إن قلت: فبماذا ينال درجة الصّبر في المصائب وليس الأمر باختياره فهو مضطر شاء أم أبى، فإن كان المراد به أن لا يكون في نفسه كراهية المصيبة فذلك غير داخل تحت الاختيار؟.
فاعلم أنّه إنّما يخرج عن مقام الصّابرين بالجزع وشق الجيوب وضرب الخدود والمبالغة في الشكوى وإظهار الكآبة وتغيير العادة في الملبس والمفرش والمطعم ونحوها، وهذه الأمور داخلة تحت الاختيار فينبغي أن يجتنب جميعها ويظهر الرّضا بقضاء اللّه تعالى ويبقى مستمرًّا على عادته ويعتقد أن ذلك كان وديعة فاسترجعت ولا يخرجه عن حدّ الصابرين توجع القلب ولا فيضان العين بالدمع، فإن ذلك مقتضى البشرية ولا يفارق الإنسان إلى الموت.
ولذلك لما مات إبراهيم ولد النبيّ (صلى الله عليه وآله): «فاضت عيناه فقيل له أما نهيتنا عن هذا؟. فقال: إن هذا رحمة وإنما يرحم اللّه من عباده الرّحماء»(1)، وقال (صلى الله عليه وآله): «العين تدمع والقلب يحزن، ولا نقول ما يسخط الرّب»(2).
بل ذلك أيضًا لا يخرج من مقام الرّضا، فإن المقدم على الفصد والحجامة راض به و هو متألم بسببه لا محالة، نعم من كمال الصّبر كتمان المرض والفقر وسائر المصائب، وقد قيل: من كنوز البرّ كتمان المصائب والأوجاع والصدقة.
وعن الباقر (عليه السلام) قال: «قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): قال اللّه تعالى: من مرض ثلاثًا فلم يشك إلى عواده أبدلته لحمًا خيرًا من لحمه، ودمًا خيرًا من دمه، فإن عافيته عافيته ولا ذنب له، وإن قبضته قبضته إلى رحمتي»(3).
وفي معناه أخبار أخر، وفي بعضها فسر التبديل بخير بأن يبدله لحمًا ودمًا وبشرة لم يذنب فيها، وفسر الشكاية بأن يقول ابتليت بما لم يبتل به أحد وأصابني ما لم يصب أحدًا قال: وليس الشّكوى أن تقول أسهرت البارحة وحممت اليوم ونحو هذا.
وعن الصّادق (عليه السلام): «من اشتكى ليلة فقبلها بقبولها وأدى إلى اللّه شكرها كانت كعبادة ستين سنة، سئل ما قبولها، قال: يصبر عليها ولا يخبر بما كان فيها فإذا أصبح حمد اللّه على ما كان(4)، وسئل الباقر (عليه السلام) عن الصبر الجميل فقال: «ذاك صبر ليس فيه شكوى إلى الناس»(5).
وعن النبيّ (صلى الله عليه وآله): «من إجلال اللّه ومعرفة حقّه أن لا تشكو وجعك ولا تذكر مصيبتك»(6) وأما الشكاية إلى اللّه تعالى وسؤاله الرفع فحسن، قال يعقوب: إنّما أشكو بثي وحزني إلى اللّه.
_________________
1- رواه البزار والطبراني من حديث عبد الرحمن بن عوف قال: بعثت ابنة لرسول اللّه (صلى الله عليه وآله) إن ابنتي مغلوبة فقال للرسول: قل لها إن اللّه ما أخذ وله ما أعطى ثم بعثت إليه ثانية فقال لها مثل ذلك، ثم بعثت إليه الثالثة فجاءها في ناس من أصحابه فأخرجت إليه الصبية ونفسها تقعقع (أي تضطرب) في صدرها فرّق عليها فذرفت عيناه ففطن به بعض أصحابه وهم ينظرون إليه حين ذرفت عيناه، فقال «ما لكم تنظرون رحمة اللّه يضعها حيث يشاء إنما يرحم اللّه من عباده الرحماء». راجع مجمع الزوائد ج 9 , ص 18 ما عثرت على لفظ ما نقله المصنف.
2- الكافي : ج 3 , ص 262 وتحف العقول : ص 32.
3- الكافي : ج 3 , ص 115.
4- الكافي : ج 3 , ص 116.
5- الكافي : ج 3 , ص 93.
6- إحياء علوم الدين : ج 4 , ص 123.
الشيخ محمد مهدي النراقي
الفيض الكاشاني
الشيخ شفيق جرادي
الشيخ حسن المصطفوي
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ حسين الخشن
الدكتور محمد حسين علي الصغير
الشيخ محمد مصباح يزدي
عدنان الحاجي
حبيب المعاتيق
فريد عبد الله النمر
حسين حسن آل جامع
عبدالله طاهر المعيبد
ناجي حرابة
أحمد الرويعي
حسين آل سهوان
أسمهان آل تراب
أحمد الماجد
علي النمر
بواعث الغيبة
الصبر في المصائب
ظاهرة العنف: المفهوم والملابسات التاريخيّة
معنى (نخل) في القرآن الكريم
لماذا يذكر الإنفاق مرّة سرًّا ومرة علانيّة في القرآن الكريم؟
معنى الكلام
(كان الغوص مهنة) جديد الكاتب طاهر بن معتوق العامر
استرخاء للحظة يتيح لعقلك عمل شيء رائع
المعرض الفنّيّ التّشكيليّ (روازن) بنسخته الخامسة
ثمرات المودّة والتودّد