قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ جوادي آملي
عن الكاتب :
ولد عام 1351 هـ بمدينة آمل في إيران، أكمل المرحلة الإبتدائية ودخل الحوزة العلمية في مدينة آمل، وحضر دروس الأساتذة فيها لمدّة خمس سنوات، وفي عام 1369 هـ سافر إلى مدينة طهران -التي تُعدُّ محطَّ تدريس كثير من العلماء والفلاسفة- لإكمال دراسته الحوزوية، وبدأ بدراسة المرحلة العليا في المعقول والمنقول في مدرسة مروي العلمية، وواصل دراسته حتّى عام 1374 هـ، ثمّ سافر بعدها إلى مدينة قم المقدّسة لمواصلة دراسته الحوزوية. من أساتذته: السيّد محمّد حسين الطباطبائي، الشيخ هاشم الآملي، والإمام الخميني.

ظهور الملكيّة المطلقة في القيامة (2)

 

الشيخ جوادي آملي
والآيات السابقة تبيّن ملكيّة وحكومة الله سبحانه بلسان الإثبات. وبعض الآيات بيّنت هذه الحقيقة بلسان السلب أيضاً كما في:
أ. ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْك﴾[12]، فإذا لم تدلّ آيات مثل: ﴿لِلّهِ مُلْكُ السَّماوَاتِ وَالأَرْض﴾ بنحو الإثبات علىٰ حصر المِلك والمُلك في الله سبحانه، فإنّ آيات مثل: ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْك﴾ تدلّ علىٰ هذا المعنىٰ بنحو جليّ.
ب. يقول الله سبحانه في وصف المؤمنين والموحّدين الصادقين: ﴿يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئ﴾.[13] وحيث إنّ الله ليس له أيّ شريك في المُلك فالنتيجة هي أنّ الملك والسلطان لله وحده.
ج. يقول الله سبحانه لنبيّه الأكرم (صلى الله عليه وآله): ﴿قُل لاَ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً إِلاَّ مَا شَاءَ الله﴾[14] أي قُل إنّي لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضرّاً (فكيف بالنسبة إليكم أنتم) وهذه الآية أكثر صراحة من الآيات السابقة وتدلّ جيّداً علىٰ حصر الملكيّة المطلقة بالله سبحانه.[15]
د. يخاطب القرآن الكريم الوثنيّين فيقول: إذا كان غير الله مؤثّراً في نظام التكوين فهذا التأثير يمكن تصويره في أربعة وجوه:
الأوّل: أن يكون مالكاً لذرّة من ذرّات العالم بنحو مستقلّ.
الثاني: أن يكون شريكاً مع الله في التملّك لشيء ما.
الثالث: أن يكون عوناً ومساعداً لله في تدبير الأمر وليس مالكاً ولا شريكاً.
الرابع: أن يملك صفة الشفيع وله فقط حقّ السؤال والتضرّع، وبواسطة الشفاعة يستطيع التأثير علىٰ نظام الكون. ثمّ يؤكّد استحالة الوجوه الثلاثة الأولىٰ، ويجيز الوجه الرابع ولكن بإذن الله سبحانه بشرط أن يتمّ علىٰ يد مثل الأنبياء والأولياء والملائكة: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِن دُونِ اللهِ لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِن ظَهِيرٍ ٭ وَلاَ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ إِذِنَ لَه﴾[16] فقوله: ﴿لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْض﴾ نفي للوجه الأوّل وقوله: ﴿وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْك﴾ نفي للوجه الثاني وقوله: ﴿وَمَا لَهُ مِنْهُم مِن ظَهِير﴾ نفي للوجه الثالث.


فغير الله إذن لا يملك ذرّة (بالاستقلال) ولا (بالاشتراك) ولا (بالمظاهرة) لكن طريق الشفاعة مفتوح لمن أذن الله له بها. بمعنىٰ أنّه بعد الابتهال والتضرّع من قبل الشفيع تنضمّ (رحمة الله) إلىٰ عدله ويتمّ التعامل مع الناس بالشفع (العدل والرحمة)، وباقتران العدل والرحمة تتيسّر أمور الناس، وإلاّ فإنّ تحمّل العدل المحض لله سبحانه أمر صعب وعسير. ولذلك ورد في الدعاء: «اللهمّ عاملنا بفضلك ولا تعاملنا بعدلك»، أي عاملنا باسمين من أسمائك الحسنىٰ: (العدل والفضل) لا (بالعدل) وحده، إذن فشفاعة ووساطة بعض موجودات عالم الإمكان بإذن الله سبحانه ليست محالاً، والله سبحانه وهب مثل هذا الإذن لأنبيائه وأوليائه لا إلىٰ الأصنام العاجزة عن فعل أيّ شيء.
وخلاصة القول هي أنّ الله هو المالك في الدنيا والآخرة، وهذه الحقيقة تتجلّىٰ في يوم القيامة، وهو ظرف لظهور ملكيّة الله وليس ظرفاً لتملّكه.
ومع الأخذ بنظر الاعتبار الآيات المذكورة لحدّ الآن يتّضح أنّ قوله تعالىٰ: ﴿فَالْيَوْمَ لاَ يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعاً وَلاَ ضَرَّ﴾[17] لايعني أنّكم في يوم القيامة فقط لا تملكون نفعاً ولا ضرّاً وأنّكم كنتم تملكون ذلك في الدنيا، بل معناه أنّ حقيقة الملكيّة المطلقة لله وحده وتنزيهه من الشريك في المُلك ستتّضح وتظهر للجميع، وإن كانت هذه الحقيقة المسلّمة قد كشفت وأميط اللثام عنها لمن يقول: «لو كُشِف الغطاء ما ازددت يقيناً»[18] ولاتباعه الصادقين.
وطبقاً لما مرّ بيانه فإنّ الكلام الباطل لفرعون حول سلطانه: ﴿أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْر﴾[19] دليل علىٰ أنّه لم يكن يعرف ربّ العالمين، وكلّ من يقول: (إنّ الأمر اليوم بأيدينا وغداً بيد الله) ففكره فرعونيّ وليس توحيديّاً، لأنّ ملكيّة الله بالنسبة لليوم وللغد واحدة. وهذه حقيقة ستظهر للجميع عياناً في يوم القيامة وإدراكها في الدنيا صعب بالنسبة إلىٰ البعض[20] وبالتحليل يتبيّن أنّ الكثير من العقائد والأفكار المنحرفة فرعونيّة.
والّذي يرىٰ نفسه مالكاً أو مَلِكاً في شأن من الشؤون فهو ليس بموحّد. الموحِّد هو الّذي بايع الله، والبيعة تعني أن يبيع الإنسان نفسه وماله لله ثمّ يقول: «لا أملك لنفسي ضرّاً ولا نفعاً» والاعتقاد بملكيّة الشيء بعد بيعه لا ينسجم مع البيع، فكما أنّنا لا نملك البضاعة بعد بيعها، فكذلك بعد بيعتنا مع الله لا ينبغي لنا أن نعتقد أنّنا مالكون لأنفسنا.


والموحّد الّذي يعتقد أنّه لا يملك لنفسه ضرّاً ولا نفعاً، إذا أراد أن يتصرّف في شأن من شؤون وجوده كالعين والأذن فإنّ عليه أن يستأذن من المالك الحقيقيّ، لأنّه قد باعهما ولم يعد مالكاً لهما. وإذا لم يستأذن فإنّ تصرّفه سيكون بغير إذن المالك.
ومن الواضح أنّ ما ذكر في النصوص الدينيّة من تعبيرات: «البيع» و«الشراء»، و«الأجر» وأمثالها، فالمقصود منها هو الترغيب والتشجيع وتكريم الإنسان، وإلاّ فنحن لا نملك شيئاً بالأصالة حتّىٰ نبيعه علىٰ الله، ولا أنّ الله مدين لنا بشيء حتّىٰ نستردّه منه ولا أنّنا عملنا عملاً عاد عليه بالنفع والفائدة حتّىٰ نستحقّ منه الأجر والمكافأة.

 

 ــــــــــــ
[12] . سورة الإسراء، الآية 111.
[13] . سورة النور، الآية 55. كلمة شريك في قوله ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْك﴾ و«شيئاً» في قوله: ﴿لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئ﴾ حيث إنّهما نكرة في سياق النفي فيفيدان العموم ويدلاّن علىٰ نفي كلّ شريك في الملك عن الله سبحانه.
[14] . سورة يونس، الآية 49.
[15] . أمّا كلام نبيّ الله موسىٰ (عليه السلام): ﴿رَبِّ إِنِّي لاَ أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي﴾ (سورة المائدة، الآية 25) فلا تعارض له مع الآيات السابقة، لأنّه مرتبط بمقام التشريع، لا التكوين، وليس المقصود منه أنّي مالك لنفسي وأخي أيضاً مالك لنفسه، بل إنّ معناه هو أنّ موسىٰ يقول يا ربّ إنّنا بلّغنا رسالتك وهداك إلىٰ الناس، وإنّي لا قدرة لي علىٰ اختيار الإيمان إلاّ لنفسي فآمنت وأخي هارون كذلك لا يملك اختيار الإيمان إلاّ لنفسه فآمن. وأمّا الآخرون فلا نملك زمام اختيارهم للإيمان. وعليه فإنّه ليس سوىٰ الله سبحانه من مالك تكويني أصيل لكلّ شيء في الدنيا والآخرة.
[16] . سورة سبأ، الآيتان 22 ـ 23.
[17] . سورة سبأ، الآية 42.
[18] . البحار، ج40، ص153.                     
[19] . سورة الزخرف، الآية 51.
[20] . كما أنّ التوحيد هو أعلىٰ المعارف الإلٰهيّة فهو كذلك أصعبها وأشقّها أيضاً، والنبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله)  يقول: «ما قلت ولا قال القائلون قبلي مثل لا إله إلاّ الله» (توحيد الصدوق، باب ثواب الموحّدين والعارفين، الحديث الأوّل) أي أنّني والأنبياء قبلي لم نأت بشيء أعظم من (لا إلٰه إلاّ الله)، وأمير المؤمنين (عليه السلام) في جواب من سأله عن المسافة بين موضع وقوفه وبين العرش، قال في البداية: سل تفقّهاً ولا تسأل تعنّتاً، أي ينبغي أن يكون السائل طالباً للعلم وليس لأغراض أخرىٰ ثمّ قال إنّ المسافة بيننا وبين العرش هي: «أن يقول قائل مخلصاً لا إلٰه إلاّ الله» (البحار، ج10، ص122) ومن هذا يُعلم بأنّ التوحيد معرفة وعقيدة تعرج بالإنسان من الأرض إلىٰ العرش.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة