الموسم العاشورائي 1446 هـ

الشيخ فوزي آل سيف: هكذا يتحرك الشيطان

الليلة السادسة من محرم 1446 هـ
الشيخ فوزي آل سيف
هكذا يتحرك الشيطان
مسجد الخضر (ع) بالربيعية

 

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الله العظيم في كتابه الكريم:

بسم الله الرحمن الرحيم ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ [البقرة: 208]

صدق الله العلي العظيم

حديثنا بإذن الله تعالى سيكون بعنوان "كيف يتحرك الشيطان". عدو هو أسوأ الأعداء، وهو الذي يقف على مسارب نَفَس الإنسان وحركات بدنه، ولا يتركه إلا من عصم الله إلى آخر حياته. وقد أخذ على نفسه قسماً أن يضل عباد الله، وهو مصمم على هذه القضية ومجند لها، ويستهدفني بشكل دائم طول الأربع والعشرين ساعة، التي يعيشها الإنسان يوميًّا على مدى حياته.

من المناسب للإنسان أن يعرف هذا العدو، وأن يعرف خطواته ومؤامراته ومكائده، ولا يستطيع أن يتغافل عنه، فإنك لو تركت التفكير في الشيطان والاستعاذة منه والحذر من سبيله، فهو لن يتركك، هو وراءك. القرآن الكريم حذر كثيراً من الشيطان، وعرف به وعرف بطرقه وأساليبه، لكي يستطيع الإنسان أن يعيش حياته في رحاب طاعة الرحمن. لأن هناك ثنائية: إما رحمن وإما شيطان.

مولانا الحسين عليه السلام يشير إلى الجيش الأموي الذي اقترب لقتله فيقول: "ألا وإن هؤلاء قد تركوا طاعة الرحمن ولزموا طاعة الشيطان"، بل أكثر من هذا، عبّر عنهم بأنهم "نفثة الشيطان". وهذا تعبير أكبر، فسحقاً لكم يا عبيد الأمة ونبذة الكتاب وعصبة الإثم ونفثة الشيطان، أنتم هبة شيطان، هكذا أنتم،إنتاج من نتاج الشيطان، جيش طويل عريض، ولكنه نفثة شيطان، وحركة شيطان على خلاف طاعة الرحمن.

 

لذلك يحتاج الإنسان أولاً إلى أن يستعيذ بالله من الشيطان دائمًا: "فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم"، إذا بدأت يومك، استعذ بالله من الشيطان الرجيم، إذا صرت في حالة غضب، استعذ بالله من الشيطان الرجيم، إذا أردت أن تتّخذ قرارًا، استعذ بالله من الشيطان الرجيم، إذا هممت بأمر أنت متردد فيه، فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم. لأن الشيطان في مثل هذه المفاصل يأتي ليدخل بينك وبين قرارك، بينك وبين تصميمك، بينك وبين كلمة الغضب التي يحميها ويؤججها غالباً، وهي التي قد تحرق بيوتاً وتهدم أسرًا إلى غير ذلك.

ما أصل الشيطان؟ يقولون: شطن في اللغة العربية، يدل على البعد والاعوجاج، ومنه جاء اسم الشيطان. على وزن بيطار وقيدار وما شابه ذلك، والآبار عندما ينزلون فيها الحبل، كلما تكون عميقة جدًّا وفيها ميلان، يقال شطنت البئر. من هنا أُخذ الاسم الذي يدل على الابتعاد والانحراف والالتواء وعدم الاستقامة للشيطان المعهود، الذي هو أيضاً بعيد عن الله عز وجل، وهو من معوج الطريق والمسيرة والفكرة.

الشيطان قد يكون في القرآن الكريم تعبيراً عن إبليس كما يقولون عن الواحد الشخصي، إبليس صاحب آدم وحواء، هناك شخص واحد معين هو صاحب القصة، وقد عُبر عنه مرة بإبليس ومرة بالشيطان. وقد يكون تعبيرًا عن حالة كلية، سواء هذا إبليس، أو من يتبعه من الأبالسة، ومن يكون من جنده، هؤلاء كلهم شياطين ضمن هذه الفئة المنحرفة والبعيدة عن رضوان الله، والمعوجة في طريقها.

الآية المباركة تأمر الذين آمنوا بأن يدخلوا في السلم كافة، وأن لا يتبعوا خطوات الشيطان، لماذا؟ لإنه لكم عدو مبين. ادخلوا في السلم كافة، يعني في التسليم لمحمد وآل محمد.

فمن أوليات اعتقاد الإنسان المسلم أن يطيع رسول الله، ليس من وراء خشمه، وإنما يسلّم تسليمًا. في آية الصلاة: "يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا"، المعنى الشائع هو سلّموا عليه، المعنى الوارد عن المعصومين سلّموا له، يعني أن لا تجد في نفسك مما أمر رسول الله حرجاً. فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم، لا يجدون في أنفسهم حرجًا مما قضيت ويسلمون تسليمًا، أن يخالج النفس أشياء مثل: لماذا فعل الرسول كذا؟ لماذا لم يفعل كذا؟ لماذا جاء الشرع الإسلامي بهذه الطريقة؟ لماذا أوجب هذا ولم يوجب ذاك؟ لماذا هذا حرام وذاك حلال؟ قل أنتم أعلم أم الله؟ من هو الأعلم بالبشر؟ خالقهم، فإن اعترضت على أمر رسول الله الذي هو أمر الله عز وجل، فهذا يحكي عدم التسليم.

 

وتلحق الولاية عند الإمامية بالتسليم، لذلك ورد في الروايات في تفسير هذه الآية المباركة: "ادخلوا في السلم كافة"، قال هي ولايتنا، لا أن يكون الإنسان كذاك الذي سأل في واقعة الغدير: "سأل سائل بعذاب واقع"، قال إن كان هذا هو الحق من عندك فأنزل علينا حجارة من السماء، أنت يا محمد جئت وأمرتنا ونهيتنا وأطعناك، ما كفاك هذا، جئت بابن عمك حتى تجعله أميراً علينا وهو لا يزال شابًّا! من عندك أم من عند الله؟ ومع ذلك لم يسلم هذا القائل. فادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان، سنبين بعض المعاني عن هذه الخطوات، لماذا؟ إنه لكم عدو مبين.

تأكيد القرآن الكريم على عداوة الشيطان لابن آدم وللذين آمنوا على وجه الخصوص هو كثير جداً. هناك آية عجيبة: "إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً"، يعني ماذا؟ فاتخذوه عدواً؟ أحياناً الإنسان قد يدري أن هذا مثلاً مضرّ به، عنده سكري، ولكنه عندما يأتي بالبقلاوة الطيبة، يصعب عليه أن يعلم أنها تضره، لكنه لا يتخذها عدواً، يعلم أنها لا تنفع، لكنه مع ذلك يأكل منها. القرآن يقول هذا عدو فاتخذه عدواً، يعني رتب موقفك معه على أنه عدو لك، لا تتعامل معه على أساس أنه شيء لا بأس به، لا، اتخذه عدواً. فالإنسان يجب أن يكون محتاطًا دائمًا تجاه العدو، يدافع عن نفسه دائمًا، ولا يرافقه أو يذهب معه، لذلك فاتخذوه عدواً.

 لماذا قال: "خطوات الشيطان"؟ لماذا لم يقل مثلاً لا تتبعوا الشيطان؟ خطوات الشيطان وردت متعددة في القرآن الكريم وفي جهات متعددة: لا تتبعوا خطوات الشيطان. لماذا لا تتبع الشيطان نفسه؟ النواهي عن اتباع الشيطان نفسه هي نهي عن هذا العدو، النواهي عن خطوات الشيطان تريد أن تشير إلى أن للشيطان أساليب وطرقاً، وعلى المرء أن تتعرف عليها حتى يبتعد عنها. يمكن لأحد أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم مرات كثيرة، لكنه يمشي على خطواته، هذا لا يفيده، فهو في بوتقة الشيطان من دون أن يشعر، يمشي وراءه خطوة بخطوة، رجله على رجله كما سيتبين بعد قليل.

 

فهذه الآيات التي تشير إلى موضوع خطوات الشيطان فيها إشارة من طرف إلى أن للشيطان أساليب وخطوات وطرقاً، هذه ينبغي أن تتعرف عليها حتى لا تقع فيها من دون أن تشعر. دعونا نأتي ببعض هذه الخطوات والطرق والوسائل.

أولاً، تشير الخطوات إلى ناحية التدرج. أنت تريد أن تقطع مسافة ما، لا يمكنك أن تقفز وتصل إلى تلك المسافة، وإنما تخطو خطوة خطوة حتى تصل إلى هناك. على بعد كيلومتر أو على بعد 1000 متر، المهم لابد أن تخطو خطوات، ما لم تخطو الخطوة الأولى والثانية والثالثة والرابعة، لا تصل إلى هناك. نادرًا أن تأتي إن لم يكن مستحيلاً، أن تصل بقفزة واحدة إلى غرضك.

الشيطان لعنه الله عليه صبور، لا يريدك مرة واحدة، لأنه يدري أن هذا يمكن مرة واحدة، فأنت إنسان متدين، مؤمن، مصلٍّ، صائم، لا يقول لك اترك كل هذه الأشياء مرة واحدة، لكنه هو خبيث وذكي ،ويمشي معك خطوة خطوة. يمشي الشيطان مع هذا الإنسان خطوة خطوة، شهرًا، سنة، سنتين، أربع سنوات، ليس هناك مشكلة. بحسب ما عند هذا الإنسان من قوة في الاعتصام بحبل الله عز وجل وفي صيانة إيمانه، بعض الناس لا يحتاجون إلى فترة طويلة، بالواتساب، حسب التعبير، وجه له رسالة، وضمّه إلى مجموعته وانتهى منه، وبعض الناس  كلّما حاول معها يفشل.

تنقل قصة لا أعلم مدى صحتها ولكن هي معبرة: أحدهم رأى الشيطان إبليس وقد حمل على كتفه حبالاً ضخمة مثل تلك التي يجرون بها السفن، فقال له: من أين جئت؟ ما عندك في هذه الأشياء؟ قال: أنا من البارحة إلى الآن أحاول إغواء الشيخ الأنصاري رحةه الله عليه. زوجته في وضع حمل وتحتاج إلى شيء من التمر، فأقول له: هذه امرأة حامل وكذا وكذا، عندك حقوق شرعية، خذها. وهو كان لا يرى أن هذا من المصارف الشرعية في هذا المورد، إما لأنه استوفى حقه أو غير ذلك، هو أعلم بتكليفه، فلم يأخذ. يقول: مددت له حبلًا صغيرًا قطعه، مددت له حبلًا ضخمًا قطعه، وهكذا، فكلّ هذه تقطعت، وإلى الفجر وأنا أحاول معه في أن أغويه وهو لا يستجيب لي، والآن جئت تعبًا، ولم أقدر عليه. قال له: حسنًا، فكيف تحاول معي أنا؟ هل تمدّ لي حبالاً؟ قال: لا، أنت تأتي بإشارة من بعيد.

 

هناك قسم من الناس هكذا، وهناك قسم من الناس يقاومون ويواجهون الشيطان بمعرفته أولاً، يعرفون هذا الشيطان ويتخذونه عدواً، ثم يعرفون أن هذه من خطوات الشيطان. فإذا رأيت نفسك في يوم من الأيام، وقد صعب عليك أن تقوم لصلاة الصّبح، خصوصاً إذا كنت سهرت الليل، ولم تنم منه إلا قليلاً، ولم تقم لأدائها، لأن الشيطان يقول لك اتركها هذه المرّة، نم قليلاً، ستستيقظ بعد قليل، ثم فاتتك الصّلاة، فهذه واحدة من خطوات الشيطان، وهكذا في اليوم التّالي والذي بعده، يأتيك بالتّدرّج بأعذار مختلفة، إلا أن يصبح القيام لأداء الصّلاة أمرًا نادرًا أو استثناء.

فإذا استطاع عليه بصلاة الصبحِ بهذه الطريقة، أتاه إلى صلاة الظهر، يقول له إن هناك متّسعًا من الوقت، وهكذا يفقد الإنسان بالتّدريج حساسية المخالفة.

بعضهم يقول إنّ الذين يعيشون في أماكن فيها خطورة مثل الصحاري، يحقنون أنفسهم بسموم الأفاعي والعقارب بجرعات بسيطة. أول يوم مقدار كذا مليمتر أو مليلتر، في يوم ثان يحقنون بنسبة أكثر، في يوم ثالث أكثر،  إلى أن يأتي يوم، لو تعرض الواحد منهم إلى لدغة أفعى، تموت الأفعى، لأنه صار حصينًا منها،  الشيطان كذلك، يحقنك بسمّه جرعات جرعات، إلى أن يسري السمّ في كانل البدن، فلا يعود يتأثّر بشيءٍ، لا بعذاب ضمير ولا بلوم نفس وهكذا.

لذلك يجب أن يلتفت الإنسان إلى أن خطوات الشيطان هي خطوات متدرجة، وليست فجائية، ولا تأتي دفعة واحدة، وأنت وأنا يجب أن نوقف أول خطوة، نقف في وجهه، لأنه إذا أطعنا في الأولى، أو في الثانية، أو في الثالثة، لا نستطيع بسهول العودة والرّجوع.

 

وإن خطوات الشيطان، ليس بالضرورة أن ينفّذها مباشرة بنفسه، قد يأتي بهئية رجل لطيف، ظريف، وغير ذلك. هو هذا نفسه الشيطان الذي يوحي إليك زخرف القول غروراً، هذا نفسه اللي يعطيك أفكار الشيطان. وإن الشياطين يوحون إلى أوليائهم، أحدهم دوره التشكيك في الدّين بإيحاء الشياطين. بعض النّاس عندهم بث مباشر مع الشيطان، فكل يوم شبهة، وكل يوم تشكيك، وكل يوم قضية. ومن الممكن أن يأتيك حتى بلباس ديني، من الممكن أن يكون وجهه جميلاً مرتباً، ومن الممكن أن يكون فتاة مرتبة لطيفة، ويمكن أن تكون بحجابها، ولكنّ أفكارها من تلك الشياطين.

فقد يغريك أحد ما ويشكّك في دينك وهو من أجمل الأشخاص، هيئته هيئة دينية، لباسه لباس ديني، هيئته هيئة مثقفين، شكله، كلامه، تعبيراته، ما شاء الله، التعبيرات الجميلة اللطيفة التي يمتكها. لكن هي هذه كلمات الشيطان وأفكار الشيطان تجري من لسانه لكي تؤثر بك.

فيجب أن يلتفت الإنسان إلى خطوات الشيطان، وإلى ما قاله الله عنه، هو نفسه قال: "لأغوينهم أجمعين، لأضلنهم"، في آية أخرى: "لآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام"، إلى غير ذلك.

وخطوات الشيطان فيها تزيين، تزيين الشيء القبيح، تعبير عنه بتعابير لا تمجها النفوس. الآن لو أن واحداً قال لامرأة: تعالي نعوذ بالله نقوم بالزنا، تنتفض أمامه، تخاف. لكن إذا جاء أوحد وقال: إن الحياة الإنسانية قائمة على أساس المحبة والحب بين الرجل والمرأة، من ضمن طبيعة البشر، وأنا عندي أيضاً محبة، فلتكن بيننا علاقة حب، وعلاقة الحب أيضاً ستتطور إلى تواصل بالكلام، وهذا التواصل لا يكتفى به، بعد ذلك يقول يجب أن نتعرف إلى بعضنا، نختلي ببعضنا، ثم نتلامس، وإلى آخره، هي خطوات وتزيين للعنوان.

 

حتى أنّ الكفار الآن لا يقولون زنا، لا يقولون لواط، لا يقولون شذوذ، يقولون حركة المثلية والمثليين، ويسمون مظاهرات الشهوات والفضائع والفجائع التي تصل بالإنسان إلى أدنى من مستوى البهائم "مسيرة الفخر"، هذا اسمها الرسمي، تكون في ويوم معين في السنة، إلى آخره. فهي تزيين القبيح، تجعل المنكر معروفاً ولطيفاً وجميلاً. هذا أيضاً من خطوات الشيطان، لذلك يجب تعريف الأشياء بتعريفاتها الصحيحة الطبيعية. أحياناً قد لها بعض العناوين الدينية، مثلاً أنا نذرت أن ما لأذهب لزيارة بيت أختي،  وهذا وارد أيضاً في الروايات، سئل أحد المعصومين عليهم السلام: قال إن امرأة جعلت على نفسها الطلاق والعتاق، وأنها لا تذهب إلى بيت أختها، يعني تطلب الطلاق من زوجها، وأيضاً تعتق كل عبيدها، وأن ذلك حرام عليها أن تذهب إلى بيت أختها. فقال له الإمام عليه السلام: مرها فلتذهب ولتزر أختها، فإن ما فعلته من خطوات الشيطان. هي تعدّ هذا نذرًا واجب الوفاء، بينما هذا في الواقع هو قطيعة رحم، فلو قلت نذرت أن لا أذهب إلى المسجد أو أن لا أصلّي جماعة، هذه من خطوات الشيطان. تغيير العنوان لا يغير أصل المسألة، لكنّ الإنسان أحياناً يغير الاسم ويزينه، فحذار، فحذار من أن ننخدع في شيء بتغيير اسمه وواقعه يكون واقعاً باطلاً وسيئاً. مرة يقال ليس من المهم أن تتحجبي، المهم أن يمتلك الإنسان أخلاقًا عالية، هذا كلام باطل، وتغيير للظاهر والعنوان. المهم أن تتحجب المرأة، والمهم أيضاً أن تحسن أخلاقها. وقد يقال ليس مهمًّا أن تصلي كثيرًا وتضرب، المهم أن لا تحمل أحقاداً، هذا كلام باطل. من المهم جدّاً أن يصلي الإنسان الواجبات، ومن المهم أن يصلي المستحبات وأن يتقرب إلى الله عز وجل، ومن المهم أيضاً أن يقوم بالأمور الأخرى. لا تقل إن هذا ليس مهمًا، والمهم أن يكون قلبك نظيفًا، لا، ذاك مهم وهذا مهم. من الذي يقول أنه حتى يكون قلبك نظيفًا، يجب أن تترك الصلاة، وتترك الصوم المستحب، وتترك كذا وكذا، ليس هناك ارتباط أبداً. لكن هذا من خطوات الشيطان. فحذار من أن يكون من خطوات الشيطان تزيين ما ليس بزينة، الشين لا يكون زيناً، المعصية لا تكون طاعة حتى لو تغير عنوانها وتغيرت الإشارة إليها.

 

من خطوات الشيطان، وهذا قد يبتلى به قسم من الناس، كثرة الشك والوسوسة، سواء في العقائد أو في الأعمال العبادية. نقرأ في دعاء الإمام زين العابدين عليه السلام في الصحيفة السجادية: "فإن الشكوك والظنون لواقح الفتن ومكدرة لصفو المناح والمحن". فالإنسان إذا بدأ بالتشكيك، فهذا من خطوات الشيطان، لأن الشك سينتهي إلى الترك. وهناك فكرة يشير إليها البعض وهي باطلة، يقول: الإنسان المسلم، إنسان عنده منهج عقلي، هذا باطل، ولذلك لابد أن يشك في كل شيء ويقيم البرهان عليه، هذا باطل. أنت أيها الإنسان، يقول لك: يجب أن تستخدم عقلك، كيف تستخدم عقلك؟ أول شيء تشكك في كل شيء، ثم تقيم البرهان والدليل على هذه الأشياء. هذا كلام باطل. اليقين هو المطلوب، ليس الشك. الشك منهج غربي باطل، لا يعترف به الإسلام. إذا صح في الأمور الطبيعية، فلا يصح في الأمور الدينية والاعتقادية. تعال، شكك في الباري سبحانه وتعالى، الله العالم، بعد ذلك تقدر أن تقيم البرهان والدليل عليه أو لا، لا، انطلق من اليقين، وانظر إلى الدليل والبرهان، ستنتهي أيضاً إلى اليقين. سواء كان في أمور العقائد، الشك والوسوسة والشبه والعيش فيها، من خطوات الشيطان. إذا صار عندك شيء من هذا القبيل، فانظر إلى من هو عالم ناصح أمين، اسأله عما يعتريك. جاء أحدهم إلى الإمام الصادق عليه السلام فقال له: يا سيدي، تخطر في بالي أشياء مخيفة. قال: بلى، جاء الشيطان فقال لك: إن الله خلق الأرض وخلقك وخلق السماء، فمن خلق الله؟ فيجيء يشكك بهذه الطريقة حتى أنت تترك الإيمان بالله. فأخذ الإمام عليه السلام يوضح له ما أراد.

أحياناً الشيطان يرى أن عقائدك مركزة وثابتة، ماذا يفعل؟ يأتي إليك من باب الدين حتى يشكك في العبادة. أنت توضأت وضوءً عاديًّا، فيقول لك: أعد الوضوء. تعيد الوضوء الثاني، الكلام نفسه، يقول لك: لم يصل الماء إلى اليد الأخرى؟ تعيده مرة ثانية، وثالثة، إذا استجبت له في المرة الأولى، يعيد الأمر معك في يوم ثانٍ، وثالث، ورابع، وخامس، حتى يأسرك بالشك، بعد ذلك ينتقل إلى الصلاة، أنت لم تكبّر، لم تركع، أعد، فيصل الإنسان إلى درجة يمل الصلاة والعبادة، ويصل الشيطان إلى هدفه. هؤلاء المصابون بمثل هذه الوساوس والعياذ بالله يقولون: حين يحل وقت الصلاة، نعلن حالة استنفار، توجس، ترقب، عدم راحة، نقوم قبل الفجر بنصف ساعة، ويمكن أن تشرق الشمس ولم نصلّ بعد، هذا ما يريده الشيطان، وهذا عبر عنه الإمام الصادق عليه السلام بأن من يفعل ذلك يعبد الشيطان.

 

لذلك قال الفقهاء بناءً على الروايات: لا شك لكثير الشك. قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وعملك ابنه على أنه صحيح. مدة من الزمان، استمر على هذا، حينها يتركك الشيطان. الشيطان جاء إليك من الباب نفسه، يقول لك: أنت متدين، ورأس مالك الصلاة، إذا لم تتوضأ بشكل سليم فأعد وضوءك، وأعده مرة ثانية، وثالثة، ورابعة، وإلى آخره. وهكذا في موضوع الصلاة.

لذلك يحتاج الإنسان إلى أن يكون ذكياً لكي يتعرف على خطوات الشيطان، وأن يترك الشيطان وخطواته، وأن يعتقد باليقين بما يفعله. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجنبنا الشيطان وخطواته وأبالسته وجنده وخطاه ومن يعينه، إن الله على كل شيء قدير.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد