من التاريخ

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ عبدالهادي الفضلي
عن الكاتب :
الشيخ الدكتور عبدالهادي الفضلي، من مواليد العام 1935م بقرية (صبخة العرب) إحدى القرى القريبة من البصرة بالعراق، جمع بين الدراسة التقليدية الحوزوية والدراسة الأكاديمية، فنال البكالوريوس في اللغة العربية والعلوم الإسلامية ثم درجة الدكتوراه في اللغة العربية في النحو والصرف والعروض بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، له العديد من المؤلفات والمساهمات على الصعيدين الحوزوي والأكاديمي.rnتوفي في العام 2013 بعد صراع طويل مع المرض.

غدير خمّ، دراسة تاريخية، وتحقيق ميدانيّ (3)

وصف الموقع الراهن

وصفه المقدم عاتق‌ بن غـيث البـلادي، المؤرخ الحجازي المعاصر، في كـتابه «مـعجم معالم الحـجاز»، قـال: «ويـعرف غدير خم اليوم باسم «الغربة»، وهو غـدير عـليه نخل قليل لأناس من البلادية من حرب، وهو في ديارهم يقع‌ شـرق‌ الجـحفة على أكيال، وواديهما واحد، وهو وادي الخرار، وكـانت عين الجحفة تنبع مـن قـرب الغدير، ولا تزال آثارها ماثلة للعيان.

وتـركب الغـدير من الغرب والشمال الغربي آثار بلدة كان لها‌ سور‌ حجري لا يزال ظاهرًا، وأنـقاض الآثـار تدل على أن بعضها كان قـصورًا او قـلاعًا، وربـما كان هذا حـيًّا مـن أحياء مدينة الجحفة، فالآثار هـنا تتشابه».

وقد استطلعت، ميدانيًّا، الموضع‌ من‌ خلال رحلتين:

- كانت أولاهما: يوم الثلاثاء 7/5/1402ه: 2/1/1982م.

- والثانية: يوم الأربـعاء 18/6/1409هـ: 25/1/1989م.

 

الرحلة الأولى

غادرت مدينة جدة شـروق الشـمس بسيارة جـيب تـويوتا، وكـان برفقتي ولدي عماد وخاله‌ السـيد‌ ياسين‌ السيد جابر البطاط (ت 29/1/1409ه، رحمه‌ الله‌ تعالى)‌ وولده السيد فاضل.

وبعد ساعتين تقريبًا من مغادرتنا جدة، وصلنا إلى مـفرق الجـحفة قبيل مدينة رابغ، والكائن عند مـطارها المـحلي يـمنة الطـريق،‌ ونـزلنا‌ عن‌ الطريق العـام إلى طـريق الجحفة، ولم يكن آنذاك‌ مزفتًا،‌ وفي أكثر مواضعه غير ممهد.

وبعد حوالي عشر كلومترات وصلنا إلى مسجد الميقات الذي شـيّد ملاصقًا‌ لأساس‌ المسجد القديم المندثر.

ودخـلنا المـسجد، وكـان خـادمه نـائمًا، وهـو من‌ أعراب تلك البادية، فأيقظناه، وسألناه عن الطريق إلى قصر علياء، وما في الطريق مما قد يصد السيارة فيعرقل‌ سيرنا.

ثم‌ صعدت على سطح المسجد، وكان سلمه مليئًا بـطيور الخفاش، ونظرت الطريق‌ وحددت‌ الجهة الميسرة للسير فيها. وانطلقنا على بقايا آثار طريق الهجرة وسط أكوام من الحجارة التي جرفتها السيول‌ إليه،‌ ووسط‌ رمال عملت منها السيول ما يشبه السدود الحاجزة، شـقتها السـيارة شقًّا.

وبعد‌ أن‌ قطعنا‌ ما يقرب من خمسة كلومترات وصلنا إلى قصر علياء، ويقع هذا القصر على حد‌ قرية‌ الجحفة‌ (الميقات) من جهة المدينة المنورة ورابغ، كما أن المسجد الذي ذكرناه يقع عـلى حـد‌ القرية‌ من جهة مكة المكرمة.

وبعد أن استرحنا قليلًا، والتقطنا بعض الصور للقصر، انعطف‌ الطريق‌ بنا‌  إلى اليمين لانعطاف الجبال المطلة عليه من جهة يمناه للقـادم مـن مكة، ويسراه للقادم‌ من‌ المدينة.

وفي مـتسع مـن الوادي تشعبت فيه الطرق، على مدى عرضه، حتى وصلنا إلى رملة‌ غزيرة‌ انعدمت فيها آثار الطريق، فوقفنا قليلًا، ولاح لنا راع مع غنيمات عند سفح الجبل، فـنزلت‌ قـاصدًا‌ إياه، وكانت رجلاي تـغوصان فـي الرمل إلى ما يقرب من الركبتين، ولوحت له‌ بعباءتي‌ فوقف‌ ثم اتجه جهتي والتقينا غير بعيد من الجبل، وسألته عن طريق الغربة، فقال: سيروا باستقامة سيارتكم،‌ وبعد‌ قليل‌ توافيكم حرة تطلعون فيها عـلى مـزرعة صغيرة جديدة، ومن على الحرة تبين‌ لكم‌ نخيل الغربة.

فدلفنا بسيارتنا نشق الرمال شقا حتى انتهت بنا إلى مرتفع ارتقينا به الحرة التي‌ ذكرها‌ الراعي. وفي الحرة التقينا سيارة نقل صغيرة (وانيت) يـسوقها شـاب بدوي، وإلى جانبه‌ شيخ كبير، فاستوقفتهما، وبعد السلام عليهما، سألتهما‌ عن‌ الأصل‌ والوطن، فقالا: من البلاذية من حرب، نـسكن‌ بعد‌ الغربة بقليل، قلت: الغربة هي مقصدنا، قال الشيخ: أنتم مـن الشـرقية تـريدون الغدير؟‌ قلت:‌ هله هله، اي: نعم نعم،‌ بلهجة‌ البادية، قال:‌ هي‌ عند‌ النزلة من الحرة يمين الطـريق  ‌مـباشرة،‌ فودعناهما‌ ودخلنا الغدير حامدين لله توفيقه، وشاكرين علي السلامة.

وبعد أن استقر بنا‌ الجلوس‌ تناولنا مـن القـهوة والشـاي، ثم قمنا،‌ وتجولنا بالوادي الفسيح، والتقطنا‌ له‌ الصور من مختلف جهاته.

كان‌ الوادي‌ فسيحًا جدًّا، تـتخلله أشجار السمر منتشرة في أبعاده جميعها، ويقع بين سلسلة جبال‌ من‌ جنوبه وشماله. ومـسيله يمر مع‌ سفوح‌ جـباله‌ الجـنوبية، وهي أعلى‌ وأضخم‌ من جباله الشمالية.

وعلى‌ المسيل‌ من جهة سهل الوادي ثلاث كوم من النخيل بين كل كومة وأخرى حوالي عشرين‌ مترًا،‌ وكل كومة لا تتجاوز الآحاد. ومن المظنون‌ قويًّا‌ أنها نبتت‌ هنا‌ بـفعل‌ ما يرميه المارون بالوادي‌ من نوى التمر الذي يتناولونه مع القهوة.

وقريبًا من منعطف الوادي إلى جهة الغرب غيضة، وسطها‌ عين‌ جارية، قد تكون هي عين الغدير‌ التاريخية. أما‌ الغدير‌ فلم‌ نر له آثارًا،‌ وكذلك‌ المسجد، ولعلهما عـفيا بـفعل تأثير عوامل التعرية والإبادة من أمطار وسيول ورياح وما إليها. وبعد أن استكملنا‌ استطلاعنا‌ عدنا‌ على الطريق نفسه إلى جدة، ووصلنا إليها‌ بعد‌ الغروب‌ بساعة‌ تقريبًا.

 

الرحلة‌ الثانية

وكانت بعد عودتنا من زيارة قبر السيدة آمـنة بـنت وهب(ع)، أم النبي(ص)، في الأبواء (الخريبة)، ومبيتنا في منزل الحاج علي بن سالم العبيدي بوادي الفرع.

وكان‌ معي في هذه الرحلة ابناي معاد وفؤاد، وأبنا عمتهما السيدان الحسن والحسين الخليفة، والشـيخ صـالح العبيدي من خطباء المنبر الحسيني بجدة، والشاب عابد العلاسي من جدة.

وبعد أن وصلنا إلى ميقات‌ الجحفة، قبيل الظهر، سلكنا الطريق السابق إلى الغدير، فرأيناه قد غير السيل العرم الذي جاء المنطقة بعد رحـلتنا الأولى الكـثير مـن معالم الطريق، وعفى القليل المـتبقي مـن آثاره.

ورأيـنا، قبيل‌ وصولنا‌ إلى الغدير، ومقابل الحرة، على قمة الجبل المحاذي لها، منازل من البناء الجاهز لشركة إنشائية، يسلك إليها طريق ممهد يـتفرع مـن طـريق رابغ‌ - الغدير.

وعندما وصلنا إلى الغدير‌ رأينا‌ السيل قد فـعل مـفعوله في تغيير شيء غير قليل من المعالم التي رأيناها سابقًا. منها أن أهار الجرف السابق المطل على المسيل بما لا‌ يقل‌ عـن ثـلاثة أمـتار، فأطاح‌ ببعض‌ النخيل التي كانت عليه. ومنها أن ذهب بالغيضة إلا بـقايا منها.

ورأينا العين قد أصبحت تجري من تحت الجرف الجديد، ويسير مجراها بحافته إلى كومة من الشجر لا تبعد عن منبع العـين‌ بأكثر‌ مـن عشرين مترًا. وبعد أن التقطنا بعض الصور، وتناولنا التمر والقهوة، توجهنا إلى رابغ عـن الطـريق الآخر الذي لا يمر بالجحفة، والذي يقع شرقي رابغ.

 

الطريق المؤدي إلى الموقع

رأينا‌ مما‌ تقدم أن‌ هناك طريقين يؤديان إلى موقع غـدير خـم، أحـدهما من الجحفة، والآخر من رابغ.

1. طريق الجحفة

يبدأ‌ من مفرق الجحفة عند مطار رابـغ سـالكًا تـسعة كلومترات مزفتة إلى أول‌ قرية‌ الجحفة القديمة، حيث مسجد ‌‌كبير موضع المسجد السابق‌، وحمامات للاغتسال، ومرافق صحية، ومواقف سيارات.

ثم ينعطف الطـريق شـمالًا وسط‌ حجارة‌ ورمال‌ كالسدود بمقدار خمسة كلومترات إلى قصر علياء، حيث نهاية قرية الميقات. ثـم يـنعطف الطـريق إلى جهة اليمين، قاطعًا بمقدار كيلوين أكوامًا من الحجارة وتلولًا من الرمال، وحرة قـصيرة‌ المسافة. ثـم يهبط من‌ الحرة‌ يمنة الطريق حيث وادي الغدير.

2. طريق رابغ

ويبدأ من مفرق طريق مكة - المـدينة العـام، الداخـل إلى مدينة رابغ عند إشارة المرور، يمنة الطريق للقادم من مكة، مارًّا ببيوتات من الصفيح،‌ وأخرى مـن الطـين يسكنها بعض بدو المنطقة.

ثم يصعد على طريق قديم مزفت ينعطف به إلى اليـسار، وهـو الطـريق العام القديم الذي تبدأ بقاياه من وراء مطار رابغ. وبعد مسافة عشرة كيلومترات، وعلى‌ اليمين،‌ يتفرع منه الفرع المؤدي إلى الغـدير، وهـو طـريق ترابي ممهد فيأاكثره، يلتقي عند مهبط الحرة بطريق الجحفة، حيث ينزلان إلى وادي الغدير. ومـسافته مـن رابغ  إلى الغدير 26 كلومترات تقريبًا.

 

وفي‌ ضوء ما تقدم:

يقع غدير خم من ميقات الجحفة مطلع الشمس بحوالي ثـمانية كلومترات، وجنوب شرقي رابغ بما يقرب من ستة وعشرين كلومترًا.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد