من التاريخ

أسد الله وأسد رسوله

 

في أُحُد
قال ابن الأثير في حوادث السنة الثالثة من الهجرة: «عندما خرج رسول الله صلّى الله عليه و[آله] إلى أُحد كان حمزة بن عبد المطلب متقدّماً بين يديه. وقاتل مقاتلة الأبطال، وأبلى بلاء حسناً».
وقال: «وأمعن في الناس حمزة بن عبد المطّلب، وعليّ بن أبي طالب، وأبو دجانة سماك بن خرشة»، في رجال من المجاهدين الصامدين، وقتلوا صناديد وأبطال قريش، وبان الانكسار في صفوف المشركين، ولكنّ بمخالفة بعض من عيّنهم النبيّ صلّى الله عليه وآله من الرماة في فتحة الجبل ونزولهم لجمع السلب انقلبت الدائرة على جيوش المسلمين.
وفي (طبقات) ابن سعد: «إنّ حمزة بن عبد المطّلب كان يقاتل في واقعة أحد بين يدي رسول الله صلّى الله عليه [وآله] بسيفين، وهو يقول: أنا أسد الله، وجعل يقبل ويدبر، ويقتل كلّ من تقدّم إليه».
وقال ابن حجر في (الإصابة): «إنّ حمزة بن عبد المطلب قتل بأُحد ثلاثين رجلاً قبل أن يُقتل».


استشهاده
يقول السيد محسن الأمين في (أعيان الشيعة) في ترجمته لحمزة بن عبد المطّلب: «استشهد يوم أُحد، ولا تصريح في كلام المؤرّخين بأنّ شهادته كانت بعد انتقاض صفوف المسلمين أو قبله. قتله وحشيّ بن حرب، وهو عبد حبشي يرمي بالحربة قلّما يخطئ، ولم تكن العرب تعرف ذلك، بل هو مخصوص بالحبشة..».
أمّا كيفية شهادته –يضيف السيد الأمين-: «ففي شرح النهج لابن أبي الحديد، قال الواقدي: كان وحشيّ عبداً لابنة الحارث بن عامر، قالت له ابنة الحارث قبل خروجهم إلى أُحد: إنّ أبي قُتل يوم بدر، فإن أنت قتلتَ أحد الثلاثة، فأنت حرّ: محمّداً، أو عليّ بن أبي طالب، أو حمزة بن عبد المطّلب، فإنّي لا أرى في القوم كفؤاً لأبي غيرهم.
فقال الوحشي: أمّا محمّد فقد علمت أنّي لا أقدر عليه، وإنّ أصحابه محيطين به ولن يُسلموه، وأمّا حمزة فوالله لوجدته نائماً ما أيقظته من هيبته، وأمّا علي فألتمسه. وقال: فكنتُ يوم أحد ألتمس عليّاً، فبينما أنا في طلبه إذ طلع عَليّ، فإذا هو رجلٌ حذرٌ مرسٌ كثير الالتفات. فقلت: ما هذا بصاحبي الذي ألتمسه.
وإذ رأيت حمزة يفري الناس فرياً، وما يلقى شيئاً يمرّ به إلّا قتله، فكمنتُ له إلى صخرة ".." فهززت حربتي حتّى رضيت منها فضربته بها في خاصرته ".." وكرّ عليه طائفة من أصحابه، فأسمعهم ينادونه ويقولون: أبا عمارة، أبا عمارة، فلا يجيبهم، فقلت: لقد مات الرجل..».


قال ابن الأثير: «ووقعت هند [بنت عتبة] وصواحباتها على القتلى يمثّلن بهم، واتّخذت هند من آذان الرجال وآنافهم خَدَماً [جمع خَدَمَة وهو الخلخال] وقلائد، وأعطت خدمها وقلائدها وحشيّاً، وبقرت عن كبد حمزة فلاكتها فلم تستطع أن تسيغها فلفظتها».
وبعد أن ألقت الحرب أوزارها، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: التمسوا حمزة. فبعث أحد أصحابه يلتمسه فلم يعد لمّا رأى حمزة بتلك الحالة من التمثيل، ثمّ بعث آخر وآخر وكلّ من يذهب ويشاهده بهذه الحالة لم يعد إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله ليخبره، فلمّا استبطأهم قام وقال: أنا ألتمسه بنفسي. فلما شاهده وهو مطروح ببطن الوادي وقد مُثّل به شرّ تمثيل، بكى صلّى الله عليه وآله، ثمّ قال له مخاطباً: «لن أصاب بمثلك أبداً، ما وقفتُ موقفاً قطّ أغيظ عليّ من هذا الموقف».
ورثاه بقوله: «يا عمّ رسول الله، أسد الله وأسد رسوله، يا حمزة، يا فاعل الخيرات. يا حمزة، يا كاشف الكربات، يا حمزة، يا ذابّ، يا مانع عن وجه رسول الله».
عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: «دفن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عمَّه حمزة في ثيابه بدمائه التي أصيب فيها، وردَّاه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بردائه، فقصُر عن رجليه، فدعا له بأذخر [نبات ذكيّ الرائحة] فطرحه عليه، فصلَّى عليه سبعين صلاة، وكبَّر عليه سبعين تكبيرة».


ولمّا رجع رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى المدينة، مرّ بدار من دور الأنصار، سمع البكاء والنوائح على شهيدهم فذرفت عيناه بالبكاء، وقال: حمزة لا بواكي عليه، فرجع سعد بن معاذ إلى دُور بني عبد الأشهل فأمر نساء الأنصار أن يذهبن فيبكين على حمزة.
على لسان النبيّ صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
عن سلمان قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وآله لفاطمة عليها السلام: «شهيدنا سيِّد الشهداء، وهو حمزة بن عبد المطلب، وهو عمُّ أبيك.
قالت: يا رسول الله! وهو سيِّد الشهداء الذين قُتلوا معك؟
قال: لا، بل سيِّد شهداء الأولين والآخرين، ما خلا الأنبياء والأوصياء، وجعفر بن أبي طالب ذو الجناحين الطيَّار في الجنة مع الملائكة».
عن الإمام الرضا عن آبائه عليهم السلام عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: «خير إخواني عليّ، وخير أعمامي حمزة..».

أمير المؤمنين عليه السلام: «منّا سبعة خلقهم الله عزَّ وجلَّ، لم يخلق في الأرض مثلهم، منَّا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم سيِّد الأولين والآخرين، وخاتم النبيّين، ووصيُّه خير الوصيّين، وسبطاه خير الأسباط: حسناً وحسيناً، وسيِّد الشهداء حمزة عمُّه، ومن طار مع الملائكة جعفر، والقائم عليه السلام».

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد