مقالات

وإنّما خلقنا في الدّنيا لنبتلى فيها!

ابن ميثم البحراني (رض)

 

من كتابٍ لأمير المؤمنين (ع) إلى معاوية:

 

"أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ قَدْ جَعَلَ اَلدُّنْيَا لِمَا بَعْدَهَا، وَاِبْتَلَى فِيهَا أَهْلَهَا، لِيَعْلَمَ {أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}، وَلَسْنَا لِلدُّنْيَا خُلِقْنَا، وَلاَ بِالسَّعْيِ فِيهَا أُمِرْنَا، وَإِنَّمَا وُضِعْنَا فِيهَا لِنُبْتَلَي بِهَا، وَقَدِ اِبْتَلاَنِي اللهُ بِكَ، وَاِبْتَلاَكَ بِي، فَجَعَلَ أَحَدَنَا حُجَّةً عَلَى اَلْآخَرِ... فَاتَّقِ اللهَ فِي نَفْسِكَ، وَنَازِعِ اَلشَّيْطَانَ قِيَادَكَ، وَاِصْرِفْ إِلَى اَلْآخِرَةِ وَجْهَكَ، فَهِيَ طَرِيقُنَا وَطَرِيقُكَ"...

 

تنبيهٌ منه (عليه السلام) أنّ الغرض والغاية من وجودنا في دار الدّنيا هو البلاء والامتحان، كالبلاء الذي يقع بين المؤمن والكافر، ليظهر بذلك العمل الأحسن من العامل الأحسن فيتكامل به في الدّنيا والآخرة.

 

ووجه ابتلائه (ع) بمعاوية: عصيانه ومحاربته إيّاه، حتّى لو قصّر في مقاومته، ولم يَقُمْ في وجهه، كان ملوماً، وكان معاوية حجّة الله عليه (يحتجّ الله تعالى به عليه، لو لم يفعل الواجب تجاهه).

 

ووجه ابتلاء معاوية به (عليه السّلام): دعوته له إلى الحقّ، وتحذيره إيّاه من عواقب المعصية، حتّى إذا لم يُجِبْ دَاعِىَ اللهِ، لَحِقَهُ الذمُّ والعقابُ، وكان (ع) هو حجّة الله...

 

ثمّ لمّا نبّه على غاية الدنيا، وجعل اللَّه سبحانه كُلّاً منهما حجّةً على الآخر، ليعلم أيّهم أحسن عملاً، رجع إلى موعظته وتحذيره، فأمره بتقوى اللهِ في نفسه أن يهلكها بعصيانه ومخالفة أمره.

 

وأن يُنازع الشيطان قياده، واستعار لفظ "القياد" للميول الطبيعيّة، ووجه الاستعارة كونها زمام الإنسان إلى المعصية إذا سلَّمها بيد الشيطان وانهمك بها في اللذّات الموبقة، ومنازعته للشيطان مقاومته لنفسه الأمّارة عن طرف الإفراط إلى حاقّ الوسط في الشهوة والغضب.

 

وأن يصرف إلى الآخرة وجهه: أي يولَّي وجهه شطر الآخرة، مطالعاً ما أُعدّ فيها من خيرٍ وشرٍّ وسعادةٍ وشقاوةٍ بعين بصيرته ليعمل بها..

 

وقوله: "فَهِيَ طَرِيقُنَا وَطَرِيقُكَ" تنبيهٌ على وجوب صرف وجهه إلى الآخرة، لكونها طريقُ الإنسان المحتّم مروره به وسلوكه عليه.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد