الشيخ محمد تقي مصباح يزدي ..
لماذا لا بدّ من صبّ اللعن على أعداء الإمام الحسين عليه السلام؟
وثمّة سؤال آخر يثيره «دعاة تذويب الشخصية الإسلامية بالمفاهيم الغربية» غالباً في هذه الأيام، إذ قد يقال: سلّمنا بأنّ تاريخ الإمام الحسين عليه السلام مؤثِّر ومحرِّك، وعرفنا أنّه لا بدّ من إحيائه بعمق وإقامة العزاء في ذكراه، ولكنّكم تقومون بشيءٍ آخر في مراسم العزاء، فلا تكتفون بالذكر الحسن والثناء العطر للإمام الحسين عليه السلام، والبكاء على ما جرى من أحداث مؤلمة في استشهاده، وإنّما تصبّون اللعنات على أعداء الإمام الحسين عليه السلام، فلماذا هذا الفعل؟
ولماذا هذا اللعن لأعداء الحسين عليه السلام؟
إنّ هذا الفعل يعتبر لوناً من العنف والتشاؤم، إنّها مشاعر سلبية ولا تنسجم مع عقلية «الإنسان المتحضّر»! فعندما تستثار مشاعركم حاولوا أن تشبعوها بالبكاء والعزاء، ولكن لا تتلفّظوا بألفاظ اللعن، ولا تقولوا: «أتقرّب إلى الله بالبراءة من أعدائك»، لماذا ترسلون اللّعن مائة مرة إلى أعداء الإمام الحسين عليه السلام، في زيارة عاشوراء؟
استبدلوا بهذا اللعن السلام على الحسين مائة مرة، لماذا هذه اللعنات التي تسمّم الأجواء وتخلق في الناس رؤية تشاؤمية بالنسبة للآخرين؟
دفع شُبهة قُبح اللّعن
إنّ هذا السؤال لو كان مطروحاً عن جهل فإنّ جوابه سهلٌ يسير، لكنّنا نحتمل بقوة أنّ كثيراً ممّن يتحدّث بهذه الطريقة إنّما يحمل أفكاراً أخرى وتدور في مخيّلته أغراض خاصة، ومن المحتمل جداً أنّه يقتفي أثر سياسات أخرى، أو أنّه ينفذ خططاً قد رسمها آخرون، وعلى كلّ حال فنحن نفترض أنّ هذا السؤال كان بدافع عقليّ وعلميّ، وهو بحاجة إلى جواب علمي.
والجواب العلمي لمثل هذا السؤال هو:
ليس هناك ضررٌ أبلغ وأشدّ على الإنسان من هدم دينه؛ إذ إنّ الأضرار المادية الدنيوية لا أهمية لها عند المؤمن؛ لأنّ الدنيا برمّتها لا قيمة لها عنده، فالعدوّ الحقيقي للإنسان هو من يحاول أن يسرق من الإنسان دينه، والعدوّ الذي لا يدّخر جهداً في أن يسلب من الإنسان سعادته الأبدّية هل يمكن السكوت عنه؟ يقول الله تعالى في القرآن الكريم: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا..﴾ فاطر:6.
فهل يمكن الابتسام للشيطان؟ وهل يمكن الوئام والسلام معه؟ إذا تورّط الإنسان في ذلك فسيصبح شيطاناً مثله.
إذا كان من الضروري المحبة لأولياء الله، فإنّه من الضروري أيضاً العداوة لأعداء الله، هكذا هي فطرة الإنسان، وهذا هو عامل تكامل الإنسان وسعادته، إذا لم تتحقّق «العداوة» مع أعداء الله فإنّ سلوك الإنسان معهم يرقّ تدريجياً وتنشأ الصداقة فيما بينه وبينهم، ونتيجة لمعاشرته لهم سيتأثّر بسلوكهم وسيفتح قلبه وعقله لأقوالهم، ويغدو - شيئاً فشيئاً - شيطاناً مثلهم.
قال تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ..﴾ الأنعام:68، إذا رأيت أناساً يتحدّثون عن الدين بصورة السخرية والاستهزاء وبطريقة مهينة، فلا تقترب إليهم، ولا تُصغِ إلى ما يقولون حتى ينتقلوا إلى موضوع آخر.
وفي آية كريمة أخرى يقول الله تعالى: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً﴾ النساء:140.
فمن يحبّ الذين يستهزئون بالدين ويبتسم في وجوههم، فإنّ كلامهم سيؤثر فيه تدريجياً ويخلق الشكّ في نفسه، وعندئذٍ يُصبح إظهاره للإيمان نفاقاً؛ إذ إنّ النفاق هو أن لا يكون الإيمان في قلب الإنسان ولكنّه في الظاهر يدّعي أنّه مؤمن، فواحدة من النتائج التي تُلحِق المرء بركب المنافقين هو الوئام معهم، وإذا أصبح المرء منافقاً في الدنيا بسبب مجالسته ومعاشرته للكافرين، فإنّه في الآخرة سوف يكون رفيقهم في جهنم: ﴿..إِنَّ اللهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً﴾.
وبعبارة أخرى: إنّ العداوة مع الأعداء هي نظام دفاعي في مقابل الأضرار والمخاطر، فكما أنّ جسم الإنسان مزوّد بعاملٍ يجذب المواد النافعة، فإنّه مزوّدٌ أيضاً بنظامٍ دفاعي يطرد السموم والجراثيم، ويقاومها ويقضي عليها، وهذه هي مهمة الكريات البيض في الدم، أمّا إذا أصيب النظام الدفاعي للبدن بالضعف فإنّ الجراثيم تنمو وتستفحل، ويؤدّي ذلك إلى إصابة الإنسان بالأمراض، ولعلّه بالتالي يواجه الموت.
فلا بدّ من إظهار المحبة للناس الطيبين الذين هم منشأٌ للكمال، ولهم تأثيرٌ ضخم في تقدّم المجتمع وازدهاره.
وفي المقابل لا بدّ من إظهار العداوة عملياً لمن يلحقون الضرر بمصير المجتمع، قال الله تعالى في القرآن الكريم: ﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ..﴾ الممتحنة:4.
ونحن، إذ نعلن العداوة والبغضاء للشيطان الأكبر وأعداء الإسلام، فهذا إنّما هو تأسٍّ بإبراهيم عليه السلام، فقد أمرنا القرآن الكريم بالتأسّي بإبراهيم عليه السلام، بعداوتنا لأعداء الدين، فالإنسان العاقل لا يوزّع الابتسامات في كلّ آنٍ ومكانٍ، بل لا بدّ له أن يعبس في وجوه البعض، ويقولها صريحةً له: أنا عدوّك وليس بيني وبينك سلام، إلّا إذا كففتَ عن خيانتك، هذا هو أمر القرآن.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ فروع الدين عشرة، فبعد «الأمر بالمعروف» و«النهي عن المنكر» يعدّ من فروع الدين أيضاً: «التولّي» و«التبرّي»، أي من جملة الواجبات التي لا بدّ أن يهتم بها جميع المسلمين ويعملوا بمضمونها هو أن نحبّ أولياء الله وأن نعادي أعداء الله أيضاً. ولا يكفي محبة أولياء الله، فإذا لم تكن العداوة لأعداء الله فإنّ المحبة للأولياء سوف تزول وتضمحلّ، فلو انعدم النظام الدفاعي للبدن فإنّ نظام الجذب سوف يتعطّل أيضاً.
والشيء المهم هو أن نعرف بدقة مجالات الجذب والطرد، فقد تختلط الأمور في كثيرٍ من الأحيان، إذ في المورد الذي لا بدّ أن نقوم فيه بالجذب، فإنّنا قد نخطئ ونستخدم الطرد، فمثلاً لا ينبغي معاداة الشخص الذي أخطأ في القول عن جهل، وزلّت قدمه ثمّ ندم واعترف بخطئه عند بيانه له، إنّ مثل هذا الشخص لا ينبغي معاداته ولا ينبغي طرده من المجتمع، بل لا بدّ من التصدّي لإصلاحه، فهو مريضٌ لا بدّ من معالجته، وفي مثل هذا المورد لا يتم اللجوء إلى العداوة، نعم إذا كان الشخص متعمّداً، ويشيع المعصية في المجتمع بشكل علني، إنّ هذه خيانة لا بدّ من التصدي لها وإعلان العداوة لصاحبها، أمّا إذا ارتكب الشخص الذنب خطأ فلا بدّ من التعامل معه برفق ومودّة، ولا يجوز هتك حرمته وإسقاط شخصيته، بل لا بدّ من السعي لإصلاحه، لأنّه يعاني من مشكلة ويجب حلّ مشكلته.
أمّا أعداء الدين، فيجب علينا أن نتعامل معهم بكلّ غضب وعنف، وأن نعبس في وجوههم.
وخلاصة كلامنا هو: إنّ إحياء ذكرى سيّد الشهداء هي إعادة لصياغة الحياة الحسينية، وذلك لننتفع بتلك الحياة الكريمة على أحسن نحو، ولا ينبغي الاكتفاء بالدراسات العلمية، لأنّ الإنسان بحاجة إلى استثارة عواطفه ومشاعره، ولا ينبغي الاقتصار أيضاً على العواطف الإيجابية كالفرح والسرور والضحك والابتسام، وذلك لأنّ إحياء ذكرى سيّد الشهداء عليه السلام ومظلوميته لا يتيسّر إلّا عن طريق مشاعر الحماس والحزن والبكاء والحداد.
ومع إرسالنا لآلاف التحية والسلام للإمام الحسين عليه السلام، ولتراب قبره الطاهر، فإنّنا نرسل آلاف اللعن لأعداء الحسين عليه السلام؛ أعداء الله والإسلام، والسلام وحده لا يحلّ المشكلة، لأنّنا لا نستطيع أن ننتفع من بركات الحسين عليه السلام، إلّا إذا قمنا باللعن أولاً لأعدائه، ثمّ نرسل إليه التحية والسلام. والقرآن يذكر - أولاً - في صفات المؤمنين من أصحاب الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم: ﴿أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ﴾ الفتح:29، ثمّ يقول: ﴿رُحَمَاء بَيْنَهُمْ﴾، فلا بدّ من وجود اللعن إلى جانب السلام، ولا بدّ من إظهار التبرّي والعداوة لأعداء الإسلام إلى جانب التولّي لأولياء الله، إذا كنّا بهذه الصورة فنحن حسينيون، وإلّا فإنّه لا ينبغي أن نلصق أنفسنا بالحسين عليه السلام من دون استحقاق.
الشيخ عبدالهادي الفضلي
السيد محمد باقر الصدر
الأستاذ عبد الوهاب حسين
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
محمود حيدر
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
الشيخ عبدالكريم الحبيل: القلب السليم في القرآن الكريم (4)
مقدّمات البحث
تأبين الشّيخ الحبيل للكاتب الشّيخ عباس البريهي
حاجتنا إلى النظام الإسلامي خاصّة
القرآن يأسر القلب والعقل
الشيخ عبدالكريم الحبيل: القلب السليم في القرآن الكريم (3)
تقييم العلمانية في العالم الإسلامي
ضرورة الإمامة
دلالة آية «وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ»
العلاقة الجدلية بين التدين والفهم