قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد صنقور
عن الكاتب :
عالم دين بحراني ورئيس مركز الهدى للدراسات الإسلامية

الأصل اللّغوي لكلمتي يأجوج ومأجوج

المسألة:

 

قوله تعالى: (إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ)(1) هل لكلمتي يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أصلٌ لغوي أو هما مجرَّد اسمين؟

 

الجواب:

 

ورد الاسمان متعاطفين في موضعين من القرآن المجيد الموضع الأول: في سورة الكهف عند قوله تعالى: (قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا)(2).

 

والموضع الثاني: في سورة الأنبياء عند قوله تعالى: (حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ)(3) ويظهر من الآيتين وكذلك من الأخبار أنَّ يَأْجُوجُ ومَأْجُوجُ قبيلتان من البشر متوحِّشتان، فيأجوج قبيلة، ومأجوج قبيلةٌ أخرى، وقد قُرأ الاِسمان بالهمز وبدون الهمز، وهما على كلا القراءتين اسمان أعجميَّان كما عليه الأكثر، وبذلك يكون منشأ منعهما من الصرف هو العُجمة والتعريف، ولكون الاسمين أعجميين لذلك لا يُشتقُّ لهما أصلٌ من كلام العرب.

 

وقيل إنَّهما اسمان مشتقَّان من أصلٍ عربي، فهما من الجذر أجج، ومنه أجيج النار أي تلهُّبها، فالأجيج كما قيل هو صوت لهب النار واستعارها، يقال: أَجَّتِ النارُ تَئِجُّ وتَؤُجُّ أَجِيجاً إِذا سمعتَ صَوتَ لَهَبِها وسعيرها، ويقال: أَجَّ الظَّليمُ - ذكر النعامة - يَئِجُّ ويَؤُجُّ أَجّاً وأَجِيجاً إذا سُمع حفيفُه في عدوه، ويستعمل للكناية عن السرعة في العدو، لذلك يُستعمل الفعل أجَّ بمعنى أسرع يقال: أَجَّ في سيره يَؤُجُّ أَجّاً إِذا أَسرع وهرول، ومنه ما ورد في حديث خيبر: فلمَّا أَصبح دعا عليّاً، فأَعطاه الراية، فخرج بها يَؤُجُّ حتى ركَزَها تَحْتَ الحِصْنِ والأَجُّ: الإِسراعُ والهَرْوَلةُ، ويُقال كذلك تأجَّج بمعنى أضاء من أجيج النار أي توقُّدها، ومنه: أَجَّجَ بينهم شَرًّا: أي أَوقدَهُ.

 

وكذلك يُستعمل الأَجِيجُ والأُجاجُ والائْتِجاجُ: في شدَّةُ الحرِّ، يُقال: جاءت أَجَّةُ الصيف، فالأَجَّةُ: شدَّة الحرِّ وتَوَهُّجه، والجمع إِجاجٌ، مثل جَفْنَةٍ وجِفَانٍ؛ وائْتَجَّ الحَرُّ ائْتِجاجاً أي اشتدَّ، وكذلك يُوصف الماء الشديدُ الملوحة أو المرارة بالأجاج، فهو لشدَّة ملوحته أو مرارته يكون له لسع وحرارة في الفم، يقال:أَجَّ الماءُ يَؤُجُّ أُجوجاً إذا اشتدَّتْ ملوحته ومرارتُه فكان له حرارة ولسع.

 

وعليه فبناءً على اشتقاق يأجوج ومأجوج من كلام العرب فإنَّه يكون متَّخذاً من تأجُّج النار وتلهبها، فلعلَّه لشدَّة بطشهم وما يُحدثونه من خرابٍ وتدمير تمَّ تشبيههم بالنار الملتهبة والمستعرة التي تُحرق بطبعها الأخضر واليابس، أو لعلَّه لسرعة عدْوهم مع ما تُحدثه حركتهم من جلَبة ولغط وضجيج تمَّت التسميةُ لهم بذلك، ولعلَّ تسميتهم مأخوذةٌ من الأَجَّةُ وهي شدَّة الحرِّ وتَوَهُّجه، يقال ائْتَجَّ الحَرُّ ائْتِجاجاً أي اشتدَّ والجمع إِجاجٌ، مثل جَفْنَةٍ وجِفَانٍ، ولعلَّه مأخوذٌ من أَجَّ الماءُ يَؤُجُّ أُجوجاً إذا اشتدَّت ملوحته ومرارته فكان له حرارة ولسع. فلشدَّتهم وعظيم نكايتهم تمَّ تشبيههم بالماء الأجاج الذي لا يُطاق لشدَّة ملوحته ومرارته، وعلى ذلك يكون التقدير ليأجوج هو يفعول، والتقدير لمأجوج هو مفعول وكلاهما مشتقَّان من أصلٍ واحد.

 

هذا بناءً على قراءة يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ بالهمز، وأمَّا بناءً على قراءتهما بالألف غير المهموزة واعتبارها زائدة فإنَّ يأجوج ستكون مأخوذةً من يَجَجَ، ومأجوج مأخوذة من مَجَّ يُقال: مَجَّ الرَّجُلُ الشَّرابَ ومجَّ الشيءَ مِن فِيهِ يَمُجُّه مَجّاً أي لفَظَه وألقاه وطرحه من فمِه، والممجوج الممقوت وغير المرغوب ولهذا يتم التخلُّص منه، وعليه فالكلمتان تكونان من أصلين وهما يجَج ومجَج أو مجَّ، فهما مأخوذان من أصلين، وليسا من أصلٍ واحد كما في الاحتمال الأول. وعلى ذلك يكونان أيضاً ممنوعين من الصرف ولكن للتعريف والتأنيث وليس للعجمة. وهناك تفاصيل أخرى لا أرى داعياً لعرضها (4).

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- سورة الكهف / 94.

2- سورة الكهف / 94.

3- سورة الأنبياء / 96.

4- لاحظ: تفسير مجمع البيان -الطبرسي- ج6 / ص383، لسان العرب -ابن منظور- ج2 / ص207، الصحاح -الجوهري- ج1/ 298، تاج العروس -الزبيدي- ج3 / ص285.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد