علمٌ وفكر

النبوّة والنّبي

 

الدّكتور عبد الهادي الفضلي
كلمة (نُبوَّة) مصدر الفعل (نبأ) - المهموز من آخره -، فأصل الكلمة (نبوءة) - بالهمز - ثم خفِّفت بقلب الهمزة واواً وإدغامها بالواو الأصليّة، كما يقال: مُروءة ومُروّة.
واستدلّ اللّغويون على ذلك بتصغيرها، حيث يقال فيها (نُبيئة)، ومعناها - لغة - : الإِنباء والإِخبار - بكسر همزتهما الأولى.
ومنه أخذت النبوّة شرعاً، إلا أنها قُيّدت بالإِخبار والإِنباء عن الله تعالى، وقُصرت على أن يكون المخبر أو المنبئ إنساناً.
وسمي الإنسان المخبر أو المبلغ عن الله تعالى (النبي)، وعرّفه (معجم ألفاظ القرآن الكريم): «من يصطفيه الله من عباده البشر لأن يوحي إليه بالدين والشريعة فيها هداية للناس» .وعرّف النبوّة: «منصب النبي وجماع مميّزاته وخصائصه التي بها يصير نبيّاً».
وفي (مجمع البحرين): «النبيّ: هو الإنسان المخبر عن الله بغير واسطة بشر، أعمّ من أن يكون له شريعة كمحمّد (صلى الله عليه وآله)، أو ليس له شريعة كيحيى (عليه السلام)».
وتعريفه هذا هو تعريف المتكلّمين. و«بقيد (الإنسان) يخرج الملك، وبقيد (المخبر عن الله) يخرج المخبر عن غيره، وبقيد (بغير واسطة بشر) يخرج الإمام والعالم، فإنهما مخبران عن الله تعالى بواسطة النبيّ».
والمميّزات والخصائص التي يتمّ اصطفاء واختيار النبيّ على أساس منها، هي - باختصار - أن يمثّل النبيّ في شخصيّته الإنسان في أسمى حالات كماله البدني والخُلقي والعقلي. وقد اختلف المتكلّمون المسلمون في حكم النبوَّة أو بعث الأنبياء من قبل الله تعالى إلى الناس، على قولين :
1 - الوجوب عقلاً، وهو مذهب المعتزلة.
2 - الجواز عقلاً، وهو مذهب الأشاعرة.
 

وحجّة المعتزلة :
أنّ التكاليف الشرعية ألطاف في التكاليف العقلية، بمعنى أن الإنسان المكلف متى واظب على الامتثالات الشرعيّة، كان أقرب إلى التّكاليف العقليّة.
وبتعبير آخر :إن التبليغ الذي يأتي به الأنبياء تشريعاً من الله، يأتي موافقاً لما يحكم به العقل، بمعنى أنه لا يمتنع عند العقل.
واللّطف واجب، لأنه هو الذي يحصّل غرض الشارع المكلَّف. ومتى لم يجب، لزم نقض غرض الشّارع المكلّف.
بيان الملازمة: إنّ المكلِّف إذا علم أنّ المكلَّف لا يطيع إلا باللّطف، لا يكلّفه بدونه، لأنّه لو كلّفه بدونه، كان ناقضاً لغرضه، فيكون الشّأن كمن دعا غيره إلى طعام وهو يعلم أنّه لا يجيبه إلا أن يستعمل معه نوعاً من التأدب، فاذا لم يفعل الداعي ذلك النّوع من التأدب، كان ناقضاً لغرضه.
فوجوب اللّطف يستلزم تحصيل الغرض. ولأنّ اللطف واجب، يكون التكليف الشرعي واجباً أيضاً، وهو «لا يمكن معرفته إلا من جهة النبي، فيكون وجود النبيّ واجباً، لأن ما لا يتمّ الواجب إلا به فهو واجب»، ومذهب المعتزلة هذا، هو مذهب الحكماء أو الفلاسفة، وإليه ذهب الإماميّون أيضاً.
 

وخلاصته :
إن طبيعة تكوين الإنسان الفرد بما تحمل من نوازع إلى الخير ونوازع إلى الشر، وطبيعة التفاعل الاجتماعي بين أفراد الإنسان التي تتطلّب الوقوف أمام نوازع الإنسان الشرية، أن تتغلب فتضرّ بالعلاقة الاجتماعية، إن هذه وتلك تقتضيان وجود نظام مستقيم يحقّق العدل في العلاقات الاجتماعيّة، وفي جميع السلوك الإنساني.
ولأنّ وضع هذا النظام من قبل الإنسان لا يأتي مستقيماً محقّقاً للعدل بسبب نقص الإنسان، والنقص لا يوجد الكمال، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، لا بدّ إذاً من أن يكون وضع النظام من قبل المتّصف بالكمال المطلق، وهو الله تعالى، لطفاً منه بعباده.
ومن هنا، يكون بعث الأنبياء إلى الناس من قبل الله تعالى بما يشرّعه من شرائع لتنظيم سلوك الإنسان فكرياً وعملياً، لطفاً.
واللّطف واجب في الحكمة فتجب البعثة. والمسألة هذه من المسائل التي تقوم على أساس من فكرة التحسين والتقبيح. ولأنّ المعتزلة والإمامية ومن سار في خطّهما يذهبون إلى أنهما عقليّان قالوا بالوجوب العقليّ. ولأنّ الأشاعرة ومن تبعهم يذهبون إلى أنهما شرعيّان، قالوا بالجواز، نفياً للوجوب العقليّ الّذي قال به المعتزلة، لا لأصل الوجوب.
سأل رجل الإمام الصادق (عليه السلام) السّؤال التالي: من أين أثبت الأنبياء والرّسل؟ فأجابه الإمام (عليه السلام) الجواب التالي: «إنّا لما أثبتنا أنّ لنا خالقاً صانعاً متعالياً عنا، وعن جميع ما خلق، ولما كان ذلك الصانع حكيماً متعالياً، لم يجز أن يشاهده خلقه ولا يلامسوه، فيباشرهم ويباشرونه، ويحاجّهم ويحاجّونه، ثبت أنّ له سفراء في خلقه، يعبِّرون عنه إلى خلقه وعباده، ويدلّونهم على مصالحهم ومنافعهم وما به بقاؤهم وفي تركه فناؤهم، فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه، والمعبّرون عنه عزّ وجلّ، وهم الأنبياء».
وتعرف النبوّة بثلاثة أشياء: أوّلها: أن لا يقرّر ما يخالف العقل، كالقول بأن الباري تعالى أكثر من واحد.
والثاني: أن تكون دعوته للخلق إلى طاعة الله والاحتراز عن معاصيه.
والثّالث: أن يظهر منه عقيب دعواه النبوَّة معجزة مقرونة بالتحدّي مطابقة لدعواه. والمعجز، فعل خارق للعادة يعجز عن أمثاله البشر. والتحدّي: هو أن يقول لأمَّته: إن لم تقبلوا قولي، فافعلوا مثل هذا الفعل.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد