مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد مصباح يزدي
عن الكاتب :
فيلسوف إسلامي شيعي، ولد في مدينة يزد في إيران عام 1935 م، كان عضو مجلس خبراء القيادة، وهو مؤسس مؤسسة الإمام الخميني للتعليم والبحث العلمي، له مؤلفات و كتب عدیدة فی الفلسفة الإسلامیة والإلهیات والأخلاق والعقیدة الإسلامیة، توفي في الأول من شهر يناير عام 2021 م.

ادّعاء محبّة أهل البيت عليهم السلام

 

الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي
عندما نطّلع على الروايات التي تتحدّث عن أهمّية محبّة أهل البيت (عليهم السلام) ونشعر بالحبّ تجاههم، فإنّ الشيطان يبعث في أنفسنا الغفلة والغرور حتّى نتصوّر أنّنا بلغنا مرامنا، وأنّه ما دمنا نحبّ الإمام الحسين (عليه السلام) فلنفعل ما يحلو لنا! فإنّ الحسين سيشفع لنا وتصبح أفعالنا مقبولة.
وقد اهتمّ أهل البيت (صلوات الله عليهم أجمعين) أنفسهم بهذه القضيّة وحذّروا أصحابهم من الابتلاء بهذه الغفلة.
إذ يروي المرحوم الشيخ الطوسيّ حديثاً عن الإمام الباقر (سلام الله عليه) يخاطب فيه جابر الجعفيّ قائلاً: "يا جابر! بلّغ شيعتي عنّي السلام، وأَعلِمهم أنّه لا قرابة بيننا وبين الله عزّ وجلّ، ولا يُتقرَّب إليه إلاّ بالطاعة له. يا جابر! مَن أطاع الله وأحبّنا فهو وليّنا، ومن عصى الله لم ينفعه حبّنا".


وقد روي عنه (عليه السلام) أيضاً: "والله ما معنا من الله براءة، ولا بيننا وبين الله قرابة، ولا لنا على الله حجّة".
أي: ما لنا حجّة تُكره الله على قبول قولنا؛ إذ أنّه {فلِلّٰهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ} وليس لأيّ أحد على الله حجّة.
ثمّ يقول (عليه السلام): "ولا نتقرّب إلى الله إلاّ بالطاعة فمَن كان منكم مطيعاً لله تنفعه وَلايتنا ومَن كان منكم عاصياً لله لم تنفعه ولايتنا، وَيْحَكم لا تَغترّوا، وَيْحَكم لا تغترّوا".
أي لا تخدعوا أنفسكم، فسبيل السعادة هو العبوديّة لله، وإنّ محبّتنا إنّما تنفعكم إذا سرتم في هذا الطريق، لكنّها لا تحلّ محلّها...
كما وجاء في أصول الكافي عن أبي جعفر الباقر (سلام الله عليه) أيضاً: "أيكتفي مَن انتحل التشيّع أن يقول بحبّنا أهل البيت؟!" وهل يستقيم أمره بمجرّد ذلك؟! 
ثمّ يقول (عليه السلام): "فلو قال: إنّي أُحبّ رسول الله، فرسولُ الله (صلّى الله عليه وآله) خير من عليّ (عليه السلام)"



فلو كان الأمر بالقول والحبّ، فليقلّ إنّي أحبّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فهو أفضل من عليّ (عليه السلام). أي: لو كان مجرّد القول والحبّ نافعاً فليقل: إنّي أحبّ محمّداً (صلّى الله عليه وآله) عوضاً عن قوله: إنّي أحبّ عليّاً (عليه السلام).
فمجرّد هذه الادّعاءات لا تجدي نفعاً، إذ أنّه (يتابع عليه السلام): "ليس بين الله وبين أحد قرابة".
وإنّ سبيل المدّعِي لحبّنا ليست هي سبيل المعصية. وحتّى لو ارتكب الخطيئة وزلّت قدمه فعليه أن يتوب من فوره ويهرع إلى التوسّل، ويستحي منّا بأنّه كيف يكون من شيعتنا ثمّ يأتي بهذه الفعلة، وذلك كي يتدارك أمره بسرعة.
فلابدّ أن يكون للمحبّة عمق. فإن أحببنا رسول الله وأهل بيته (صلوات الله عليهم أجمعين) فمن منطلق أنّهم محبوبون عند الله. فيتعيّن أن تكون هذه المحبّة فرعاً لمحبّة الله كي يتحقّق منها الأثر الذي نصبو إليه.  ومن هنا يتحتّم أن نعيش دوماً حالة التأرجح بين الخوف والرجاء وأن لا نتصور بأنّ المحبّة في قولهم: إنّ محبّة أهل البيت (عليهم السلام) تحلّ كلّ معضلة، هي من ذلك النمط الدنيويّ! فهذا ضرب آخر من المحبّة عبّر عنه أئمّتنا (عليهم السلام) بما مضمونه أنّ: مَن أحبّنا لم يخالفنا.
بالطبع لا ينبغي أيضاً أن ندع اليأس يتسلّل إلى أنفسنا بأنّه ما دمنا من أهل المعاصي فإنّه ليس ثمّة سبيل للنجاة. فقد كان هناك ممّن أمضوا سنين طويلة من أعمارهم غارقين في المعاصي ومقترفين لأفظع الذنوب، لكنّ حبّ أهل البيت (عليهم السلام) كان مستقرّاً في أعماق قلوبهم، حتّى برز في نهاية المطاف فأصلح أمرهم في لحظة الامتحان والاختبار...

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد