
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي ..
تحدث لقمان الحكيم في السورة التي تحمل اسمه في المسائل الأخلاقية المرتبطة بالناس والنفس، فيوصي ابنه أوّلًا بالتواضع والبشاشة وعدم التكبّر، فيقول: ﴿وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ﴾ أي لا تعرض بوجهك عن الناس ﴿وَلاَ تَمْشِ فِى الاْرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَال فَخُور﴾.
"تُصَعّر": من مادّة (صعّر)، وهي في الأصل مرض يصيب البعير فيؤدّي إلى اعوجاج رقبته.
و"المرح": يعني الغرور والبطر الناشئ من النعمة.
و"المختال": من مادّة (الخيال) و (الخيلاء)، وتعني الشخص الذي يرى نفسه عظيمًا وكبيرًا، نتيجة سلسلة من التخيّلات والأوهام.
و"الفخور": من مادّة (الفخر) ويعني الشخص الذي يفتخر على الآخرين.
والفرق بين كلمتي المختال والفخور، أنّ الأولى إشارة إلى التخيّلات الذهنيّة للكبر والعظمة، أمّا الثّانية فهي تشير إلى أعمال التكبّر الخارجي.
وعلى هذا، فإنّ لقمان الحكيم يشير هنا إلى صفتين مذمومتين جدًّا وأساس توهين وقطع الروابط الاجتماعية الصميميّة: إحداهما التكبّر وعدم الاهتمام بالآخرين، والأخرى الغرور والعجب بالنفس، وهما مشتركتان من جهة دفع الإنسان إلى عالم من التوهّم والخيال ونظرة التفوّق على الآخرين، وإسقاطه في هذه الهاوية، وبالتالي تقطعان علاقته بالآخرين وتعزلانه عنهم، خاصّة وأنّه بملاحظة الأصل اللغوي لـ "صعّر" سيتّضح أنّ مثل هذه الصفات مرض نفسي وأخلاقي، ونوع من الانحراف في التشخيص والتفكير، وإلاّ فإنّ الإنسان السالم من الناحية الروحية والنفسية لا يبتلى مطلقًا بمثل هذه الظنون والتخيّلات.
ولا يخفى أنّ مراد لقمان لم يكن مسألة الإعراض عن الناس، أو المشي بغرور وحسب، بل المراد محاربة كلّ مظاهر التكبّر والغرور، ولمّا كانت هذه الصفات تظهر في طليعة الحركات العاديّة اليوميّة، فإنّه وضع إصبعه على مثل هذه المظاهر الخاصّة.
ثمّ بيّن في الآية التالية أمرين وسلوكين أخلاقيين إيجابيّين في مقابل النهيين عن سلوكين سلبيين في الآية السابقة فيقول: ابتغ الاعتدال في مشيك: ﴿وَاقْصِدْ فِى مَشْيِك﴾ وابتغ الاعتدال كذلك في كلامك ولا ترفع صوتك عاليًا ﴿وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الاْصْوَتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾(1).
إنّ هاتين الآيتين في الحقيقة أمرتا بصفتين، ونهتا عن صفتين:
فالنهي عن "التكبّر" و"العجب"، فإنّ أحدهما يؤدّي إلى أن يتكبّر الإنسان على عباد الله، والآخر يؤدّي إلى أن يظنّ الإنسان أنّه في مرتبة الكمال وأسمى من الآخرين، وبالتالي سيغلق أبواب التكامل بوجهه، وإن كان لا يقارن بينه وبين الآخرين.
وبالرغم من أنّ هاتين الصفتين مقترنتان غالبًا، ولهما أصل مشترك، إلاّ أنّهما قد تفترقان أحيانًا.
أمّا الأمر بصفتين، فهما رعاية الاعتدال في العمل والكلام، لأنّ التأكيد على الاعتدال في المشي أو إطلاق الصوت هو من باب المثال في الحقيقة.
والحقّ أنّ الإنسان الذي يتّبع هذه النصائح الأربع موفّق وسعيد وناجح في الحياة، ومحبوب بين الناس، وعزيز عند الله.
وممّا يستحقّ الانتباه أنّ من الممكن أن نسمع أصواتًا أزعج من أصوات الحمير في محيط حياتنا، كصوت سحب بعض القطع الفلزّية إلى بعضها الآخر، حيث يحسّ الإنسان عند سماعه بأنّ لحمه يتساقط، إلاّ أنّ هذه الأصوات لا تمتلك صفة عامّة، إضافةً إلى وجود فرق بين المزعج والقبيح من الأصوات، والحقّ هو أنّ صوت الحمار أقبح من كلّ الأصوات العاديّة التي يسمعها الإنسان، وبه شُبّهت صرخات ونعرات المغرورين البله.
وليس القبح من جهة ارتفاع الصوت وطريقته فحسب، بل من جهة كونه بلا سبب أحيانًا، لأنّ بعض المفسّرين يقولون: إنّ أصوات الحيوانات تعبّر غالبًا عن حاجة، إلاّ أنّ هذا الحيوان يطلق صوته أحيانًا بدون مبرّر أو داع، وبدون أيّ حاجة أو مقدّمة! وربّما كان ما ورد في بعض الرّوايات من أنّ الحمار كلّما أطلق صوته فقد رأى شيطانًا، لهذا السبب.
وقال البعض: إنّ صراخ كلّ حيوان تسبيح إلاّ صوت الحمار!
وعلى كلّ حال، فإنّنا إذا تجاوزنا كلّ ذلك، فإنّ كون هذا الصوت قبيحًا من بين الأصوات لا يحتاج إلى بحث، وإذا رأينا في الرّوايات المرويّة عن الإمام الصادق (عليه السلام)، والتي فسّرت هذه الآية بالعطسة بصوت عال، أو الصراخ عند التكلّم والتحدّث، فإنّه في الحقيقة مصداق واضح لذلك (2).
ـــــــ
1 "أنكر" أفعل التفضيل، ومع أنّه لا يأتي عادةً في مورد المفعول، إلاّ أنّ هذه الصيغة وردت بصورة نادرة في باب العيوب.
2 مجمع البيان، ذيل الآية مورد البحث.
معـاني الحرّيّة (1)
الشيخ محمد مصباح يزدي
أدر مواقفك بحكمة
عبدالعزيز آل زايد
معنى (نعج) في القرآن الكريم
الشيخ حسن المصطفوي
استواء الصراط استقامته
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
السّعادة والشّقاء ذاتيّان أم اكتسابيّان؟
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
ما بعد فلسفة الدين…ميتافيزيقا بَعدية (5)
محمود حيدر
الصبر وحسن البلاء
الشيخ شفيق جرادي
﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ﴾ الضمير في: ﴿عَلَى حُبِّهِ﴾!
الشيخ محمد صنقور
أعظم امتحانات الحياة
السيد عباس نور الدين
بين الإنسان والملائكة
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيدة الزهراء: حزن بامتداد النّبوّات
حسين حسن آل جامع
اطمئنان
حبيب المعاتيق
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر
معـاني الحرّيّة (1)
أدر مواقفك بحكمة
علماء يبتكرون كلية (عالمية) تناسب جميع فصائل الدم
معنى (نعج) في القرآن الكريم
استواء الصراط استقامته
(متاهة وانعكاس) رواية جديدة للكاتب عماد آل عبيدان
(تحديات الأسرة وأدوارها في عصر الذّكاء الاصطناعيّ) محاضرة للدّكتور الخاطر في البيت السعيد
السّعادة والشّقاء ذاتيّان أم اكتسابيّان؟
علاج جديد قد يشفي من مرض السكري من النوع الأول الحاد
الثقة بوابة النجاح