قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عن الكاتب :
أحد مراجع التقليد الشيعة في إيران

متی تنتهي الحرب بين الإسلام والكفر؟

﴿فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾

‏سؤال أجاب عنه المفسّرون إجابات مختلفة: فالبعض- كابن عباس- قال: حتی لا تبقی وثنية علی وجه البسيطة، وحتی يقتلع دين الشرك وتجتث جذوره.

 

‏وقال البعض الآخر: إنّ الحرب بين الإسلام والكفر قائمة حتی ينتصر المسلمون علی الدجال، وهذا القول يستند إلى‌ حديث روي عن الرّسول الأكرم صلی اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال: «والجهاد ماض مذ بعثني اللّه إلى أن يقاتل آخر أمّتي‌ الدجال» (مجمع البيان، المجلد ٩، صفحة ٩٨.٥).

‏البحث حول «الدجّال» بحث واسع، لكن القدر المعلوم أنّ الدجّال رجل خدّاع، أو رجال خدّاعون ينشطون في آخر الزمان من أجل إضلال الناس عن أصل التوحيد والحق والعدالة، وسيقضي عليهم المهدي (عج) بقدرته العظيمة، وعلی هذا فإنّ الحرب قائمة بين الحق والباطل ما عاش الدجّالون على وجه الأرض.

 

‏إنّ للإسلام نوعين من المحاربة مع الكفر: أحدهما الحروب المرحلية كالغزوات التي غزاها النّبي صلی اللّه عليه وآله وسلّم حيث كانت السيوف تغمد بعد انتهاء كل غزوة. والآخر هو الحرب المستمرة ضد الشرك والكفر، والظلم والفساد، وهذا النوع مستمر حتی زمن اتساع حكومة العدل العالمية، وظهورها علی الأرض جميعًا علی يد المهدي (عج).

‏ثمّ تضيف الآية: (ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللَّـهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ)‌ [« ذلك» خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: الأمر كذلك] بالصواعق السماوية، والزلازل، والعواصف، والابتلاءات الأخری، لكن باب الاختبار وميدانه سيغلق في هذه الصورة: (وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ)‌.

 

‏هذه المسألة هي فلسفة الحرب، والنكتة الأساسية في صراع الحق والباطل، ففي هذه الحروب ستتميز صفوف المؤمنين الحقيقيين والعاملين من أجل دينهم عن المتكلمين في المجالس المتخاذلين في ساعة العسرة، وبذلك ستتفتح براعم الاستعدادات، وتحيا قوّة الاستقامة والرجولة، ويتحقق الهدف الأصلي للحياة الدنيا، وهو الابتلاء وتنمية قوّة الإيمان والقيم الإنسانية الأخری.

‏إذا كان المؤمنون يتوقعون علی ذواتهم وينشغلون بالحياة اليومية الرتيبة، وفي كل مرة تطغی فيها جماعة من المشركين والظالمين يدحضهم اللّه سبحانه بالقوی الغيبية، ويدمّرهم بالطرق الإعجازية، فإنّ المجتمع سيكون خاملًا ضعيفًا عاجزًا، ليس له من الإسلام والإيمان إلّا اسمه.

 

‏وخلاصة القول: إنّ اللّه سبحانه غني عن سعينا وجهادنا من أجل تثبيت دعائم دينه، بل نحن الذين نتربّى في ميدان جهاد الأعداء، ونحن الذين نحتاج إلی هذا الجهاد المقدّس.

‏وقد ذكر هذا المعنی في آيات القرآن الأخری بصيغ أخری، فنقرأ في الآية (١٤٢) من سورة آل عمران: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّـهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ)‌.

 

‏وجاء في الآية التي سبقتها: (وَلِيُمَحِّصَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ)‌.

‏وتحدّثت آخر جملة من الآية مورد البحث عن الشهداء الذين قدّموا أرواحهم هدية لدينهم في هذه الحروب، ولهم فضل كبير علی المجتمع الإسلامي، فقالت:

‏(وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ‌).

 

‏فلن تذهب جهودهم وآلامهم وتضحياتهم سدی، بل كلها محفوظة عند اللّه سبحانه، فستبقی آثار تضحياتهم في هذه الدنيا، وكلّ نداء (لا إله إلّا اللّه) يطرق سمع البشر يمثل ثمرة جهود أولئك الشهداء، وكلّ سجدة يسجدها مسلم بين يدي اللّه هي من بركات تضحياتهم، فبمساعيهم تحطّمت قيود المذلّة والعبودية، وعزّة المسلمين ورفعتهم رهينة ما بذلوه من الأرواح والتضحيات.

‏هذه هي أحدی مواهب اللّه في شأن الشهداء.

 

‏وهناك ثلاث مواهب أخری أضيفت في الآيات التالية:

‏تقول الآية أوّلاً: سَيَهْدِيهِمْ‌ إلی المقامات السامية، والفوز العظيم، ورضوان اللّه تعالى.

‏والأخری: يُصْلِحُ بالَهُمْ‌ فيهبهم هدوء الروح، واطمئنان الخاطر، والنشاط المعنوي والروحي، والانسجام مع صفاء ملائكة اللّه ومعنوياتهم، حيث يجعلهم جلساءهم وندماءهم في مجالس أنسهم ولذّتهم، ويدعوهم إلی ضيافته في جوار رحمته.

 

‏والموهبة الأخيرة هي: (وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ)‌.

‏قال بعض المفسّرين: إنّه تعالی لم يبيّن لهم الصفات الكلية للجنّات العلا وروضة الرضوان وحسب، بل عرف لهم صفات قصورهم في الجنّة وعلاماتها، بحيث أنّهم عندما يردون الجنّة يتوجّهون إلی قصورهم مباشرة.

‏وفسر البعض (عرّفها) بأنّها من مادة «عرف»- علی زنة فكر- وهو العطر الطيب الرائحة، أي إنّ اللّه سبحانه سيدخلهم الجنّة التي عطّرها جميعَا استقبالَا لضيوفه.

 

‏إلّا أنّ التّفسير الأوّل يبدو هو الأنسب.

‏وقال البعض: إذا ضممنا هذه الآيات إلی آية: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْواتاً) [آل عمران، الآية ١٦٩]. سيتّضح أنّ المراد من إصلاح البال إحياؤهم حياة يصلحون بها للحضور عند ربّهم بانكشاف الغطاء.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد