من التاريخ

الحركات الإصلاحية في التاريخ الإسلامي

 

الشهيد مرتضى مطهري
الحركات الإصلاحية في التاريخ :
بالإضافة إلى سيرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة الإثني عشر (عليهم السلام) المليئة بالتعاليم والإرشاد والحركات الإصلاحية، نرى أن التاريخ الإسلامي مليء بالحركات والنهضات الإصلاحية التي لا يمكن أن تكون أقل من أي تاريخ آخر ولكن لعدم وجود الدراسات والأبحاث الكافية في هذا المجال، يتصور الإنسان في البدء بأن الإسلام ينقصه الحركات الإصلاحية في التاريخ.
منذ ألف عام على الأقل انتشرت بين السنَّة أولاً ثم الشيعة -فكرة ظهور (مجدد) و(محيي الدين) على رأس كل قرن. فأهل السنّة ينقلون حديثاً عن أبي هريرة يقول:
(أن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة، من يجدد لها ديناً) 
حتى ولو كان سند هذا الحديث غير معتبر، ومن الناحية التاريخية أيضاً لم يؤيد -وقد طرحنا هذا الحديث وهذا النوع من التفكر موضع البحث والنقد في كتاب: إحياء الفكر الديني- ولكن انتشار وقبول هذا النوع من التفكير بين المسلمين يكشف عن حقيقة هي أن المسلمين لا أقل ينظرون بين كل قرن ( مصلحاً) أو (مصلحين) وحتى أنهم اعتبروا بعض النهضات على أنها (نهضات إصلاحية).
وعلى هذا الأساس إننا نقول: بأن الإصلاح والمصلح والنهضة الإصلاحية وتجدد الفكر الديني الذي اصطلح أخيراً هي نغمة معروفة عند المسلمين.
الأبحاث الدقيقة حول النهضات الإصلاحية في التاريخ الإسلامي والتحليل العلمي لها سيكون مفيداً وحياتياً، وآمل أن يوفق بعض الباحثين للقيام بهذه المسؤولية حتى يعرضوا نتيجة تحقيقاتهم وأبحاثهم للراغبين. من الطبيعي أن الحركات التي طالبت بالإصلاح لم تكن في مستوى واحد. فالبعض منها ادعت الإصلاحية، وعملت واقعاً بذلك. والبعض الآخر استغلت كلمة الإصلاح لتقوم بالفساد، والبعض بدأت كحركة إصلاحية وانتهى المسير فيها إلى الانحراف.


الحركة العلوية :
إن أغلب (حركات العلويين) في العهد الأموي والعباسي كانت إصلاحية، بعكس (حركة بابك خرم دين) -في إيران- أو حركات كثيرة أخرى حيث أنها كانت ملوثة إلى درجة كانت نتيجتها عكسية على الإسلام. أي أنها استطاعت أن تقلل نسبة تبرم الشعب وغضبه تجاه سلطة الخلفاء العباسيين الجائرة، بل ويمكن أن تكون حركات كحركة بابك خرم دين هي العامل الأصلي لاستمرارية الحكم العباسي، وفي الحقيقة يمكن اعتبار هذه الحركات تصب في رافد من الحكم العباسي.
حركة الشعوبية:
(الحركة الشعوبية) حركة القومية كانت إصلاحية في البداية، ذلك أنها قامت ضد (التبعيض الأموي) وحملت شعار: يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم.
ولأنهم قاموا ضد التبعيض القومي فكانوا يسمونهم (أهل التسوية)، ولأنهم رفعوا هذه الآية كشعار لهم، سموهم بـ (الشعوبية) ولكن مع الأسف سقطت الحركة الشعوبية في نفس الخط الانحرافي الذي ثأرت منه، أي الأفكار والاتجاهات العنصرية والقومية، ولهذا السبب انسحبت العناصر المؤمنة المطالبة بالحقيقة والعدالة الإسلامية من هذه الحركة. وفي الحقيقة لا يمكن اعتبار انحراف الحركة الشعوبية دعماً للعباسيين، ذلك لأنه ربما كان للعباسيين يد في عملية انحراف الإيرانيين من الشعار الأصلي (المطالبة بالعدالة الإسلامية) إلى الشعار المنحرف (العنصرية الإيرانية‎)، فالدعم الشديد الذي قدمه الخلفاء العباسيين للشعوبيين الإفراطيين -والواضح في التاريخ- يؤيد هذه النظرية.
الحركات الإصلاحية : فكرية أم اجتماعية :
بعض الحركات الإصلاحية الإسلامية كانت (فكرية) وبعضها كانت (اجتماعية) وبعضها كانت فكرية واجتماعية (نهضة الغزالي) كانت نهضة فكرية فالغزالي كان يعتقد بأنَّ العلوم والأفكار الإسلامية قد أصابها العطب، ولذلك قام (لإحياء الفكر الديني).
حركة العلويين أو حركة السربداريين حركة المعدومين في سبزوار بخراسان ضد المغول كانت حركة اجتماعية ضد الحكام. و(حركة إخوان الصفا) كانت حركة فكرية واجتماعية معاً. 
الحركات الإصلاحية تقدمية أم رجعية :
بعض هذه الحركات الإصلاحية كانت (تقدمية). من أمثال الحركات التي ذكرناها-طبعاً نهضة الغزالي من بعض الجهات تقدمية ومن جهات أخرى راوحت في النصوص السابقة وقد ذكر المرحوم فيض في كتاب المحجة البيضاء جانبي نهضة الغزالي-، وبعضها كانت (رجعية) من مثل (حركة الأشاعرة) من القرن الرابع أو (حركة الإخبارية) عن الشيعة في القرن العاشر.
كل هذه الحركات سواء الفكرية والاجتماعية سواء التقدمية والرجعية تحتاج إلى تحقيقات ودراسات واسعة خصوصاً وأنه قد استغلت بعض العناصر الانتهازية فرصة وجود الخلاء الفكري وحسب الأوامر، وبالشكل الذي يستهووه وبدءوا يفسرون التاريخ الإسلامي، ويقدمونه للمجتمع البعيد عن الحقائق.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد