مقالات

العلم الإلهي وعلم الأخلاق والفقه أشرف العلوم


الشيخ محمد مهدي النراقي

العلم كله وإن كان كمالًا للنفس وسعادة، إلا أن فنونه متفاوتة في الشرافة والجمال ووجوب التحصيل وعدمه، فإن بعضها كالطب والهندسة والعروض والموسيقى وأمثالها، مما ترجع جل فائدته إلى الدنيا ولا يحصل بها مزيد بهجة وسعادة في العقبى، ولذا عدت من علوم الدنيا دون الآخرة، ولا يجب تحصيلها، وربما وجب تحصيل بعضها كفاية.
وما هو علم الآخرة الواجب تحصيله، وأشرف العلوم وأحسنها هو العلم الإلهي المعرف لأصول الدين، وعلم الأخلاق المعرف لمنجيات النفس ومهلكاتها، وعلم الفقه المعرف لكيفية العبادات والمعاملات، والعلوم التي مقدمات لهذه الثلاثة كالعربية والمنطق وغيرهما يتصف بالحسن ووجوب التحصيل من باب المقدمة، وهذه العلوم الثلاثة وإن وجب أخذها إجمالًا إلا أنها في كيفية الأخذ مختلفة!
فعلم الأخلاق يجب أخذه عينًا على كل أحد على ما بينته الشريعة وأوضحه علماء الأخلاق، وعلم الفقه يجب أخذ بعضه عينًا إما بالدليل أو التقليد من مجتهد حي، والتارك للطريقين غير معذور، ولذا ورد الحث الأكيد على التفقه في الدين، قال الصادق (ع): "عليكم بالتفقه في دين الله ولا تكونوا أعراباً، فإنه من لم يتفقه في دين الله لم ينظر إليه يوم القيامة ولم يزك له عملًا "، وقال: "ليت السياط على رؤوس أصحابي حتى يتفقهوا في الحلال والحرام"، وقال (ع): "إن آية الكذاب أن يخبرك خبر السماء والأرض والمشرق والمغرب، فإذا سألته عن حرام الله وحلاله لم يكن عنده شيء".
وأما أصول العقائد فيجب أخذها عينًا من الشرع والعقل، وهما متلازمان لا يتخلف مقتضى أحدهما عن مقتضى الآخر، إذ العقل هو حجة الله الواجب امتثاله والحاكم العدل الذي تطابق أحكامه الواقع ونفس الأمر فلا يرد حكمه، ولولاه لما عرف الشرع، ولذا ورد "أنه ما أدى العبد فرائض الله حتى عقل عنه، ولا بلغ جميع العابدين في فضل عبادتهم ما بلغ العاقل"، فهما متعاضدان ومتظاهران، وما يحكم به أحدهما يحكم به الآخر أيضًا، وكيف يكون مقتضى الشرع مخالفًا لمقتضى ما هو حجة قاطعة وأحكامه للواقع مطابقة، فالعقل هو الشرع الباطن والنور الداخل، والشرع هو العقل الظاهر والنور الخارج، وما يتراءى في بعض المواضع من التخالف بينهما إنما هو لقصور العقل أو لعدم ثبوت ما ينسب إلى الشرع منه، فإن كل عقل ليس تامًّا، وكلما ينسب إلى الشرع ليس ثابتًا منه، فالمناط هو العقل الصحيح وما ثبت قطعًا من الشريعة، وأصح العقول وأقواها وأمتنها وأصفاها هو عقل صاحب الوحي، ولذا يدرك بنوريته ما لا سبيل لأمثال عقولنا إلى دركه، كتفاصيل أحوال نشأة الآخرة، فاللازم في مثله أن نأخذه منه إذعانًا وإن لم نعرف مأخذه العقلي.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد