من التاريخ

مسجد الإمام العسكريّ عليه السلام ومقامه في جرجان

 

الشيخ علي الكوراني
مدينة جرجان (أو أسترآباذ)، تقع في شمال إيران، وكانت جزءاً من طبرستان التاريخية، على الساحل الجنوبي لبحر قزوين. وفيها شيعة لأهل البيت عليهم السلام من أول الفتح الإسلامي، وكانت في عهد الإمام العسكريّ عليه السلام، تحت حكم الحسن بن زيد العلويّ، المعروف بالداعي الكبير.

قال القطب الراوندي في (الخرائج: 1/424)؛  وابن حمزة في (الثاقب: ص 215): «عن جعفر بن الشريف الجرجانيّ، قال:
حججتُ سنةً فدخلت على أبي محمّد (العسكريّ) عليه السلام بسرّ مَن رأى، وقد كان أصحابنا حملوا معي شيئاً من المال، فأردتُ أن أسأله إلى من أدفعه؟
فقال قبل أن قلت له ذلك: (إدفع ما معك إلى المبارك خادمي).
ففعلت وخرجتُ، وقلت: إن شيعتك بجرجان يقرؤون عليك السلام. قال: (أولستَ منصرفاً بعد فراغك من الحجّ)؟
قلت: بلى!
قال: (فإنّك تصير إلى جرجان من يومك هذا إلى مائة وسبعين يوماً، وتدخلها يوم الجمعة لثلاث ليالٍ يمضين من شهر ربيع الآخر في أول النهار، فأعلِمهم أنّي أوافيهم في ذلك اليوم آخر النهار، فامضِ راشداً، فإن الله سيسلّمك ويسلّم ما معك، فتُقْدمُ على أهلك ووُلدك...)...
فانصرفت من عنده، وحججتُ، وسلّمني اللهُ حتّى وافيتُ جرجان في يوم الجمعة، في أول النهار، من شهر ربيع الآخر على ما ذكر عليه السلام، وجاءني أصحابنا يُهنّئوني، فأعلمتهم أن الإمام وعدني أن يوافيكم في آخر هذا اليوم، فتأهّبوا لما تحتاجون إليه، وأعدّوا مسائلكم وحوائجكم كلّها.

فلمّا صلّوا الظهر والعصر، اجتمعوا كلّهم في داري، فوَاللهِ ما شعرنا إلا وقد وافانا أبو محمّد عليه السلام! فدخل إلينا ونحن مجتمعون. فسلّم هو أولاً علينا، فاستقبلناه وقبّلنا يده. ثم قال: (إنّي كنتُ وعدتُ جعفر بن الشريف أن أُوافيكم في آخر هذا اليوم، فصلّيت الظهر والعصر بسرّ مَن رأى، وصرتُ إليكم لأجدّد بكم عهداً، وها أنا جئتكم الآن، فاجمعوا مسائلكم وحوائجكم كلّها)...
ثمّ تقدّم رجلٌ فرجل، يسألونه حوائجهم، وأجابهم إلى كلّ ما سألوه، حتّى قضى حوائج الجميع، ودعا لهم بخير، وانصرف من يومه ذلك».
وقدحفظ أهل جرجان ذلك المكان المبارك الذي زارهم فيه الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام. ففي وسط مدينتهم مسجد باسم: «مسجد وقدمكاه امام حسن عسكري عليه السلام». ومعنى قدمكاه: موطئ قدم. وهم يفتخرون به ويُحيون يوم زيارة الإمام عليه السلام، لهم في الثالث من شهر ربيع الثاني كلّ سنة، لأنه عليه السلام، قال لجعفر بن الشريف: «وتدخلها يوم الجمعة، لثلاث ليال يمضين من شهر ربيع الآخر، في أول النهار، فأعلِمهم أنّي أوافيهم في ذلك اليوم آخرَ النهار».

حولَ طيّ الأرض
كان الأئمّة عليهم السلام يسافرون بنحو الإعجاز، وهذا معروفٌ في سيرتهم عليهم السلام، بواسطة طيِّ الأرض أو غيره، فقد ذهب أمير المؤمنين عليه السلام إلى المدائن وصلّى على جنازة سلمان الفارسيّ رحمه الله، ورجع الى المدينة في نفس اليوم!
وكل المعصومين عليهم السلام عندهم القدرة على ما يريدون، لأنهم لا تُرّدُّ لهم دعوة، لكنهم لا يستعملون هذه القدرات إلا أن يأمرهم الله تعالى.
وعن الإمام زين العابدين عليه السلام: «.. قالت قريش للنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: كيف يمضي إلى بيت المقدس ويشاهد ما فيه من آثار الأنبياء، من مكة، ويرجع إليها في ليلة واحدة، مَن لا يقدر أن يبلغ من مكة إلى المدينة إلا في اثني عشر يوماً؟ وذلك حين هاجر منها».
ثم قال عليه السلام: «جَهِلوا واللهِ أمرَ الله وأمرَ أوليائه معه! إن المراتب الرفيعة لا تُنال إلا بالتسليم لله جلّ ثناؤه، وترْك الاقتراح عليه، والرضى بما يدبّرهم به.
إن أولياء الله صبروا على المِحن والمكاره صبراً لمَّا يُساوِهم فيه غيرهم، فجازاهم الله عزّ وجلّ عن ذلك بأنْ أوجب لهم نُجح جميع طلباتهم، لكنهم مع ذلك لا يريدون منه إلا ما يريدُه لهم».

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد