نمر على مشهد المعصومة، فاطمة بنت موسى بن جعفر عليهما السلام، فتتداعى في نفوسنا حزمة من المعاني، والصور التاريخية.. امرأة من نساء أهل البيت عليهم السلام، في عز شبابها تقضي في بلدة بعيدة عن مسكنها وأهلها، وبحسب المنطق العادي، فإن الزمان لا يبقي لها اسماً ولا رسماً، لكنها تتحول إلى مجتمع! ويصبح قبرها مركزاً لأمة.. ومنبعثاً لحضارة علمية عظيمة!!
بينما ذهب المأمون وهو الحاكم، وتبعه العباسيون واحداً وراء الآخر، ولم يبق منهم ـ في الكتب ـ إلا عظة الزمان، وحكمة الأديان: أن ما لله يبقى وما لغيره يفنى!
بين سنة 173 هـ و183 هـ وهو تاريخ شهادة أبيها الكاظم عليه السلام، اختلفت روايات المؤرخين في سنة ولادتها، ولا يترتب على الخلاف الذي لا طريق إلى تأكيد أحد التأريخين فيه إلا بعض الملاحظات التي تقرب أو تبعد من دون أن تكون دليلاً قاطعاً، مثل أن الإمام الكاظم عليه السلام بقي في سنواته الأخيرة مسجونًا، ولا يمكن ـ لو كان مسجونًا طول السنة ـ بحسب العادة أن تكون ولادة ابنته في نفس تلك السنة . إلا أن يقال أن سجنه لم يكن مستمرًّا طول السنة تلك..
بينما يترتب على القول الثاني وهو أن ولادتها كانت في سنة 173 هـ أي قبل ذلك بعشر سنوات، أن لا يبتلى بمحذور كون أبيها في السجن، فهو وإن سجن لعدة سنوات إلا أنها لم تكن متتابعة قطعًا، ولم يؤخذ إلى بغداد إلا في أواخر حياته عليه السلام.. وتكون بناء على هذا القول تحت رعاية أبيها مدة عشر سنوات وهي فترة كافية لأمثالها لأخذ العلم على يديه....
وعلى التّقديرين فإنّ من المؤكد أن جُلّ تربيتها كانت على يد أخيها علي الرضا عليه السلام ومن هنا نفهم سر العلاقة الخاصة التي كانت بينها وبينه، ومقدار حبه لها، واحترامها له. ولهذا فقد كان أول ما عمله الإمام الرضا عليه السلام حين أجبر على قبول ولاية العهد أن يستقدم أخته إلى جانبه، بل ومعها عدداً من أخوته وخلص أصحابه..
ولعل من المناسب الاشارة هنا إلى العلاقة غير الصافية التي كانت بين المأمون العباسي وبين الإمام الرضا عليه السلام والتي يكشفها جمع المأمون لأصحاب المقالات وأرباب المذاهب لغرض الانتصار على الإمام، فقد نقلوا أن المأمون قد استجمع هؤلاء وأرسل إلى الإمام عليه السلام: إنه اجتمع إلي أصحاب المقالات وأهل الأديان والمتكلمون من جميع الملل فرأيك في البكور علينا إن أحببت كلامهم وإن كرهت ذلك فلا تتجشم وإن أحببت أن نصير إليك خف ذلك علينا فقال أبو الحسن عليه السلام أبلغه السلام وقل له قد علمت ما أردت وأنا صائر إليك بكرة إن شاء الله قال الحسن بن محمد النوفلي فلما مضى ياسر التفت إلينا ثم قال لي: يا نوفلي أنت عراقي ورِقة العراقي غير غليظة فما عندك في جمع ابن عمك علينا أهل الشرك وأصحاب المقالات؟
فقلت جعلت فداك: يريد الامتحان ويحب أن يعرف ما عندك ولقد بنى على أساس غير وثيق البنيان وبئس والله ما بنى! فقال لي: وما بناؤه في هذا الباب؟
قلت: إن أصحاب الكلام والبدع خلاف العلماء وذلك أن العالم لا ينكر غير المنكر وأصحاب المقالات والمتكلمون وأهل الشرك أصحاب إنكار ومباهتة إن احتججت عليهم بأن الله واحد قالوا صحح وحدانيته وإن قلت إن محمداً رسول الله قالوا أثبت رسالته ثم يباهتون الرجل وهو يبطل عليهم بحجته ويغالطونه حتى يترك قوله فاحذرهم جعلت فداك!
فتبسم عليه السلام ثم قال: يا نوفلي أفتخاف أن يقطعوني على حجتي! قلت لا والله ما خفت عليك قط وإني لأرجو أن يظفرك الله بهم إن شاء الله! فقال لي يا نوفلي أتحب أن تعلم متى يندم المأمون؟ قلت: نعم. قال: إذا سمع احتجاجي على أهل التوراة بتوراتهم وعلى أهل الإنجيل بإنجيلهم وعلى أهل الزبور بزبورهم وعلى الصابئين بعبرانيتهم وعلى الهرابذة بفارسيتهم وعلى أهل الروم بروميتهم وعلى أصحاب المقالات بلغاتهم، فإذا قطعت كل صنف ودحضت حجته وترك مقالته ورجع إلى قولي علم المأمون أن الموضع الذي هو بسبيله ليس بمستحق له، فعند ذلك تكون الندامة منه ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.. الى آخر ما ذكره في البحار والعيون من تفاصيل المناظرة وكيف ندم فيها المأمون في آخر الأمر لما ظهر من فضل الإمام عليه السلام..
ويذكر تاريخ أهل البيت صوراً مختلفة عن العلاقة غير المستقرة بين الإمام وبين المأمون. في هذه الظروف أرسل الإمام الرضا عليه السلام خلف أخته فاطمة لتأتي إليه في طوس، وخرجت مع عدد من أخوانها وأبنائهم وغلمانهم قاصدين الوصول إلى خراسان، وهنا يذكر المؤرخون أنها مرضت وسألت عن مقدار المسافة بينها وبين بلدة قم ـ التي يبدو أنها كانت على موعد معها فقد نقل عن الإمام الصادق عليه السلام أنه تحدث عنها وأنه ستدفن فيها امرأة من أولادي تسمى فاطمة بنت موسى..كما نقله في البحار.. فأخبرت أن المسافة ليست بالكثيرة فأمرت بأن تحمل إليها وهناك قضت نحبها.
بينما ذكر بعض المؤرخين أنهم لما وصلوا إلى بلدة ساوة، تمت مهاجمتهم من قبل أهلها والفئة المتنفذة فيها وكانوا مشهورين بالعداوة لأهل البيت عليهم السلام، وحوصرت القافلة التي كانت فيها فاطمة المعصومة، فقتل منهم جمع وشرد الباقون حتى أن أخا الإمام الرضا وأخاها هارون قد هاجموه وهو يتناول الطعام فقتلوه.
وإذا كان الثاني صحيحاً وهو لا تأباه الظروف التي كانت سائدة آنئذ، فقد نقل أيضاً أن عدداً آخر من إخوة الرضا وبني عمومته خاضوا معركة حامية الوطيس مع جنود المأمون العباسي في منطقة شيراز. وسواء كان هذا أو ذاك فإنها لم تبق إلا أيامًا معدودة حتى فارقت الدنيا.
المشاهد والمراكز العلمية:
كان من سنة الحياة أن يحيا ذكر فاطمة بنت موسى بن جعفر، وأن يعمر ما حولها، وإن لم تنفق في سبيل ذلك شيئاً، وأن يهلك ذكر أهل الدنيا والمال والقوة، فتحول ذلك القبر إلى مهوى للأفئدة، ومجتمعًا لرجال العلم وطالبي الفضل، ورواد المعرفة.
وها أنت ترى وضع مدينة قم المقدسة التي مالت إليها فاطمة، عندما وصلت إلى بلدة ساوة، واستقبلها حينئذ أشعريو قم، الثائرون العرب اليمانيون المعارضون للنظام الأموي والمهاجرون إلى قم منذ ذلك الوقت. فقد تحولت إلى أحد أهم الحواضر العلمية في العالم الإسلامي اليوم، وأصبح قبرها ومشهدها موطنًا للعلماء، وقبلة للمتعلمين والدارسين.
وهذا ينبهنا على الدور الذي تقوم به مشاهد المعصومين وأبنائهم الصالحين من دور في الأمة فهذه الصفوة حياتها خير وهداية، وبعد مماتها يتحول مدفنها إلى واحة يتفيؤ ظلالها أهل الصلاح والعلم والفضيلة، وإذا كان أهل الدنيا يتحلقون حول المال ومراكز الشهوة، فإن أهل الآخرة، وحملة العلم يجدون في هذه المراقد (جنات عدن التي وعد المتقون أكلها دائم وظلها).. ولقد كانت تلك الأضرحة وما حولها (جامعة) لما تفرق من العلم، و(حوزة) لما انفرط من عقده.
الغريب أننا في هذا الزمان، نجد اللاهثين وراء أهل الثروة و(القصور) والذين لا يخرجون في أمرهم عن (القصور) بل التقصير والمستأكلين من أموال أهل الدنيا، تراهم ـ ويا لسخرية القدر ـ يعيبون أهل القبور والمتحلقين حول الأضرحة والمشاهد، يستلهمون منها قيم الخير والفضيلة وذكرى الآخرة والقيامة!! وسلام الله على الرسول الذي قال (كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفاً).. أرأيت كيف يعيب أهل الدنيا والعابدون للقوة والسلطة أهلَ الإيمان والمتعظين بالقبور والمقابر، ومستمطري الرحمات على القدوات الصالحات..
يعاب شيعة أهل البيت بأنهم (قبوريون)! شنشنة نعرفها من أخزم.. أترى (القصوريين) الذين تخذوا الدين تجارة كيف يعيبون شيعة أهل البيت بما هو فخرهم.. سلام على المعصومة بنت موسى بن جعفر، و(يا فاطمة اشفعي لي في الجنة فإن لك عند الله شأناً من الشأن).
حيدر حب الله
السيد عباس نور الدين
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
عدنان الحاجي
الشهيد مرتضى مطهري
الدكتور محمد حسين علي الصغير
الشيخ حسين الخشن
السيد جعفر مرتضى
حسين حسن آل جامع
عبدالله طاهر المعيبد
رائد أنيس الجشي
ناجي حرابة
الشيخ علي الجشي
السيد رضا الهندي
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
جاسم الصحيح
حبيب المعاتيق
هل للأفعال أثر رجعي على الإنسان؟ وكيف؟
سرّ السّعادة في تحديد الأولويّات
من خصوصيّات السيّدة المعصومة عليها السّلام
أمسية سرديّة لعرش البيان بعنوان: مقوّمات القصّة القصيرة، تجربة الدكتور حسن الشيخ أنموذجًا
المرقد الفاطمي
السيدة المعصومة (ع) في رحاب العلم والمعرفة
من عشق المستجدين
السّيّدة المعصومة: مجمع أنوار العصمة
(كتاب فَكِّرْ) المعروف بـ (توحيد المفضّل)
كيف أكون محبًّا لله؟