قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد مهدي الآصفي
عن الكاتب :
عالم ومفكر اسلامي كبير، واستاذ في الحوزة العلمية، توفي(٤/٦/٢٠١٥)

رؤية قرآنيّة للنصر والهزيمة (2)

موقع الثأر في الصراع الحضاري بين التوحيد والشرك:

ولنَقِف قليلاً عند هذه الكلمة؛ لننظر كيف يكون هذا الدم (ثأر الله) من دون سائر الدماء.

ليس المقصود بـ (الثأر) هنا القصاص؛ فإنّه تشريع عامّ لكلّ مَن قُتِل بغير حقّ، إذا طالب أولياء الدم بذلك، وليس للشهيد خصوصيّة في هذا الـمَجال. كما ليس المقصود بذلك معاقبة القاتل والـمُعتدي في الآخرة؛ فهو أيضاً حُكْم عامّ لا يخصّ عدواناً دون عدوان، فلابدّ أن يكون للثأر هنا معنى آخر، غير المعنى المألوف الذي يعرفه الناس، فالثائر هنا الله، وهو تعالى وليّ الثأر.

فما عسى أن يكون معنى (الثأر) هنا؟

وكيف يتولَّى الله تعالى المطالَبة بدم الشهيدَين، الولد والوالِد (ثأر الله وابن ثأره)؟

وما هو المقصود من كلمة (ثأر الله) الواردة في هذه الزيارة؟

إنّ الصراع هنا ليس صراعاً شخصيّاً؛ ليكون ثأراً من شخص - كما هو المألوف في الدماء والثارات -، وإنّما الصراع صراع حضاري، فيكون الثأر ثأراً للقضيّة والرسالة، وانتقاماً من الخطّ الحضاري الذي يريد أن ينال من خطّ الرسالة.

فالشهيد يقاتل في سبيل الله، ولتثبيت كلمة الله على وجه الأرض، ولإسقاط الطاغوت وإحباط دوره وعمله في الأرض وفي المجتمع، ولإزالة الفتنة الّتي تُعيق الناس عن سبيل الله.

الجريمة هنا ليست جريمة على شخص، وإنّما جريمة على الخطّ والرسالة الّتي يقاتل من أجْلها الشهيد، وهي تحكيم شريعة الله في الحياة.

فلابدّ أن يكون (الثأر) إذن من جنس الجريمة ومن جنس القضيّة، ثأراً للقضيّة وانتقاماً من الخطّ الحضاري الـمُناوئ لسبيل الله وللصراط المستقيم، وانتصاراً للرسالة الّتي ضحّى من أجْلها الشهيد، وإحباطاً لدَور الطاغية وسَعيه في الأرض.

فكما أنّ إنزال العقوبة الـمُكافئة للإجرام بشخص المجرم من الثأر والانتقام، كذلك تَسقيط الطاغية و(المجرم) وإحباط دَوره في الأرض، والانتصار للرسالة وتأييدها ودعمها وإسنادها، يُعدّ انتقاماً من الطاغية وثأراً للشهيد.

والثائر الّذي يطلب بدماء الشهداء من أسرة التوحيد (الإبراهيميّة)، ويتولّى الانتقام من الظالمين والمجرمين، والانتصار للشهداء، هو الله تعالى، فهو وليّ الثأر ووليّ الدم، والـمُنتقِم الثائر.

 

كربلاء الساحة النموذجيَّة للصراع بين الحقّ والباطل:

هذا المعنى من الثأر والانتقام الإلهي قد تحقَّق في الصراع التاريخي الّذي حدث في كربلاء سنة (61 هـ)، بين سيّد الشهداء الحسين عليه ‌السلام، ويزيد بن معاوية وجيشه.

لقد كانت هذه المعركة على صِغر مساحتها العسكريّة تُجسّد صراعاً ضخماً بين معسكرَين وحضارتين، وفكرَتَين ومدرستَين، بين الإسلام والجاهليّة، والّذي ينظر إلى هذه المعركة من بعيد تتراءى له أنّ المعركة كانت بين طائفتين من المسلمين، ولِخلافات ومسائل داخليّة وسياسيّة تتعلّق بالحُكم والسلطان في الحياة الدنيا.

ولكنّ الأمر أعمق بكثير من هذا البُعد؛ لقد اتّخذت الجاهليّة الأولى - بعد هزيمتها أمام انطلاقة الرسالة الإسلاميّة - دولة بَني أميّة مظلّة إسلاميّة واقية لها؛ لتعود من جديد إلى صُلب الحياة، ولتصادر كلّ مكاسب الإسلام في الحُكم والإدارة والاقتصاد، والتربية والتعليم والأخلاق والعقيدة. ونجحت هذه المحاولة الجاهليّة نجاحاً كبيراً، حتّى استطاعت أن تتسلّل من خلال آل أميّة إلى الخلافة، وهو قمّة النجاح السياسي والحضاري.

والذي ينظر بإمعان في تأريخ معاوية وابنه يزيد، من غير تعصّب، لا يحتاج إلى عناء كبير؛ ليلمس عودة الجاهليّة الأولى من خلال ولايتهما على المسلمين، في البَذخِ وتبذير أموال المسلمين، وفي استعمال الـمحرّمات من غناءٍ وخَمْرةٍ وقِمار، وفي الاستهانة بحدود الله، وفي تَصْفِية قادة الأمّة (الحسين عليه ‌السلام وأهل بيته وأصحابه)، وفي الاعتداء على معاقِل العالم الإسلامي (مكّة المكرّمة والمدينة المنوَّرة)، وعشرات النماذج الأخرى الّتي تكشف عن هذه الحقيقة، والّتي لا يحتاج فَهْمها إلى أكثر من التجرّد عن التعصّب.

وكان الحسين عليه ‌السلام يُدرك هذه الحقيقة إدراكاً جيّداً، ويرى رؤية واضحة عودة الجاهليّة إلى صُلب المجتمع من جديد، تحت مظلّة بَني أميّة، ويرى غفلة الأمّة عن هذه المأساة، فلم يجد بدّاً من أن ينهض بأهل بيته وأصحابه؛ ليُكافح هذا التيَّار الجاهلي، ويصبغ هذه المقاومة بدمه ودماء الثُلّة المؤمنة الّتي واكَبَتْه في هذه المسيرة، وليُنبِّه الأمّة إلى ضخامة الجريمة والمؤامرة الّتي تُنسَج خيوطها في قصور بَني أميّة ضدّ الإسلام.

فكانت (واقعة كربلاء) مقاومة جريئة وفدائيّة وخالصة، دارت رَحاها حول مسألة حضاريّة مهمَّة هي: (إيقاف الرِدَّة الجاهليّة) إلى صُلب المجتمع - بعد أن أزاحها وعَزَلها الإسلام عنه - وإيقاف التيَّار الجاهلي وصدّه من التقدّم وفَضْحِه، وكَشْف أبعاد هذه الجريمة، وتنبيه الأمّة إلى عُمقِ المأساة وخطورة تلك الرِدَّة، الّتي تسلَّلت إلى موقع الخلافة من خلال يزيد بن معاوية، ومن قبله أبيه معاوية بن أبي سفيان.

إنّ الانتقام الحقيقي لدماء شهداء كربلاء ليس في إنزال عقوبة ماديّة مُماثلِة بالقَتَلة، وإنّما الانتقام الحقيقي والـمُكافِئ للجريمة هو: تحقيق الغاية الّتي قاتلَ من أجْلها أهل البيت عليهم ‌السلام، وكشف حقيقة ونوايا الجهاز الحاكِم، وإيقاف تيّار الرِدَّة الجاهليّة، وإحباط المؤامرة الجاهليّة.

هذه النقاط في الحقيقة هي النقاط الأساسيّة للانتقام من الظالم، والانتصار للمظلوم، وتحقيق إرادة الشهيد وإحباط إرادة الطاغية.

والله (تعالى) هو الّذي يتولّى تحقيق هذه الغايات، وتوفير هذه الضمانات جميعاً للشهيد، فهو وليّ الدم وصاحب الثأر والـمُنتقِم من الطاغية، والـمُنتصِر للشهيد.

وهذا (الثأر الإلهي) من الظالم، يعمّ كلّ الشهداء بدرجات مختلفة، فكلّ دم أريق في سبيل الله دم مضمون القضيّة، والله تعالى وليّ كلّ دم أريق في سبيله، وهذه الضمانة الإلهيّة لدم الشهيد تُعطي دم الشهيد قِيمة حركيّة كُبرى في التأريخ، فهو الدم المضمون والـمُؤمَّن الّذي يتولّى الله تعالى الثأر له وتحقيق قضيّته ورسالته، ودَحْضِ أعدائه وإسقاطهم وفَضْحِهم، وقلّما يتمتّع شيء في حياة الإنسان بمثل هذه الحركيّة الّتي يمنحها الله تعالى لدم الشهيد.

 

الضمانة الإلهيّة لدم الشهيد:

وهذه الضمانة الإلهيّة لمسيرة الدعوة، يرسمها القرآن الكريم في أكثر من آية بطريقته الخاصّة؛ لِيَبعث في نفوس المؤمنين الثِقة والطمأنينة بالعاقبة، ولِيُثبِّتهم على طريق ذاتِ الشوكَة.

وآيات القرآن تتناول هذه الحقيقة - الضمانة الإلهيّة للمسيرة - بتعابير وصِيَغ مختلفة، وبصورة مؤكّدة وواثقة؛ وذلك إذا أخلص المؤمنون لله وصَدقوا وثبتوا، وانتزعوا من قلوبهم حُبّ الدنيا، وآثروا رضوان الله على كلّ شيء، وابتغوا طاعة الله وحده، يقول تعالى:

(يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبّتْ أَقْدَامَكُمْ) (1).

(إِنّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا...) (2).

(قَاتِلُوهُمْ يُعَذّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ...) (3).

(... وَلَيَنصُرَنّ اللّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنّ اللّهَ لَقَوِيٌ عَزِيزٌ) (4).

(بَلِ اللّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النّاصِرِينَ) (5).

(وَإِن تَوَلّوْا فَاعْلَمُوا أَنّ اللّهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى‏ وَنِعْمَ النّصِيرُ) (6).

(... وَاعْتَصِمُوا بِاللّهِ‏ هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى‏ وَنِعْمَ النّصِيرُ) (7).

(... فَإِنّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) (8).

(... وَكَفَى‏ بِاللّهِ وَلِيّاً وَكَفَى‏ بِاللّهِ نَصِيراً) (9).

(... وَكَفَى‏ بِرَبّكَ هَادِياً وَنَصِيراً) (10).

وليست هذه الآيات المباركات ضمانات اعتباطيّة وخارجة عن دائرة السنَن الإلهيّة، الّتي لا تتبدَّل ولا تتغيَّر، وإنّما تأتي هذه الضمانات الإلهيّة بموجب سلسلة من الأسباب والعِلَل، منها ما يرتبط بالقلب والجوانِح، ومنها ما يرتبط بالجوارح، وجملة هذه الأسباب هي الّتي تستنزِل النصر والقوّة من عند الله تعالى للجماعة المؤمنة، في صراعها مع قِوى الكُفر والجاهليّة على وجه الأرض.

وأهمّ هذه الأسباب هو: الإيمان والتوكّل على الله والثقة به، والجهاد والعمل في سبيله، والإخلاص وابتغاء وجهه الكريم، والانتصار لدِينه، والصبر والثبات، والصِدق في الموقِف، والإعداد الميداني للمعركة، وغير ذلك من الأسباب الّتي تستنزِل النصر من الله تعالى، وتؤمّن الضمانة الإلهيّة للنصر في ساحات القتال والمواجهة.

والشهداء في طليعة المؤمنين، إيماناً وثِقة بالله، وجهاداً وتضحيةً، وعطاءً وبذلاً في سبيل الله تعالى، وابتغاءً لوجهه الكريم، وثباتاً وصِدقاً في القول والعمل، وصبراً في مواجهة التحدّيات.

هذه كلّها مفاتيح النصر، والأسباب الّتي تستنزِل النصر من عند الله تعالى، ودم الشهيد يجمع هذه الخِصال جميعاً، ويشهد للشهيد بالصدق والصبر والعطاء.

 

معنى النصر والهزيمة:

وقبل أن نَسترسِل في الحديث عن الضمانة الإلهيّة لدم الشهيد، ومواكب الشهداء في التاريخ، ووَعْد الله تعالى لَهم بالنصر والتأييد والغَلَبة على معسكر الجاهليّة، لابدّ أن نقف هنا وقفة قصيرة لنقول:

إنّ هذا النصر ليس بالمعنى العسكري للنصر، فقد كان بنو أميّة هُم المنتصرين يوم الطفّ على معسكر الحسين عليه ‌السلام، لو كنّا نقصد بالنصر هذا المعنى الّذي يفهمه الناس من النصر عادةً، ولكنّنا عندما نتجاوز الشعاع المنظور للمعركة، والأبعاد العسكريّة والسياسيّة القريبة لها، نجد أنّ الحسين عليه‌ السلام قد تَمَكَّن من إسقاط يزيد وإسقاط القناع من وجهه كأمير للمؤمنين، وفضحه ومُصادرة الشرعيّة الّتي حاول أن يَسبغها على نفسه، والقواعد الّتي كان يستند إليها، وإنهاء خَطّه السياسي في تحريف الإسلام عن مجراه الصحيح.

وهذا هو كلّ ما كان يريده سيّد الشهداء عليه‌السلام في صراعه مع يزيد.

فلم يكن الحسين عليه ‌السلام يطلب حُكماً أو سُلطاناً عاجلاً - وقد كان على بَيّنة من أمره هذا - عندما خرج من الحجاز إلى العراق، وإنّما كان يريد أن يُعرِّي يزيد أَمَام المسلمين، ويُسقِط القِناع عن وجهه؛ لئلاّ يتمكّن من تحريف مسيرة الإسلام وتحويله إلى مُلْكٍ عَضُوض، كما يقول رسول الله صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله، وقد استطاع الحسين عليه ‌السلام أن يُحقِّق بالدقّة كلّ ما يبتغيه من خروجه على يزيد.

إنّ المعركة التي خاضها سيّد الشهداء الحسين عليه ‌السلام لم تكن تستهدف أهدافاً عسكريّة أو اقتصاديّة؛ لِنَقيس نجاح المعركة وفشلها بما حُقِّق من أغراض عسكريّة أو اقتصاديّة، وإنّما كانت معركة حضاريّة.

فقد استطاعت الجاهليّة الأمويّة التي هزمها الإسلام، أن تتسلّل إلى مراكز القيادة في المجتمع الإسلامي من جديد، بكلّ أبعادِها وتراثها الجاهلي، وكان هدف الحسين عليه ‌السلام هو إيقاف هذا الـمَدّ الجاهلي الّذي بدأ يمتدّ إلى جسم الإسلام، وباسمِ الإسلام، وصَدّه وفضحه وتعرِيَته.

وقد حقَّقتْ ثورة الحسين عليه ‌السلام كلّ ما كان يريده في هذه الحركة المباركة.

لقد أسقطتْ شهادة أبي الشهداء عليه ‌السلام وأهل بيته وأصحابه القناعَ عن وجهِ يزيد، وعَرَّته تماماً للمجتمع الإسلامي وللتأريخ، وانتزعتْ منه وممَّن خلفه الشرعيّة الّتي كان يحرص عليها هؤلاء، فلم يَعد يزيد وخَلَفه - من حُكّام بَني أميّة - يُشكّلون خطراً على أصول هذا الدِين وفروعه، وخَطِّه ومقاييسه وتُراثه.

وقد تولّى الله تعالى قضيّة هذه الدماء ورسالتها، وثأر لها وحقّق قضيّتها، لو أنّنا فهمْنا النصر بمعناه العميق الحضاري والتاريخي، وليس الفوز في جولةٍ عسكريّة، وليس من الصحيح أن نقيس النصر والهزيمة بمقياس النجاح والفشل في جولة عسكريّة.

ولو أردنا أن نفهم النصر والهزيمة في هذه الدائرة الضيِّقة، وبمثل هذا الفَهْمِ المحدود، لم نستطع أن نفهم حركة التاريخ وسُنَن الله في التاريخ؛ فقد يربح أحد الأطراف جولة من المعركة، ولا يكون مُنتصِراً بالمعنى البعيد والحضاري لهذه الكلمة، وقد يخسر أحد الأطراف الجولة والجولَتَين في المعركة، ولن يكون مهزوماً. وقد يربح الطرف الّذي يُحسِن اللعب على الحِبال، ويُحسِن شراء وبَيع الضمائر، ويُحسِن الخيانة وتجاوز القِيَم، ولكنّه لن يكون منتصِراً، وقد يخسر الطرف الذي يثبت عند القِيَم والمبدأ الجولةَ الواحدة والثانية والثالثة في المعركة، وتكون له العاقبة المحمودة والنصر.

إذن، لا يُقاس النصر بهذه المقاييس الآنيّة والوقتيَّة، وإنّما بتحقيق الأهداف والغايات الحضاريّة، والحسين عليه ‌السلام - بهذا المقياس - قد انتصرَ على يزيد، وقَبله أخوه الحسن الـمُجتَبى عليه ‌السلام على معاوية، وقَبلهما أبوهما عليّ بن أبي طالب عليه‌ السلام على معاوية.

وهذا هو المِقياس الصحيح لمعرفة النصر والهزيمة، وهذا الّذي نقصده نحن من النصر في الصراع الخالد بين الإسلام والجاهليّة، الذي يضمنه الله تعالى للصالحين من عباده.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) محمّد: 7.

(2) غافر: 51.

(3) التوبة: 14.

(4) الحجّ: 40.

(5) آل عمران: 150.

(6) الأنفال: 40.

(7) الحجّ: 78.

(8) المائدة: 56.

(9) النساء: 45.

(10) الفرقان: 31.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد