ينبغي على جميع أفراد البشر أن يتّبعوا هذا القرآن الكريم، كما يلزم عليهم أن يصحّحوا عقائدهم وآراءهم وأخلاقهم وملكاتهم وخواطرهم وأفكارهم وأعمالهم ويقوّموها على أساس القرآن المجيد، فإن فعلوا ذلك كان الفلاح والفوز الأبديّ من نصيبهم.
أورد المرحوم الكليني في «الكافي»، ومحمّد بن مسعود العيّاشي في تفسيره كلّ بسنده عن الإمام الصادق عليه السلام عن أبيه عن آبائه عليهم السلام أنّه قال:
«قالَ رَسُولُ اللهِ صَلّى الله عَلَيه وآلِه: أيُّها النّاسُ! إنَّكُم في دارِ هُدنَة [2]، وأنتُم عَلَى ظَهرِ سَفَرٍ، والسَّيرُ بِكُم سَرِيعٌ، وقَد رَأيتُمُ اللَّيلَ والنَّهارَ والشَّمسَ والقَمَرَ يُبلِيانِ كُلَّ جَدِيدٍ ويُقَرِّبانِ كُلَّ بَعِيدٍ ويَأتِيانِ بِكُلِّ مَوعُودٍ، فَأعِدُّوا الجَهازَ لِبُعدِ المَجازِ.
قالَ: فَقامَ المِقدادُ بنُ الأسوَدِ، فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ! وما دارُ الهُدنَة؟ فَقالَ: دارُ بَلاغٍ وانْقِطاعٍ. فَإذا التَبَسَتْ عَلَيكُمُ الفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيلِ المُظلِمِ فَعَلَيكُم بِالقُرآنِ؛ فَإنَّهُ شافِعٌ مُشَفَّعٌ وماحِلٌ مُصَدَّقٌ. ومَن جَعَلَهُ أمامَهُ قادَهُ إلَى الجَنَّة، ومَن جَعَلَهُ خَلفَهُ ساقَهُ إلَى النّارِ. وهُوَ الدَّلِيلُ يَدُلُّ عَلَى خَيرِ سَبِيلٍ، وهُوَ كِتابٌ فِيهِ تَفصِيلٌ وبَيانٌ وتَحصِيلٌ، وهُوَ الفَصلُ [و] لَيسَ بِالهَزلِ، ولَهُ ظَهرٌ وبَطنٌ، فَظاهِرُهُ حُكمٌ، وباطِنُه عِلمٌ، ظاهِرُهُ أنِيقٌ، [2] وباطِنُهُ عَمِيقٌ، له تخومٌ [3]، وعلى تُخُومِه تخومٌ [لَهُ نُجُومٌ وعَلَى نُجُومِهِ نُجُومٌ]. لا تُحصَى عَجائِبُهُ، ولا تُبلَى غَرائِبُهُ. فِيهِ مَصابِيحُ الهُدَى، ومَنارُ الحِكمَة، ودَلِيلٌ عَلَى المَعرِفَة لِمَن عَرَفَ الصِّفَة.[4] فَليَجلُ جالٍ بَصَرَهُ، وليُبلِغِ الصِّفَة نَظَرَهُ، يَنجُ مِن عَطَبٍ، ويَتَخَلَّص مِن نَشَبٍ؛ فَإنّ التَّفَكُّرَ حَياة قَلبِ البَصِيرِ، كَما يَمشِى المُستَنِيرُ فى الظُّلُماتِ بِالنُّورِ. فَعَلَيكُم بِحُسنِ التَّخَلُّصِ وقِلَّة التَّرَبُّصِ».[5]
والشافع هو المعين والمساعد، ويطلق الشفيع على الزوج؛ لأنّ الزوج هو لأداء عمل معيّن. فالقرآن مساعد ومعين، ولا يمكن للناس أن يصلوا إلى المقصد والغاية النهائيّة من خلال الاعتماد على أفكارهم واستعداداتهم فقط، إلاّ إذا كان القرآن شفيعاً لهم في ذلك، وقاموا بمحاكمة وتقويم جميع مراتب وجودهم في شؤون الدنيا والآخرة على أساس القرآن، واستمدّوا الطاقة من هذا المصباح المنير. إنّ شفاعة القرآن هي مصدر ومنشأ شفاعته في الآخرة وملازمة لها؛ إذ إنّ القرآن الكريم إنّما يشفع للأفراد الذين حافظوا على علاقتهم المعنويّة بالقرآن الكريم، فوضعوا القرآن نصب أعينهم، واتّخذوه قائداً ودليلاً لهم، لا لأولئك الأشخاص الذين جعلوا القرآن وراء ظهورهم واتّبعوا أهواءهم واستبدّوا بآرائهم، تاركين تعاليم القرآن وإرشاداته. ومعه فإن حيث انقطعت علاقة الإنسان بالقرآن الكريم، فلن يكون القرآن شفيعاً لمثل هذا الشخص، بل سيكون عدوّاً ماحلاً له يسعى في ضرره وإفساد أموره، ويضع المشاكل والعقبات له في الدنيا والآخرة، ويجلب له المصائب والنكبات والمصاعب، وحتّى لو جمع أموالاً كثيرة وادخّر ما أراد من حطام الدنيا، إلاّ أنّ حرقة القلب وتشويش الخاطر والخوف الأبديّ ستهدّده دائماً، كمن يحترق في جهنّم قبل أن يدخلها.
إنّ هذه القرآن يصيب بذلك من أعرض عنه وابتعد عن هديه. وهو أمر صدّقه الله سبحانه وتعالى وأمضاه بقوله: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرى فَإِنَّ لَهُ مَعيشَة ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَة أَعْمى، قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنى أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصيراً، قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى}.[6]
وإنّ القرآن يتكفّل بتمام أمور الإنسان (الظاهريّة والباطنيّة، الجسميّة والروحيّة .. في معاشه ومعاده) لذا فإنّ إعراضه عن ذكر الله سيؤدّي إلى اختلال أموره الظاهريّة، كما أنّ بصيرته الباطنيّة ستظلّ مظلمة لا نور فيها، ليحشر يوم القيامة أعمى القلب والبصيرة.
إنّ القرآن دليل وهادٍ لا نظير له يدعو الإنسان إلى أفضل السبل، وبيان يغني الإنسان ويروي عطش روحه وظمأها. وللقرآن حدّ ونهاية، ولكن بمجرّد أن نصل إلى تلك الغاية سنكتشف أنّ هناك نهايات أخرى أمامنا لا يمكن بلوغها مهما سرنا وتقدّمنا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ـ [الهدنة بمعنى السكون والصلح بين المسلمين والكفّار، وكذلك العهد بين أي جيشين متخاصمين]
[2] ـ الأنق: الفَرَحُ والسُّرورُ؛ قَد أنِقَ بِالكسرِ يَأنِقُ الشيءَ: أحَبَّهُ. وأنيق: أي حَسَنٌ مُعجِب. وقولُه: لَه نُجومٌ وعَلَى نُجومِهِ نُجومٌ، أي آياتٌ تَدُلُّ عَلَى أحكامِ اللهِ تهتدي بها، وفِيهِ آياتٌ تَدُلُّ عَلَى هَذِه الآيات وتَوضِيحُها أنّ المُرادَ بِالنُّجومِ الثالِثُ السنة فَإنّ السَّنَة تَوضِيحُ القرآنِ أوِ الأئمّة (عليهم السّلام) العالِمونَ بِالقرآنِ وفي بَعضِ نُسَخِ الحَديثِ وبَعضِ نُسخِ الكِتابِ [لَه تُخومٌ و عَلَى تُخومِهِ تُخومٌ] والتُّخومُ عَلَى ما قيل: جَمعُ تُخم بِمَعنى مُنتَهَى الشّيء.
[3] ـ تخم وتخوم كفتح وفتوح: بمعنى الحدّ والنهاية.
[4] ـ وردت هذه التتمّة في الكافي ولم ترد في تفسير العياشي
[5] ـ ورد هذا الحديث الشريف في مقدّمة تفسير الصافي، ج1، ص 15؛ وفي الكافي، ج 2، ص 598؛ وكذلك في بحار الأنوار، كتاب الروضة، ج 17، ص 40، طبع الكمباني نقلاً عن نوادر الراوندي؛ وفي طبعة الآخوندي، فقد ورد في ج 77 ، ص 134، وص 135.
[6] ـ سورة طه، الآيات، 124 إلى 126 .
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ محمد هادي معرفة
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
الشيخ جعفر السبحاني
الأستاذ عبد الوهاب حسين
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
السيد عباس نور الدين
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
عبد الوهّاب أبو زيد
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
الشّيخ صالح آل إبراهيم: ميثاقنا الزّوجي
اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا
المادة على ضوء الفيزياء
المعرض الفنّيّ التّشكيليّ (أبيض وأسود) بنسخته الثّالثة
القرآن وجاذبيّته العامة
القرآن الكريم وأمراض الوراثة
اعتبار الإسلام لرابطة الفرد والمجتمع
لا يدرك الخير إلّا بالجدّ
الوصول إلى حالة الانغماس وقياس مستواها
هل يمكن إثبات المعجزة علميًّا؟ (2)