الشيخ علي الكوراني
يطلق اسم الشام، وبلاد الشام، والشامات في مصادر التاريخ والحديث الشريف على المنطقة التي تشمل سوريا الفعلية ولبنان، ويسمى لبنان أيضاً بر الشام، وجبل لبنان.
ويشمل اسم الشام أيضاً الأردن، وربما يشمل فلسطين. وإن كان يعبر عن المنطقة كلها ببلاد الشام وفلسطين.
والشام في نفس الوقت اسم لدمشق عاصمة بلاد الشام.
وأحاديث بلاد الشام وأحداثها وشخصياتها في عصر الظهور كثيرة، ومحورها الأساسي حركة السفياني الذي يسيطر على بلاد الشام ويوحدها، ويكون لجيشه دور واسع قرب ظهور المهدي عليه السلام وفي حركة ظهوره، حيث يبدأ السفياني بعد تصفية خصومه في بلاد الشام بقتال الترك في معركة قرقيسيا، ثم يدخل العراق.
كما يكون له دور في الحجاز في محاولة قواته مساعدة حكومة الحجاز في القضاء على حركة المهدي عليه السلام، حيث تقع في جيشه معجزة الخسف الموعودة، قرب المدينة وهو في طريقه إلى مكة.
وأكبر معارك السفياني على الإطلاق معركة فتح فلسطين التي تكون مع المهدي عليه السلام، ويكون وراء السفياني فيها اليهود والروم، وتنتهي بهزيمته وقتله، وانتصار المهدي أرواحنا فداه فيفتح فلسطين ويدخل القدس. ونذكر هذه الأحداث فيما يلي بشئ من التفصيل.
أحداث بلاد الشام قبل خروج السفياني
من السهل نسبياً أن نستخرج من أحاديث الظهور شريط أحداث حركة السفياني من بدايتها إلى هزيمته في معركة فتح القدس.
وفي المقابل يصعب استخراج الأحداث التي تكون قبل السفياني لأن الأحاديث حولها موجزة في الغالب، وفي رواياتها تقديم وتأخير في ترتيب الأحداث. ولكن الحاصل من مجموعها الأمور التالية:
1 - وجود فتنة شاملة للمسلمين، وسيطرة الروم والترك عليهم (لعل المقصود الغربيين والروس).
2 - وجود فتنة خاصة ببلاد الشام، تسبب في أهلها الاختلافات والضعف والضائقة الاقتصادية.
3 - صراع بين فئتين رئيسيتين في بلاد الشام.
4 - حدوث زلزلة في دمشق تسبب هدم غربي مسجدها، وبعض ضواحيها.
5 - صراع ثلاثة زعماء على السلطة في بلاد الشام، الأبقع والأصهب والسفياني، وغلبة السفياني وسيطرته على سوريا والأردن، وتوحيد المنطقة تحت حكمه.
6 - دخول قوات أجنبية إلى بلاد الشام.
أما ظهور اليماني الموعود، فقد ورد أنه مقارن لخروج السفياني أو متقارب معه، وكذلك الخراساني قائد الإيرانيين...
فتنة بلاد الشام
ذكرت الأحاديث الشريفة فتنة تكون ببلاد الشام قبل السفياني، وقد تكون نفس الفتنة الغربية والشرقية العامة على المسلمين...
فعن النبي صلى الله عليه وآله قال: (يوشك أهل الشام أن لا يصل إليهم دينار ولا مد. قلنا من أين؟ قال: من قبل الروم. ثم سكت هنيهة ثم قال: يكون في آخر الزمان خليفة يحثي المال حثياً لا يعده عداً) (1).
فالسبب في هذه الضائقة الاقتصادية المالية والغذائية (منع الدينار والمد) هم الروم، أي الغربيون.
وعن جابر بن يزيد الجعفي عن الإمام الباقر عليه السلام قال في قوله تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ (2) فقال: الجوع عام وخاص. فأما الخاص من الجوع فبالكوفة، يخص الله به أعداء آل محمد فيهلكهم. وأما العام فبالشام، يصيبهم خوف وجوع ما أصابهم قط. أما الجوع فقبل قيام القائم، وأما الخوف فبعد قيام القائم (3).
وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: لا بد أن يكون قدام القائم سنة يجوع فيها الناس، ويصيبهم خوف شديد من القتل، ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، فإن ذلك في كتاب لبين، ثم تلا هذه الآية: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ (2) (3).
ووجود هذه الضائقة في سنة الظهور لا يمنع أن تكون موجودة قبلها بمدة، ثم تكون في سنة الظهور أشد مما سبقها، ثم يكون الفرج.
أما مدة الفتنة على بلاد الشام، فتذكر الأحاديث أنها طويلة متمادية، كلما قالوا انقضت تمادت وأنهم (يطلبون منها المخرج فلا يجدونه) (4)، وتصفها بأنها تدخل كل بيت من بيوت العرب، وكل بيت من بيوت المسلمين، وبأنها: (كلما رتقوها من جانب انفتقت من جانب آخر، أو جاشت من جانب آخر) ....
بل تسميها بعض الأحاديث صراحة باسم: (فتنة فلسطين)! ....
هزة أرضية في بلاد الشام
وتحدد رواياتها بعض أماكنها، ووقتها بأنه عند اختلاف فئتين على السلطة، وتسميها أيضاً (الرجفة والخسف والزلزلة) كالحديث المروي عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال:
(إذا اختلف الرمحان بالشام، لم تنجل إلا عن آية من آيات الله. قيل: وما هي يا أمير المؤمنين؟ قال: رجفة تكون بالشام، يهلك فيها أكثر من مائة ألف، يجعلها الله رحمة للمؤمنين وعذاباً على الكافرين. فإذا كان ذلك، فانظروا إلى أصحاب البراذين الشهب المحذوفة، والرايات الصفر، تقبل من المغرب حتى تحل بالشام، وذلك عند الجزع الأكبر والموت الأحمر. فإذا كان ذلك فانظروا خسف قرية من دمشق يقال لها حرستا. فإذا كان ذلك خرج ابن آكلة الأكباد من الوادي اليابس، حتى يستوي على منبر دمشق. فإذا كان ذلك فانتظروا خروج المهدي) (غيبة النعماني: 305).
والبراذين الشهب المحذوفة: وصف لوسائل ركوب المغاربة أو الغربيين بأنها شهباء الألوان، ومقطعة الآذان!
وابن آكلة الأكباد: أي ابن هند زوجة أبي سفيان، لأن السفياني من أولاد معاوية، و(الوادي اليابس) يقع في منطقة حوران عند أذرعات (درعا)، في منطقة الحدود السورية الأردنية.
الصراع على السلطة بين الأصهب والأبقع
عن الإمام الباقر عليه السلام قال: (فتلك السنة فيها اختلاف كثير في كل أرض من ناحية المغرب، فأول أرض تخرب الشام، يختلفون على ثلاث رايات: راية الأصهب، وراية الأبقع، وراية السفياني) (5).
ويبدو أن هذا الزعيم الأبقع أي المبقع الوجه يكون في العاصمة، لأن الرواية تذكر أن ثورة الأصهب تكون من خارج العاصمة أو المركز، فيثور عليه الأصهب فلا يستطيع أحدهما أن يحقق نصراً حاسماً على الآخر، فيستغل السفياني هذه الفرصة ويقوم بثورته من خارج العاصمة أيضاً فيكتسحهما معاً.
ومن المحتمل أن يكون الأصهب غير مسلم، لأن بعض الأحاديث وصفته بالعلج، وهو وصف للكفار عادة.
أما الاتجاه السياسي للأبقع والأصهب فيظهر من أحاديث ذمها أنهما معاديان للإسلام ومواليان لأعدائه من القوى الكافرة.
وعلى هذا، يكون معنى اختلاف رمحين في بلاد الشام الوارد في الأحاديث هو اختلاف زعيمين يمثلان اتجاهين متنازعين، فقد جاء في الحديث المتقدم عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال الجابر الجعفي رحمه الله:
(الزم الأرض ولا تحرك يداً ولا رجلاً حتى ترى علامات أذكره لك: اختلاف بني فلان، ومناد ينادي في السماء، ويجيؤكم الصوت من ناحية دمشق بالفرج، وخسف قرية من قرى الشام تسمى الجابية. وستقبل إخوان الترك حتى ينزلوا الجزيرة. وستقبل مارقة الروم حتى ينزلوا الرملة. فتلك السنة فيها اختلاف كثير في كل أرض من ناحية المغرب، فأول أرض تخرب الشام، يختلفون عند ذلك على ثلاث رايات: راية الأصهب، وراية الأبقع، وراية السفياني).
والمقصود باختلاف بني فلان ... اختلاف أسرة حاكمة في الحجاز أو غيره، يظهر على أثره المهدي عليه السلام.
والصوت الذي يجئ من ناحية دمشق لا بد أن يكون صوت الفتنة وبداية الأحداث، وليس النداء السماوي الموعود في شهر رمضان.
وفي رواية أخرى (ومارقة تمرق من ناحية الترك، ويتبعها هرج الروم) (6).
فقد عبر عنهم من ناحية الترك، فيحتمل أن يكونوا أتراكاً ويحتمل أن يكونوا أقواماً أخرى كالروس يجيئون من جهة الترك.
يبقى أن نشير إلى رواية وصفت الرايات الثلاث التي تختلف في بلاد الشام بأنها راية حسنية وراية أموية وراية قيسية، وأن السفياني يأتي فيقضي عليها. فقد رواها في البحار عن الإمام الصادق عليه السلام قال:
(يا سدير الزم بيتك وكن حلسًا من أحلاسه، واسكن ما سكن الليل والنهار، فإذا بلغك أن السفياني قد خرج فارحل إلينا ولو على رجلك. قلت: جعلت فداك، هل قبل ذلك شيء؟ قال: نعم، وأشار بيده بثلاث أصابعه إلى الشام وقال: ثلاث رايات، راية حسنية، وراية أموية، وراية قيسية. فبينما هم على ذلك إذ قد خرج السفياني فيحصدهم حصد الزرع، ما رأيت مثله قط).
ويشكل قبول هذه الرواية لأنها تعارض الأحاديث الكثيرة التي تحدد الرايات الثلاث بأنها راية الأبقع والأصهب والسفياني، ولأن الكليني رحمه الله رواها في الكافي: 8 / 264، إلى قوله عليه السلام: (ولو على رجلك) فقط، فيحتمل أن يكون آخرها إضافة أو تفسيراً لبعض الرواة اختلط بالأصل (7).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البحار : 51 / 92.
a. b. القرآن الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 155، الصفحة: 24.
a. b. البحار : 52 / 229.
البحار : 52 / 298.
البحار : 52 / 212.
البحار : 52 / 237.
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد هادي معرفة
السيد جعفر مرتضى
الشهيدة بنت الهدى
الشيخ محمد صنقور
السيد عباس نور الدين
عدنان الحاجي
حيدر حب الله
الشيخ شفيق جرادي
عبد الوهّاب أبو زيد
ناجي حرابة
حسين حسن آل جامع
فريد عبد الله النمر
الشيخ علي الجشي
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان