قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد مهدي الآصفي
عن الكاتب :
عالم ومفكر اسلامي كبير، واستاذ في الحوزة العلمية، توفي(٤/٦/٢٠١٥)

ولاية الله ورعايته لفتية الكهف


الشيخ محمد مهدي الآصفي ..

وفي قصة الفتية من أصحاب الكهف، يحدثنا القرآن بثلاثة أنماط من رعاية الله تعالى وتأييده وتسديده ورزقه لهم:
الرزق الأول: عندما آمنوا بالله وتجاوزوا سلطان الإرهاب الذي فرضه عليهم الطاغوت في القصر فلما آمنوا بالله ; زادهم الله إيماناً وهدى.
يقول تعالى: ﴿إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى﴾(1).
والرزق الثاني: لما قاموا ونهضوا في أجواء القصر برسالة الإيمان، وأعلنوا الإيمان، ودعوا أبناء القصر إلى الايمان باللّه، رزقهم الله رباطة الجأش، وسكون القلب، وشدَّ على قلوبهم، فلم يرهبهم الطاغية ببطشه وسطوته.
يقول تعالى: ﴿وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعوا من دونه الهاً لقد قلنا إذاً شططا﴾(2).
وليس من شك أن هذه الخطوة في الإعلان عن الدعوة إلى توحيد اللّه، يحتاج إلى جرأة وشجاعة ورباط الجأش، ولكن الله تعالى عندما عرف منهم صدق النية والاحترام لم يكلهم إلى أنفسهم، وإنما ربط على قلوبهم، ورزقهم قوّة في القلب، ورباطاً في الجأش، وسكينة في النفس ﴿وربطنا على قلوبهم إذ قاموا...﴾.
الرزق الثالث: كان بعد أن اعتزلوا قومهم وقاطعوهم وآواهم الله إلى الكهف وضرب على آذانهم سنين عددا ونشر لهم ربهم من رحمته، وهيأ لهم من أمرهم مرفقا يقول تعالى: ﴿وإذا اعتزلتموهم وما يعبدون إلاّ الله فاووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيىء لكم من أمركم مرفقاً﴾(3).
ولولا أنهم آمنوا لم يجدوا من عند الله هذه الزيادة في الهدى، ولولا أنهم قاموا ونهضوا برسالة التوحيد في القصر لم يجدوا من عند الله هذا الربط على القلب.
ولولا أنهم اعتزلوا قومهم لم يجدوا من عند الله الإيواء إلى الكهف، ولم يجدوا هذه الرحمة التي نشرها الله عليهم وهذا المرفق الذي هيّأه الله لهم.
وهم لم يؤمنوا، ولم يقوموا بدعوة التوحيد، ولم يعتزلوا قومهم بحول منهم وقوة منهم، ولكن بما آتاهم الله من الحول والقوة والوعي والمعرفة في أصل الخلق.
فلمّا آمنوا زادهم الله هدى.
ولما قاموا ربط الله على قلوبهم.
ولما اعتزلوا قومهم آواهم الله في الكهف ونشر لهم من رحمته، وهذه هي رعاية الله تعالى وتوفيقه وتأييده للصالحين من عباده، ووعده لهم بالتوفيق والتأييد: ﴿والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين﴾(4).
العلاقة المتبادلة بين ولاية العبد للّه وولاية الله على عباده الولاية، كما ذكرنا من الألفاظ المتقابلة في اللغة العربية، يطلق على علاقة الله بعبده، وعلى علاقة العبد باللّه.
يقول تعالى في علاقة الله بعباده: ﴿الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور﴾(5).
وعن علاقة العباد باللّه، يقول تعالى: ﴿ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون﴾(6).
وهذه العلاقة المتبادلة تجري في الإيجاب والسلب معاً ففي الإيجاب، يقول تعالى: ﴿ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون﴾(7).
والعلاقة بين الولايتين واضحة.
فإن من يتولى الله ورسوله والمؤمنين فهو من حزب اللّه.
وحزب الله هم أولياء اللّه، ينصرهم الله تعالى وهم الغالبون.
وفي الجانب السلبي كذلك تجري العلاقة التبادلية فمن يعادي الله يعاديه اللّه، ويسلب ولايته عنه، ومن يعرض عن ولاية الله يعرض الله تعالى عنه. يقول تعالى: ﴿ومن يتولَّ يعذبه عذاباً أليماً﴾(8).
يعني من يتولى عن الله يسلب الله عنه ولايته ويعذبه عذاباً أليماً، ويقول تعالى: ﴿ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون﴾(9).
من يتول منكم عن الله فأولئك هم الظالمون.
وهذه هي العلاقة المعروفة بالعلاقة الجدلية أو (الدور المعي)، وهي من رقائق الثقافة القرآنية.
وقد ورد نظيرها في مواضع متعددة من القرآن من العلاقة بين الله تعالى وعباده في الجانب الإيجابي والجانب السلبي معاً.
ففي الجانب الإيجابي يقول تعالى: ﴿فاذكروني أذكركم﴾(10).
﴿رضي الله عنهم ورضوا عنه﴾(11).
وفي الجانب السلبي يقول تعالى: ﴿ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين﴾(12).
﴿ومكروا مكراً ومكرنا مكراً﴾(13).
وهذه العلاقة التبادلية تجري بين التقوى وولاية اللّه، فإن الله ولي المتقين.
يقول تعالى: ﴿ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب﴾(14) والمخرج من الأزمات والرزق من حيث لا يحتسب الإنسان من مصاديق ولاية اللّه.
وهذا أحد طرفي العلاقة.
والطرف الآخر للعلاقة علاقة المتقين باللّه، فإن المتقين أولياء اللّه، يقول تعالى: ﴿إن أولياؤه إلاّ المتقون﴾.
آثار ونتائج ولاية الله في النفس إذا عرف العبد أن الله تعالى مولاه ; يتولاه بالرعاية، ويرعاه، ويسدده، ويدبّر أموره، ولا يريد به إلاّ الخير، ولا يغيب العبد عن عين الله وسمعه، وهو تعالى حاضر، يسمعه ويراه في الشدّة والضراء، وأن ما يصيبه من الشدة فقضاء من الله وقدره، والله أرحم الراحمين بعباده... ﴿قل لن يصيبنا إلاّ ما كتب الله لنا هو مولانا﴾(15).

عندئذ يسكن العبد ويطمئن إلى قضاء الله وقدره، ويقنع بما رزقه اللّه، ويصبر في الشدة والضراء والبأساء، ولا يفقد توازنه، واستقراره، وسكونه النفسي في الشدة والبلاء.
ويقول أمير المؤمنين(ع)عن أولياء اللّه: (في الزلازل وقور).
ويقول(ع): (نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالتي نزلت في الرخاء).
وقد ورد في الدعاء في الزيارة المعروفة بـ (أمين اللّه): (واجعل نفسي مطمئنة بقدرك، راضية بقضائك.. صابرة عند نزول بلائك).
وهؤلاء يتوكلون على الله في أمورهم، ويثقون بتدبير الله تعالى لهم ﴿ومن يتوكل على الله فهو حسبه﴾.
ويفوضون أمورهم إلى الله ﴿وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد﴾.
وليس معنى التوكل والتفويض، الإهمال، بل الحزم والعمل جهد الإمكان، وتفويض النتائج إلى اللّه.


1- الكهف: 13.
2- الكهف: 14.
3- الكهف: 16.
4- العنكبوت: 69.
5- البقرة: 257.
6- يونس: 62.
7- المائدة: 56.
8- الفتح: 17.
9- الممتحنة: 9.
10- البقرة: 152.
11- المائدة: 119.
12- الأنفال: 30.
13- النمل: 50.
14- الطلاق : 2.
15- التوبة: 51.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة