخصص بأن يتصدوا لأي ظاهرة من تلك الظواهر لنقل الصورة النقية للثقافة الحسينية".

ويعمل الرادود الحسيني رائد العلقم على توظيف مشهدية كربلاء وكأنها أمام ناظريه فيقول: "في الحقيقة كربلاء هي المنطقة الوحيدة في هذا العالم التي تعيش في نفوس كل من يتربى في المجالس الحسينية، فمن الصغر ترتسم صورتها في المخيلة وتكبر تلك الصورة لتكون وعيًا رافضًا للذل والهوان وتنادي بالمبادئ الأساسية التي صنعها الإمام الحسين (ع)، وعلى ذلك نبني أفكارنا وألحاننا على تلك الصورة لذلك يختلف الإنسان المبدع عن غيره من المبدعين في طرحه وفنه."

* اللون العزائي القطيفي والبحريني في لقاء وتشابه عزائي:
كل بلد وكل منطقة تسعى لإبراز هويتها في الأشعار الحسينية في اللطميات وتتنافس فيما بينها لإحياء هذه الشعائر المباركة، وقد نتج عن هذا ولادة لون لكل بلد أو منطقة فمثلًا نقول اللون العزاء البحريني أو الكربلائي وكذلك القطيفي، وهنا يذكر العلقم: "لله الحمد القطيف من قديم الزمن ولها تاريخها الحافل بإحيائها لشعائر أهل البيت عليهم السلام من خلال المنابر والمواكب الحسينية، فكما تعلمون قرب المنطقة من البحرين ليس فقط القرب الجغرافي، وإنما أيضًا القرب الاجتماعي والثقافي والنسبي وحتى الفكري ما جعل هاتين المنطقتين تتبادلان الثقافة الحسينية من ناحية الفنيات العزائية والمنبرية فتولدت تلك الهوية، وذلك اللون الذي يراه الجميع فحينما نرى الكرنفال والتجمع البشري الهائل في كربلاء المقدسة بمناسبة أربعين الإمام الحسين يفرض اللون العزائي البحريني واللون المنبري القطيفي نفسه ويشد أنظار وإعجاب تلك الحشود البشرية التي هي من شتى بقاع العالم".

المشاهد الكربلائية تختزن الكثير من الصور المبكية والمنكسرة والمليئة بالعزة والكرامة وبالشجاعة، لذلك كل رادود يستحضر كل هذه المشاهد ولكن يبقى واحدًا يؤثر فيه بشكل كبير ويدفعه للتركيز عليه في إنشاده، عن هذا يقول الرادود رائد العلقم: "كربلاء تمثل لي النبع الذي ارتويت منه فهذبني وأسسني على هذه الخدمة المباركة، ودائمًا يستحضرني موقف العباس مع أخيه الإمام الحسين عليهم السلام حيث الإيثار والكرم والجود، وذلك يتمثل حينما وقف على المشرعة وحمل الماء بيديه فنسي عطشه وتذكر عطش الحسين وأهل بيته أي موقف هذا يا أبا الفضل؟!".

بعض الشباب من جيل الناشئة يسعون ويحلمون بأن يحصلوا على لقب: "الرادود" فما هي نصائحكم لهم: " وفقهم الله للخدمة الحسينية ذلك والله شرف كبير، ولكن يجب أن يعلموا بأن هذا الطريق ليس هو الطريق المعبد بالزهور وإنما هو طريق ذات الشوكة فيه الكثير من الابتلاءات والامتحانات، وأيضًا فيه الكثير من البركة والنعمة ثبتنا الله وإياهم على الصراط المستقيم، ثانيًا يجب على المقبل على هذا المشروع المبارك أن يكون أيضًا لديه الحس الديني والأخلاقي بالإضافة إلى بعض الهبات الإلهية مثل امتلاك الصوت الحسن وصقله بالعلم والمعرفة".

حتى الآن ماذا أخذ هذا الفن الرسالي من الرادود رائد العلقم وماذا أعطاه؟ يجيبنا: "أخذ مني الوقت الكثير لكي أتعلم وأنضج أكثر في هذا الجانب فلا يأتي عطاء من دون أخذ، أيضًا الوقت الذي هو من حقوق أسرتي وأهلي، كثيرًا من الاوقات أكون مشغولًا في تجهيز المشاركات وإعداد القصائد كل ذلك الوقت أعطيته للحسين عليه السلام برضى وتسليم من عائلتي ولله الحمد، وهذا أقل القليل الذي يتوفر لدينا لخدمة الحسين(ع)... أما عطايا الحسين (ع) فلا تحصى ولا تعد فكل خير عندي هو من خيرات هذه الخدمة المباركة".

أما بالنسبة لأنشطته الحالية والمستقبلية فيقول الرادود رائد العلقوم: "أحيي هذه الليالي المباركة بالخدمة في موكب ولي العصر بالقطيف وأيضًا في مأتم السجاد بالعوامية، فلا تقتصر خدمتي على الرادودية فقط، فالحمد الله أن منحني نعمة خدمة المعزين في المضيف وترتيب صفوف الموكب، كل ذلك الخير هو فضل من الله أن منحنا هذه النعمة، أما الأنشطة الحسينية فلدي عمل حسيني جديد لهذه السنة قصيدة باسم "قصة جروح" كتابة الشاعر القطيفي المعروف صادق سويد، بالإضافة إلى بعض الأعمال المستقبلية إن شاء الله وإن كتب الله لنا التوفيق".

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة