السيد منير الخباز
.... الكلام حول أهلية العقل العملي، هل أن العقل العملي - وهو العقل الحاكم بالحسن والقبح - لديه الأهلية للوصول إلى الحكم الشرعي أم لا؟
قصور العقل العملي في إيصاله إلى اليقين بالحكم الشرعي.
دليل المحدثين على أن ما يدركه العقل العملي لا قيمة له في الكشف عن الحكم الشرعي:
قد أثار جملة من المحدثين أن العقل العملي ليس مضموناً؛ ولأنه ليس مضموناً لا يمكن أن يكون دليلاً وحجة في تحديد الحكم الشرعي.
والسر في أن العقل العملي ليس مضموناً هو اختلاف المجتمع العقلائي في أحكام العقل العملي، فربما يكون الصدق في نظر المجتمع العقلائي في بعض الموارد قبيحاً؛ لأنه يقود إلى خطر على النفس أو خطر على العرض، وربما يكون الكذب بنظر المجتمع العقلائي حسناً إذا كان في الكذب حفظ لمصلحة عامة، ربما يقدم المجتمع العقلائي ظلماً على ظلم، مع أن الظلم قبيح، ولكن لو دار الأمر بين أن يظلم الإنسان نفسه أو يظلم غيره، لو دار الأمر بين أن يقطع الإنسان جزءاً من بدنه أو يقطع جزءاً من بدن غيره، فربما يقول المجتمع العقلائي أن ظلم الغير أشد شناعة من ظلم النفس.
إذاً: بما أن المجتمع العقلائي مختلف في صغريات حسن الأشياء وقبح الأشياء فهذا كاشف عن أن العقل العملي ليس مضموناً كي يكون دليلاً وحجة في الوصول إلى تحديد الحكم الشرعي.
مناقشة دليل المحدثين:
هذا الاستدلال الذي طرحه بعض المحدثين نوقش بعدة مناقشات:
المناقشة الأولى: أن حسن الأفعال وقبح الأفعال إنما هو على سبيل الاقتضاء، لا على سبيل العلية التامة، فبما أن الحسن والقبح في الأفعال على سبيل الاقتضاء فقد يقع التزاحم بين المقتضيات، فنقول لا إشكال أن الصدق فيه اقتضاء للحسن ولا إشكال أن الكذب فيه اقتضاء للقبح، يعني الصدق لو خُلّي ونفسه لكان حسناً والكذب لو خُلّي ونفسه لكان قبيحاً، إلا أن اقتضاء الصدق للحسن واقتضاء الكذب للقبح قد يقع بينهما التزاحم، يحصل تزاحم بين الاقتضاءين، فإذا حصل تزاحم بين الاقتضاءين فمقتضى العقل تقديم الأهم منهما - في مجال الاقتضاء - على غيره.
مثلاً: لو افترضنا أن في الصدق خطراً على إنسان مسالم محترم النفس، فاقتضاء الصدق للحسن زاحمه اقتضاء حفظ النفس المحترمة للحسن، فهنا تزاحم بين اقتضاءين، حفظ النفس المحترمة يقتضي الحسن والصدق يقتضي الحسن، فيقع التزاحم بين الاقتضاءين، فيقدم العقل الأهم من هذين المقتضيين على المهم، إذ يرى العقل أن في حفظ النفس المحترمة أهمية على صدق الإنسان في إخباره عن الواقع، فيقدم اقتضاء على اقتضاء من باب الأهمية في مقام التزاحم.
إذاً: اختلاف المجتمع البشري ليس في الحسن والقبح، المجتمع البشري متفق على أن الصدق يقتضي الحسن وأن الكذب يقتضي القبح، إنما الاختلاف بين المجتمع البشري في تشخيص موارد التزاحم، إذا حصل التزاحم بين مقتضيين هنا قد يقع اختلاف في أيهما الأهم والمقدم على الآخر، وإلا فلا خلاف بينهم في أصل الكبرى والقاعدة الكلية أن في الصدق والأمانة اقتضاء للحسن وفي الكذب والخيانة اقتضاء للقبح، لا كلام في أصل الاقتضاءات، ولكن قد يقع التزاحم والتنافي بين هذه الاقتضاءات في مجال العمل، وهنا قد يختلف المجتمع البشري في تشخيص المقتضي الأهم من غيره.
المناقشة الثانية: ذكر جملة من أهل الحكمة أن جميع صغريات الحسن والقبح ترجع إلى قضيتين رئيستين هما حسن العدل وقبح الظلم، بمعنى أن العقل الفطري يحكم بحسن العدل على نحو العلية التامة، أي أن الحسن لا يتخلف عن العدل، لا يُتصور عدل ليس بحسن، وأن الظلم قبيح على نحو العلية التامة، يعني لا يُتصور ظلم ليس بقبيح، فالمجتمع العقلائي - انطلاقاً من العقل الفطري - مؤمن بهذه الكبرى «حسن العدل وقبح الظلم» على نحو العلية التامة، والموارد الأخرى، مثل حسن الصدق وحسن الأمانة وحسن حفظ الحياة كله يرجع إلى حسن العدل، الصدق مصداق للعدل لذلك يكون حسناً، حفظ النفس المحترمة مصداق للعدل لذلك يكون حسناً، هذه صغريات لكبرى وهي حسن العدل، كذلك الكذب ظلم قبيح والخيانة ظلم قبيح، والتفريط في النفس المحترمة ظلم قبيح، إنما كانت هذه أفعالاً قبيحة لأنها مصاديق للظلم والظلم قبيح.
فلا خلاف في الكبرى، وهي قضيتان رئيستان «حسن العدل وقبح الظلم» إنما الخلاف في الصغريات، متى يكون الصدق مصداقاً للعدل؟ متى يكون الكذب مثالاً للظلم؟ متى تكون الأمانة مصداقاً للعدل؟ متى تكون الخيانة مصداقاً للظلم؟ الخلاف في الصغريات وإلا القضية الأساسية «حسن العدل وقبح الظلم» لا إشكال فيها.
هل هذه الدعوى صحيحة أم لا؟
هنا تأملان:
التأمل الأول: أن يقال إن الوجدان الفطري للإنسان يحكم بأن الصدق حسن سواء كان عدلاً أم لم يكن، يحكم بأن الكذب قبيح سواء دخل تحت الظلم أم لا، يعني هذه الصغريات حسنة في حد ذاتها مع غض النظر عن انطباق كبرى العدل وكبرى الظلم عليها، كما ذكرنا في المناقشة الأولى الصدق يقتضي الحسن يقتضي الحسن في حد ذاته دخل تحت العدل أم لم يدخل، اقتضاء الصدق للحسن بذاته لا بدخوله تحت عنوان العدل، اقتضاء الكذب للقبح في حد ذاته لا أنه مصداق لعنوان الظلم، الوجدان الفطري شاهد بذلك، لو خُلّي الإنسان ونفسه لأدرك أن الصدق بما هو صدق - مع غض النظر عن العدل - هو حسن، والكذب بما هو كذب - مع غض النظر عن الظلم - هو قبيح.
التأمل الثاني: ما طرحه السيد الصدر قدس سره في بحوثه في الأصول وكرر هذه المناقشة ورتّب عليها آثاراً كثيرة وهي أن هذه القضية التي نحن نعتبرها قضية رئيسة وهي «الظلم قبيح» ليست قضية رئيسة، هذه القضية من القضايا الضرورية بشرط المحمول، هذه القضية مجرد مشير ومرآة لقضايا أخرى، وإلا هي في حد نفسها فارغة من المعنى، والظلم قبيح فارغة من المعنى؛ لأنها ضرورية بشرط المحمول، فكيف تكون القضية الرئيسة للقضايا الأخرى؟!
بيان ذلك: إذا جئنا لتحليل هذه القضية «الظلم قبيح» نقول: بغض النظر عن المحمول وهو «قبيح» نأتي للموضوع وهو «الظلم» ما هو معنى الظلم؟
الشيخ عبدالهادي الفضلي
السيد محمد باقر الصدر
الأستاذ عبد الوهاب حسين
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
محمود حيدر
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
مقدّمات البحث
تأبين الشّيخ الحبيل للكاتب الشّيخ عباس البريهي
حاجتنا إلى النظام الإسلامي خاصّة
القرآن يأسر القلب والعقل
الشيخ عبدالكريم الحبيل: القلب السليم في القرآن الكريم (3)
تقييم العلمانية في العالم الإسلامي
ضرورة الإمامة
دلالة آية «وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ»
العلاقة الجدلية بين التدين والفهم
الأجر الأخروي: غاية المجتمع