سليمان كتّاني
والشرارة ! إنَّها مِن الاحتكاك ، وهي لا تتعدَّى كونها قبساً يتمادى في تواصله ، حتَّى يُصبح النار التي تُدفِّأ ضلوع الأرض ، وتُمرع فيها براعم الزهر وأفواج السنابل ، فالحياة ـ وهي ملقط مِن ملاقط الوجود ـ إنَّما هي الشرارة الخالدة ، التي ينبض بها هذا الكون ، وإذ تخبو ، فالوجود كلُّه في سُبات كالرماد ، ينخطف منه اللون والنخوة والدم الذي يمور !
ما أروع الحسين في جهازه النفسيِّ المتين ! يتلقط بكلِّ حَدث مِن الأحداث التي دارت بها أيَّامه ، ليصوغ مِن احتكاكها الشرارة الأصيلة التي تدفأ بها ضلوع الأُمَّة ، وهي تمشي دروبها في ليالي الصيغ ـ لقد تبيَّن له ـ وهو يختبر وطأة الأيَّام في تنقُّلها عِبر الفصول ، وعِبر الليالي الطويلة والقصيرة ، وعِبر الأيَّام تُحرقها الشموس ، أو تُضنيها مقاطع الغيم .
إنَّ الشبه قريب جِدَّاً بين حياة الأُمَّة ، فالفرد الذي يحتاج قميصاً مِن صوف في ليل الزمهرير ، لابُدَّ له أنْ يتعرَّى منه في اليوم الهجير ، وكذلك الأُمَّة بالذات ، فالحرير الذي تنام في وقت النعيم ، هو الذي لا يليق لها ، ويُضنيها يوم يشتدُّ عليها البؤس أو يستبدُّ الضيم ، والقول هذا يعني : أنَّ نوعاً واحداً مِن اللباس لا يسدُّ حاجة الفرد ، مع تقلُّب الفصول مِن شمس تُحرق إلى صقيع يَلسع ، إلى اعتدال يتبرَّأ مِن المُتناقضين ويتطلَّب حياكة ألبق وأنسب ، وكذلك الأُمَّة بالذات ـ وهي الفرد الكبير المُتقمِّص ذاته حتَّى لا يموت ـ فإنَّ نوعاً واحداً مِن تعهُّد العيش لا يسدُّ حاجتها في البقاء الطويل ، الذي هو اجتماع ينهب الزمان ليخلد فيها أطول فأطول .
إنَّ الأُمَّة ـ الإنسان الاجتماعي ـ هي بحاجة أيضاً إلى ألبسة منوَّعة الحياكة ، فتلبس كلَّ واحد منها ساعة تشعر أنَّها بحاجة إليه ، وتستبدله بسواه في أيَّة لحظة أُخرى يطيب لها ذلك .
لقد دلَّ الاختبار الحسين أنَّ الأُمَّة تستأنس كثيراً بكلِّ واحدٍ مِن أبنائها ، يُقدِّم لها أنوالاً جديدة تتوسَّع الحياكة فيها ويتنوَّع جَدْلُ قمصانها إنَّها الأُمَّة التي ستغتني بما تلبس ، وستترفَّه بما طرَّزوه لها ، وستعرف أنَّ في نفسها ، وحسَّها ، ووعيها ، زرعاً تأخذ منه ـ لكلِّ ساعة مِن عمرها ـ حصاداً جديداً ينتقيه لها جوعها أو شبعها ، وستعرف أنَّ كلَّ تُخمة تقع فيها تُعلِّمها كيف أنَّ الرجوع إلى جوع يكون أدسم مِن السِّمنة ، وأكثر اعتدالاً مِن الجَشع والنَّهم.
ولقد مَرَّ عليه الاختبار أنَّ جَدَّه العظيم قدَّم النول الكبير ، وجهَّزه بالخيطان الصحيحة ، وها هي الأُمَّة تأخذ مِن هذا النول قُمصانها ، ولقد مرَّ عليه الاختبار أنَّ أباه النزيه ملأ الدلاء بالألوان البريئة ، حتَّى تستسيغ الأُمَّة ـ ساعة يفتقر ذوقها إلى اللون ـ أنْ تصبغ القميص الذي ترتديه بلون الصدق ، أو بلون العدل ، أو بلون النزاهة المُستقيمة بنظافة الكَفِّ والحَقِّ ، ولقد مَرَّ عليه الاختبار أنَّ أخاه المُعبَّر عن دور الإمامة ، تناول القُمصان ذاتها ، وقد وسَّخها الاستعمال ولطَّخها بغُبار البُغض والزيغ والتعدي ، وطمع الاستئثار بأنانيَّة الحُكم والثراء المُزوَّر ، فغسلها بزُوفى السماح ، ودهنها بالصلح الأبيض ، فإذا بكلِّ كفٍّ نظيفة تُصافح أُختها بالمَحبَّة والوئام.
اللَّهمَّ ـ يُسِرُّ الحسين إلى ذاته ـ شدَّد عزمي ؛ حتَّى أُقدِّم للأُمَّة ـ التي هي أُمَّة رسولك وحبيبك محمد ـ ما يُصلح أمرها ؛ حتَّى تُوسِّع مِن خُطواتها فوق دروب الحياة ، اجعلني أشدد حُقويها ، وامنحني قوَّة الوثب أُعلِّمها ـ لا بالحرف وتَمتعة الشفتين ـ بلْ بالقدوة الحيَّة .
إنَّ العُنفوان في الحياة هو الذي يقود إلى المجد ، وإنَّ التسكَّع والاستكانة لا يَصلحان لأكثر مِن ساعة ، وإذ تمرُّ بلا جدوى ، فإنَّ الذِّلَّ وحده يُصبح الخَلَف ، وهو غِلاف الموت ، وهو الرماد المخطوف اللون والنخوة والدم ، وهو الذي يتطلَّب العنفوان في النجدة العزيزة ، التي هي شرارة ترفض الذِّلَّ وتُحرقه ، وهي تحترق معه في غمرة الإباء والعُنفوان.
ها هي الشرارة التي ولَّدتها في نفس الحسين مُعاناة الحسين ، طيلة سِتٍّ وخمسين سنة مِن عُمره الهاجع في ضمير الإمامة ، إنَّه الآن تعبير عن وثبة جديدة سيثبها بعد عِدَّة أيَّام ما وثب مثلها بطل مِن أبطال الملاحم ، إنَّها الشرارة التي سيُقدِّمها للأُمَّة ، تتطلَّبها كلَّ مَرَّة تقع في حُفرة مِن حُفر الذِّلِّ ، فتَثِب معها إلى خُلود لها تتذكَّر به فتاها الحسين !!!
السيد محمد حسين الطهراني
عدنان الحاجي
الشيخ محمد صنقور
الشيخ محمد مهدي شمس الدين
السيد عباس نور الدين
السيد عبد الأعلى السبزواري
حيدر حب الله
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ محمد جواد مغنية
الشيخ جعفر السبحاني
أحمد الرويعي
علي النمر
حسين حسن آل جامع
حبيب المعاتيق
زهراء الشوكان
الشيخ علي الجشي
عبدالله طاهر المعيبد
شفيق معتوق العبادي
جاسم بن محمد بن عساكر
رائد أنيس الجشي
عريس كربلاء
خذني
القاسم بن الحسن: الـمخضّب بالدّماء
أيّام عاشوراء والتّكامل المعنوي
الرّضّع يوائمون أساليب تعلّمهم بحسب المواقف والظروف
هل كان للعباس (ع) أولاد في كربلاء؟
العباس (ع): نافذ البصيرة
ترشيد الحضارة البشرية ودور مدرسة أهل البيت (ع)، محاضرة للدكتور الخليفة في مأتم بقية الله
محاضرة بعنوان (أريد حلًّا) خلال أيّام عاشوراء للشّيخ صالح آل إبراهيم
(هو): إلى الحسين بن علي مجدّدًا