فجر الجمعة

السيد حسن النمر: المهدي (ع) بشارة النبي (ص)

تحدّث سماحة السيد حسن النمر: في خطبة له بعنوان: المهدي (ع) بشارة النبي (ص)، عن معنى الإيمان بالغيب وأهميته وآثاره وعلاقته باإمام المهديّ عجّل الله فرجه، وذلك في ٩ ربيع الأول - ١٤٤٦هـ في مسجد الحمزة بن عبد المطلب بسيهات

 

اللهم صل على محمد وآل محمد، اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجل فرجهم.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. 

بسم الله الرحمن الرحيم. 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الخلق وأشرف الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله، وعلى آله الطيبين الطاهرين.

ربّ اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي. 

اللهم اجعل أعمالنا خالصة لوجهك الكريم. 

عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله، وإن من التقوى أن نؤمن بالغيب. فما معنى الإيمان بالغيب؟ وما هي أهميته؟ وما هي آثاره؟ وما علاقة ذلك بالاعتقاد بالمهدي عليه السلام؟ 

الحديث عن أجوبة هذه المسألة أو عن هذه الأسئلة يطول، ولكن ما لا يُدرك كلّه لا يُترك جلّه. 

ولنتناول ذلك في مسائل:

المسألة الأولى: معنى الإيمان بالغيب 

وهنا أمران: 

الأول: الإيمان، وقد عرفه العلماء كالسيد الطباطبائي رحمه الله بأنه الإذعان والتصديق بشيء بالالتزام بلوازمه، فهنا فعل جوانحي يرتبط بالعقل والقلب، وفعل جوارحي يرتبط بالأعضاء. فليس هو كما يقول السيد أيضًا في موضع آخر مجرد العلم والتصديق، بل العلم والعمل. وهو قابل للزيادة والنقصان والشدة والضعف. قال تعالى: "هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانًا مع إيمانهم".

الأمر الثاني: الغيب، وقد عرفه العلماء كالسيد الطباطبائي رحمه الله بأنه ما وراء الحسّ. فمعنى الإيمان بالغيب هو التصديق والإذعان بأن الكون والمكونات ليست مقصورة ولا محصورة في الماديات والمحسوسات، بل إن معها موجودات أخرى ليست مادية ولا محسوسة. 

وهذا ما وصف الله به المؤمنين وأثنى عليهم به، حيث قال: "ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب".

المسألة الثانية: أهمية الإيمان بالغيب

للإيمان بالغيب أهمية قصوى، فإن من لا يؤمن بالغيب لا يصدق بوجود الله، فإنه غيب الغيوب. ومن لا يؤمن بالغيب لا يصدق بالوحي، ومن لا يؤمن بالغيب لا يؤمن بالرسل ولا بالأنبياء، بل يكذبهم فيما يخبرون به عن المبدأ والمعاد والجنة والنار، إلى غير ذلك من الفوارق بين المؤمنين وغير المؤمنين. 

فلا ينبغي الاستهانة إذاً بمسألة الإيمان بالغيب. قال الله تعالى في أحوال الكافرين في كفرهم بالنبوة والوحي: "وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَىٰ أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا - وَقَالُوا لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنبُوعًا - أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا - أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا - أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي السَّمَاءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ ۗ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولًا". 

فهذا ما يفتح على الإنسان من الكفر بالغيب، من الرسل والأنبياء، وما يخبرون به من حوادث مضت وأخرى ستأتي، ومن معارف لا تنال بالتجربة ولا تدركها العقول البشرية من الحقائق التي يترتب على الإيمان بها السعادة، وعلى الكفر بها الشقاء. 

لو لم يكن سوى ذلك لكفى، ولو أضفنا إلى ذلك حالة الاطمئنان التي نجدها عند المؤمن إذا حلت به المصائب ووقعت عليه النوائب، وما نجده عند غير المؤمنين من حالات الاضطراب والاكتئاب، لو أضفنا ذلك لعلمنا بأن للإيمان بالغيب آثارًا لا يستهان بها بل لا تُقدر بثمن.

المسألة الثالثة: ما علاقة الإيمان بالغيب بالاعتقاد بالمهدي عليه السلام؟ 

الجواب هو أن مسائل الاعتقادات الدينية عندنا نحن المسلمين إنما تؤخذ من الوحي، أي من الكتاب النازل من عند الله تعالى والسنة التي نطق بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. 

وإذا تفقهنا في هذين المصدرين، نجدهما طافحين بالحديث عن الغيب وأبعاده، ومنها أولاً التعريف بالله تعالى وأسمائه وصفاته، ومنها –أي من الأسماء والصفات– أنه عز وجل حكيم لا يعبث، وعالم لا يجهل، وقادر لا يعجز، وعادل لا يظلم، وصادق إذا أخبر أو وعد. ثانيًا، وجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إذا أمر أو نهى، ووجوب تصديقه إذا أخبر.

وما نعتقده –باختصار– في الإمام المهدي عليه السلام الذي يعد اليوم التاسع منه، هذا اليوم التاسع من ربيع الأول هو أول أيام إمامته، نعتقد أنه مظهر حكمة الله تعالى، وعلمه، وقدرته، وعدله، ووعده. 

ومن وعود الله تعالى في القرآن الكريم: أنه تعالى كما جاء في سورة التوبة "هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون" وقال من وعوده أيضاً: "كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز" وقال: "والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون" وقال: "وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير"، وقال: "فإما نذهبن بك فإنّا منهم منتقمون، أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون".  "فاستمسك بالذي أوحي إليك، إنك على صراط مستقيم، وإنه لذكر لك ولقومك". 

فهذه الوعود وأمثالها تصوغ حكمة الله وعلمه وقدرته ولطفه وعدله، وهي لم تتحقق بعد. فلا تزال اليد العليا في الأرض لغير المؤمنين، والناس عطاشى للعدل الشامل. 

والذين يؤمنون بالله لا يرتابون قيد شعرة أن وعود الله لا تتخلف، لأنهم يعتقدون بحق أن الله تعالى لا يخلف الميعاد.

وإذا رجعنا إلى سنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، الذي نستقبل وإياكم ذكرى مولده الشريف في الأسبوع القادم، ورجعنا إلى أحاديثه، واقتصرنا على ما تواتر منها أو استفاض بين المسلمين مما لا يرتاب في صدوره عنه، فسنجدها ذاكرة بالوعد بالمهدي بحيث لا يرتاب أحد في أنه مذخور لإحقاق الحق وإبطال الباطل، وإقامة العدل وإزالة الجور والظلم.  

فالواجب على المسلم تصديق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما أخبر به، لأنه إنما يخبر عن الله تعالى الذي عيَّر قريشًا لما كذبته فقال: "ما ضل صاحبكم وما غوى، وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى".

وقد نص على تواتر الأحاديث عن المهدي عليه السلام علماء كثيرون من غير مدرسة أهل البيت. 

وأما مدرسة أهل البيت، فالمسألة تتجاوز هذا. منهم الحافظ الآبري السجزي المتوفى سنة 363 هـ، حيث قال في كتابه "مناقب الشافعي": "قد تواترت الأخبار واستفاضت في المهدي، وأنه من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأنه يملك سبع سنين، ويملأ الأرض عدلاً، وأنه يخرج مع عيسى بن مريم، ويساعده في قتل الدجال بباب لُدٍّ بأرض فلسطين، وأنه يؤم هذه الأمة، وعيسى يصلي خلفه". انتهى كلامه.

ومنهم السفاريني الحنبلي المتوفى سنة 1188 هـ، حيث قال: "وقد كثرت بخروجه الروايات حتى بلغت حد التواتر المعنوي، وشاع ذلك بين علماء السنة حتى عُدّ من معتقداتهم".

ومنهم القاضي محمد بن علي الشوكاني المتوفى سنة 1250 هـ، الذي قال في كتابه كما حُكي عنه في "التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر والدجال والمسيح"، قال: "والأحاديث الواردة في المهدي التي أمكن الوقوف عليها خمسون حديثًا، فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر، وهي متواترة بلا شك ولا شبهة. بل يصدق وصف المتواتر على ما هو دونها في جميع الاصطلاحات المحررة في الأصول. وأما الآثار عن الصحابة المصرحة بالمهدي فهي كثيرةٌ، أيضًا لها حكم الرفع إذ لا مجال للاجتهاد في مثل ذلك". انتهى كلامه.

فلَسْنا إذاً أمام قضية يُتهاوَن في الاعتقاد بها لأنها لم تحصل بعد، بل يكفينا في وجوب الإيمان بها، وإن كانت من الغيب، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخبر عنها. 

فإنه بالنسبة لنا لسانُ الغيب، والناطق عن الله تعالى. 

ومن تلك الأحاديث: 

أولاً: ما أخرجه البخاري في صحيحه في باب نزول عيسى بن مريم ومسلم في كتاب الإيمان من صحيحه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال:  "كيف إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم". 

ثانيًا: صح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما في الجامع الصغير وزيادته أنه قال: "إني تارك فيكم خليفتين: كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض". 

وأما فقه الحديث ففيه فوائد: 

أولها: حرص النبي صلى الله عليه وآله وسلم الشديد على أمته من الوقوع في الضلال والانحراف. ولا عجب، فهو المشهود له من الله تعالى بقوله: "لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم". 

ثانيها: أنه ترك في الأمة ولها خليفتين، هما الكتاب الكريم والعترة الطاهرة. 

ثالثها: أن الكتاب والعترة لن يتفرقا إلى أن يردا عليه صلى الله عليه وآله وسلم الحوض. فما دام الكتاب موجودًا، فلا بد من وجود العترة الطاهرة المجسدة لتعاليم القرآن قولًا وفعلاً. 

رابعها: أن الواجب على الأمة أن تتمسك بالكتاب والعترة معاً. 

خامسها: أن في التمسك بالكتاب والعترة أمنًا كاملًا من الضلال. 

سادسها: أن في التفكيك بين الكتاب والعترة مخالفةً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ووقوعًا في الضلال. فلا يجوز بل لا يمكن التمسك بالكتاب دون العترة، ولا يجوز بل لا يمكن التمسك بالعترة دون الكتاب.

ومن الملفت ما جاء عنه صلى الله عليه وآله وسلم من وصف هذين الخليفتين بالكاملتين كما في رواية ابن أبي شيبة، ولعل ذلك للدلالة على أننا لسنا بحاجة إلى غيرهما في الوصول إلى بر الأمان ونيل الرضا والرضوان.

فنسأل الله لنا ولكم الثبات على منهاج رسول الله صلى الله عليه وآله، وأن يعجل فرج مولانا المهدي وفرج البشرية به وعلى يديه. 

ونسأله سبحانه أن نكون وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه. 

اللهم صل على محمد وآل محمد. 

اللهم كن لوليك الحجة ابن الحسن، صلواتك عليه وعلى آبائه، في هذه الساعة وفي كل ساعة، وليًا وحافظًا، وقائدًا وناصرًا، ودليلًا وعينًا، حتى تسكنه أرضك طوعًا، وتمتعه فيها طويلًا. 

اللهم انصر الإسلام والمسلمين، واخذل الكفار والمنافقين، واردد كيدهم إلى نحورهم، واجعل تدميرهم في تدبيرهم، يا قوي يا عزيز. 

اللهم من أرادنا بسوء فأرِدْه، ومن كادنا فكِدْه. 

اللهم اشفِ مرضانا، وارحم موتانا، واغنِ فقراءنا، وأصلح ما فسد من أمر ديننا ودنيانا، ولا تخرجنا من الدنيا حتى ترضى عنا يا كريم. 

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد