
ترجمة عدنان أحمد الحاجي
"هل بإمكاننا أن نغير أنفسنا ونحسّن أخلاقنا؟"هل بإمكاننا أن نصبح أكثر لطفًا، وكرماً، وصدقاً، وإنصافاً؟ أم أن شخصياتنا أو أخلاقنا ثابتة منذ أن ولدنا. ولا يمكننا لذلك تغييرها؟
سماتنا الأخلاقية تبدو أنها فكرة ثابتة وراسخة في نفوسنا. ففي اللقاءات والفعاليات العائلية، وفي الملاعب أو الصفوف الدراسية، غالبًا ما يُصنف الأطفال على أنهم إما "جيدون" أو "سيئون،" بل إن الكثير من الناس يعتبرون الصفات الأخلاقية ثابتة وكأنها منقوشة في حجر (أي إما جيدة أو سيئة).
لكن هذه ليست طبيعة البشر. تُثبت الدراسات أن كلاً من الأطفال وأولياء أمورهم قادرون على تغيير سلوكهم الأخلاقي، ما يعني أنه بإمكاننا جميعاً أن ننمو ونتغير وأن نكون أكثر عطفًا، وكرماً، وصدقًا، وإنصافًا. وأن تكلفة افتراض ثبات نوعية الأخلاق من الولادة باهظة. وبما أن الأطفال لديهم مزيج خفي من نقاط القوة والضعف الأخلاقية التي يمكن أن تتطور في اتجاهات مختلفة بمرور الزمن تبعاً لطريقة معاملة الناس لهم وما يتعلمه الأطفال منهم، فإن تصنيف الطفل على أنه سيء قد يدفعنا إلى معاملته بأسلوب يدفعه إلى تحقيق توقعاتنا السلبية عنه. وحينها يعتقد الطفل بأنه سيئ بالفعل، ثم يتصرف على هذا النحو، لأن هذا هو المتوقع منه. وهذه يُسمونها النبوءة ذاتية التحقق (1).
لو فكرنا في السلوك الأخلاقي على أنه عضلة. لو مارسنا اللطف والصدق والإنصاف، فإن هذه "العضلة" تزداد قوة. أما إذا لم تُتح لنا فرصة التدرب، فلن تنمو أو تقوى تلك العضلة.
نعم، بإمكان الأطفال أن يصبحوا أفضل بالتأكيد - ومعاملتهم كما لو أنهم قادرون على التحسن هي من أقوى الأساليب التربوية لتحقيق ذلك النمو الأخلاقي. هذا يعني أننا لسنا "ثابتين" بمعنى إما سيئون أو جيدون، بل بإمكاننا التغير والتحسن تجاه السمات الاخلاقية الحميدة.
عندما يتعلق الأمر بالنمو الأخلاقي، علينا تبني ما تسميه باحثة علم النفس البرفسور كارول دويك "ذهنية النمو": أي الإيمان بقدرتنا الذاتية، وكذلك بقدرة الأطفال الذين نتفاعل معهم على أن نصبح أكثر قدرة على النمو والتغير إلى الأفضل باستمرار، وأن ننموا أخلاقيًّا، ونصبح أكثر لطفًا وإنصافًا وصدقًا.
أما الاعتقاد بأن "الأطفال لا تتغير أخلاقهم قطعًا" يعتبر أمرًا خطيرًا، لأنه ذلك يقف حائلًا دون مساعدتهم على التحسن، أو ترسيخ الاعتقاد في أذهانهم بعدم قدرتهم على التحسن، حتى لو حاولوا ذلك.
قد يجد الطفل صعوبة في المشاركة في البداية، لكن هذا لا يعني أنه أناني. بل يعني أنه غير قادر على المشاركة بعد، ويحتاج إلى الدعم والتوجيه لتطوير هذه القدرة.
هناك الكثير مما يمكن لأولياء الأمور والمعلمين فعله لدعم النمو الأخلاقي للطفل، بما في ذلك أن يكونوا قدوة في الرعاية والاحترام والإنصاف وإظهار اللطف والاحترام، إذ من شأن الأطفال عادة تقليد ما يمارس أمامهم. كما أن على أولياء الأمور والمعلمين مساعدة الأطفال على التفكير في الصواب والخطأ وتعليمهم أسلوب التعامل مع المشاعر الجياشة، مثل الغضب، وإدارتها حتى لا يسببوا أذىً أو ضررًا بالآخرين. كما أن عليهم توجيه الأطفال للتفكير بعمق من وجهات نظر متعددة حول المعضلات الأخلاقية [التعامل مع أمرين أخلاقيين متناقضين أو أكثر واختيار الأقل ضررًا منهما] (2).
يمكن لأولياء الأمور والمعلمين تشجيع الأطفال على أن يكونوا لطيفين - مثلاً، التواصل مع طفل وحيد ليس له أصدقاء ومواساته، أو احترام الآخرين حتى حين يتعكر مزاجهم - وتوفير فرص لهم لممارسة التطوع، سواءً بالمساهمة في أعمال المنزل أو الصف الدراسي، أو مساعدة جار مسن.
وفي الوقت نفسه، يمكن لأولياء الأمور والمعلمين العمل على توسيع دائرة الرعاية الخاصة بهم وأطفالهم بحيث تشمل ليس فقط عائلاتهم وأصدقائهم، ولكن أيضًا أولئك البعيدين عن أذهانهم، مثل سائق حافلة المدرسة، أو حارس المدرسة، أو عامل النظافة، أو نادل في مطعم. إذن عليهم أن يعلّموا أطفالهم أن يكونوا لطفاء مع الجميع، ليس فقط مع العائلة والمقربين، ولكن أيضًا مع الذين لا نستغني عن خدماتهم وإن لم يخطروا على بالنا.
من الضروري أن يُعزز أوياء الأمور النمو الأخلاقي لأطفالهم - وأن يُمثلوا قدوة لهم في تبني ذهنية النمو، وذلك بالاعتراف لهم بصراحة بأخطائهم الأخلاقية التي ارتكبوها في حياتهم وكيف تجنّبوا تكرارها ونجحوا في ذلك. هذا من شأنه أن يُعلّم الأطفال أن الكل، بمن فيهم أولياء أمورهم، ما زالوا معرضين لارتكاب أخطاء أخلاقية وأنهم ما زالوا يتعلمون كيف يتجنبون الأخلاق السيئة والالتزام بالأخلاق الحميدة، هذا من شأنه أن يجعلهم قدوة لأطفالهم في محاولة تحسين أخلاقهم. وبالرغم من أن العالم يبدو منقسمًا وأنانيًّا في هذا الزمن، إلا أنه يمكن أن يتحسن إلى الأفضل إذا اعتقد بالنمو الأخلاقي.
بإمكان أولياء الأمور تنمية هوية عائلية تتمحور حول إضافة قيمة للآخرين، وذلك بتربية أطفالهم على الاعتقاد بأن: "في عائلتنا، نساعد الناس ونسعى لتحسين حياتهم"، وهي طريقة فعّالة تُرسّخ لديهم التزامًا عميقًا ودائمًا بالأخلاق الحميدة.
إيماننا بالنمو الأخلاقي ليس بالأمر الهيّن في ظل ما نشهده من انهيار أخلاقي عند البعض، حيث غالبًا ما تطغى الفردية على الاهتمام بالصالح العام، ويتناحر البعض من مختلف التوجهات. لكن لابد أن نؤمن بأننا نستطيع، بل يجب علينا، أن نكون أفضل وبإمكاننا أن نغير هذه الاتجاهات السلبية إلى إيجابية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- https://ar.wikipedia.org/wiki/نبوءة_ذاتية_التحقق
2- http://https://ar.wikipedia.org/wiki/معضلة_أخلاقية
المصدر الرئيس
https://news.harvard.edu/gazette/story/2025/11/how-children-learn-to-be-good/
بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ
الشيخ محمد جواد مغنية
أهميّة المداراة وخطورة المداهنة
الشيخ محمد مصباح يزدي
في رحاب بقية الله: ليمكّننّ له الدين
الشيخ معين دقيق العاملي
كيف تنمّي الشخصية الأخلاقية في طفلك؟
عدنان الحاجي
معنى (قضى) في القرآن الكريم
الشيخ حسن المصطفوي
النّفاق والتّظاهر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
حياتنا بين البخل والترف
الشيخ حسين مظاهري
التمهيد إلى ميتافيزيقا إسلاميّة بَعديّة (4)
محمود حيدر
ما الذي ينقصنا في عصر المعرفة؟
السيد عباس نور الدين
انظر.. تبصّر.. هو الله
الشيخ شفيق جرادي
السيدة الزهراء: وداع في عتمة الظلمات
حسين حسن آل جامع
واشٍ في صورة حفيد
حبيب المعاتيق
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر
بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ
أهميّة المداراة وخطورة المداهنة
في رحاب بقية الله: ليمكّننّ له الدين
كيف تنمّي الشخصية الأخلاقية في طفلك؟
القصيدة بين الذّات والآخر، أمسية شعريّة للشّاعر حسين اللّويم
الجزء الثّاني من كتاب الشّاعر والرّادود عبدالشهيد الثور: (قضايا مأتميّة)
هل البكتيريا تأكل البلاستيك حقًّا؟
هل حان الوقت لتصنيف مرض الزهايمر على أنه مرض السكري من النوع الثالث؟
(ما رأيت إلّا جميلاً) باكورة أعمال الكاتبة نور الشخص
معنى (قضى) في القرآن الكريم