
إن للانسان حاجات متنوعة لا یمكنه إشباعها جمیعًا وبصورة كاملة فی عالمنا المادي الذي یتمیز بالتضاد والتناحر. وقد تقتضي الظروف أن یضحي ببعضها على حساب البعض الآخر. وهنا یتدخل الاختیار، ویحكم العقل بالتضحیة بالحاجات الدنیا على حساب الحاجات الأسمى، على الرغم من أن الناس لا یسیرون جمیعًا وفق هذا المبدأ، فهم یرجحون الحاجات الدنیا، إما لضعف في إدراكهم وفي قدرتهم على التمییز، وإما بسبب اتباع العادة والرغبة، ویمكن أن نقول: إن هؤلاء یعملون ضد مصالحهم الخاصة.
إذن فالإنسان الذي یعي مصلحته هو ذلك الذي یسلك الطریق المؤدیة إلى الحاجات الأهم، وبذلك یضمن الكمالات الأرفع. وبعبارة أخرى یكون اختیاره على أساس حكم العقل.
وفي المقابل یقع في صراع مع المصالح الفردیة والاجتماعیة، فالحیاة الاجتماعیة تقتضي أن یضحي ببعض المصالح الفردیة في سبیل المصالح الاجتماعیة، ولابد لكل فرد في المجتمع أن یتنازل عن بعض رغباته ومصالحه الخاصة لضمان مسیرة الحیاة الاجتماعیة.
إن التضارب بین المصالح الفردیة والمصالح الاجتماعیة یمكن أن یكون على صورتین:
الأولى: أن یضحي الفرد ببعض مصالحه من أجل المصلحة الاجتماعیة، بحیث تؤدي هذه التضحیة إلى سد حاجات جمیع أفراد المجتمع بمن فیهم الفرد الذی ضحى ببعض مصالحه، وبذلك یحصل على فائدة قد تعادل مقدار الفائدة التي تنازل عنها أو تزید علیها. في هذه الصورة یحكم عقله بأن یرجح الإیثار. وبتعبیر آخر: إن مصلحته الخاصة قد اقتضت أن یختار الإیثار.
والثانیة: هي أن التنازل عن المنفعة الفردیة لا یكون مدعاة إلى أن ینال هذا الفرد منفعة مساویة لما تنازل عنه أو ربما أكثر، أي أنه إمّا أن لا ینال أيّ نفع أصلاً، وإمّا أن ینال أقلّ مما تنازل عنه. فهل یمكن أن نقول في هذه الحالة: إن من مقتضیات العقل أن یتنازل هذا الفرد عن منافعه الخاصة لیستفید الآخرون وینتفعوا؟
إذا كانت نظرتنا مادیة، فلا یمكن في الحقیقة أن نجیب عن هذا السؤال بالإیجاب، وهذه النظرة هي نظرة النفعیّین، الذین یقولون: إن الفرد یسعى لیستفید من المجتمع أقصى ما یستطیع، بغض النظر عن الأضرار التي تلحق بالآخرین جرّاء ذلك. إنّ مثل هذا الفرد لا یتنازل عن أيّ مقدار من مصالحه إلاّ إذا علم بأن عدم تنازله سوف یكون سبباً في فقدانه لمنافع أكبر، وعدم حصوله على المزید من المزایا الاجتماعیة.
في الواقع، إن الذین یحملون نظرة مادیة، ویتحدثون عن مصلحة المجتمع والدفاع عن حقوق الآخرین إنّما یتحدثون ریاءً ونفاقاً، وفي الحقیقة، إن همهم الوحید ضمان مصالحهم. إن هذا المنطق هو الذي یسیطر الیوم على أكثر المجتمعات البشریة، وإن ما یدعیه رؤوس الاستكبار وأتباعهم من الدفاع عن الحق والعدالة وحقوق الإنسان لیس إلاّ خداعًا وتضلیلًا.
طبیعي أن بعض رجال القانون یقولون بأصالة حقوق المجتمع، ویرون أن حقوق الفرد إنّما تؤلف جانبًا من حقوق المجتمع، وإذا ما تضاربت مصالح الفرد مع مصالح المجتمع، فلن یبقى للفرد مصلحة تذكر. ولكننا إذا ما تجاوزنا المباني الفلسفیة لهذه النظریة المبنیة على إنكار الوجود الحقیقی للفرد، وإذا ما تغاضینا عن حقیقة أن مختلف الأحزاب التي تدّعي أنها تتبع هذه النظریة ولكنها عملیًّا تسیر فی اتجاه مختلف كما هو الحال في سلوك الاشتراكیین في مختلف دول العالم فالسؤال هو: بأي منطق نستطیع أن نقنع الفرد بأنه ملزم عقلًا بالتخلّي عن منافعه الشخصیة، من دون أن ینال من المجتمع لقاء ذلك منافع توازیها أو تزید عنها؟
إننا نعلم أن بالإمكان دفع بعض الأفراد، بوساطة الدعایة وتحریك المشاعر والعواطف، نحو الإیثار والتضحیة، وحتى یمكن جرّهم إلى میادین الحرب بإثارة النعرة القومیة والعنصریة وأمثالهما، ولكن الهدف من حدیثنا لیس العثور على الطریقة المثلى لخداع الناس، بل حل القضیة حلاً عقلانیاً.
ولكننا إذا استندنا إلى النظرة الإلهیة استطعنا أن نجیب عن السؤال المذكور بردّ إیجابي وواضح، وذلك لأن:
أولاً: طبق الحكمة الإلهیة یتطلب من أكثر بني الإنسان أن یبلغوا درجة من درجات الكمال، وقد وضعت النعم الدنیویة في متناول الإنسان باعتبارها وسائل هذه الحركة التكاملیة، إذن، ینبغي لنا أن نستفید منها بحیث یتحقق هدف الخلق لدى جمیع الأفراد.
ثانیاً: على الرغم من أن الإیثار والتضحیة تعني التخلي عن بعض المنافع المادیة، ولكنها في مقابل ذلك تخلق في الأفراد الكمالات الروحیة والمعنویة، وهي الهدف الأصلی لخلق العالم والإنسان.
ثالثاً: كل حرمان یتحمله الإنسان في هذه الدنیا في سبیل مرضاة اللّه وتحقق هدفه من خلق البشر، یقابله ثواب أوفر في الدار الآخرة.
بناءً على ذلك إن ضرورة التنازل عن المصالح الفردیة، ناشئة من أن الحكمة الإلهیة وهدف الخلق هما اللذان یفرضان ذلك، ولكي یؤمن الأفراد بمبدأ التضحیة لابد لهم أن یدركوا بأنها سبب تكاملهم النفسي والمعنوي، مما یدخل البهجة إلى نفوسهم ویؤدي إلى شعورهم بلذة روحیة ویضمن لهم سعادة أبدیة ویحظون برضوان اللّه ونعم الجنة اللامتناهیة، تلك النعم التي لا من حیث الكمیة ولا من حیث الكیفیة. وبهذا یتبین ارتباط النظام الحقوقي الإلهي بالنظام الأخلاق، وبالنظرة الإلهیة للعالم.
البحث التاريخي
السيد جعفر مرتضى
معنى (نضد) في القرآن الكريم
الشيخ حسن المصطفوي
الكلمات في القرآن الكريم
الشيخ جعفر السبحاني
الصورة والفاعلية التواصلية
أثير السادة
لمحات من عالم البرزخ
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
حياتنـا كما يرسمها الدين
السيد علي عباس الموسوي
اتجاهات التفسير في المكي والمدني
الشيخ محمد علي التسخيري
الألفاظ الدالة على الأصوات في القرآن الكريم
الدكتور محمد حسين علي الصغير
كيف تنمو دوافع الخير والكمال في أبنائنا؟
السيد عباس نور الدين
ضرر قاعدة مناقشة الخلافات الزوجية والطرفان غاضبان أكثر من نفعها!
عدنان الحاجي
السيّدة المعصومة: ملتقى الجمال والجلال
حسين حسن آل جامع
على غالق
حبيب المعاتيق
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر
البحث التاريخي
معنى (نضد) في القرآن الكريم
الكلمات في القرآن الكريم
الصورة والفاعلية التواصلية
لمحات من عالم البرزخ
ثلاثة كتب جديدة للدكتور علي الدرورة
(أفياء شعريّة) أمسية لفاضل الجابر في نادي صوت المجاز الأدبيّ
بماذا كان يدين النّبيّ (ص) قبل البعثة؟
حياتنـا كما يرسمها الدين
اتجاهات التفسير في المكي والمدني