
لماذا يلجأ الإمام السجّاد عليه السلام، في مرحلة ما بعد الأسر، إلى المهادنة والتقيّة، ويُغطّي على التحرّكات الثورية والشديدة، بالدّعاء واستخدام اللّين، بينما يتصرّف في مرحلة الأسر بشدّة وقوّة ووضوح؟
الجواب هو أنّ مرحلة الأسر كانت فصلًا استثنائيًّا، حيث كان على الإمام السجّاد عليه السلام، وبمعزل عن كونه إمامًا، أن يُهيّئ أرضيّة التحرّك المستقبليّ لإقامة الحكومة الإلهيّة والإسلاميّة، وقد كان اللسان النّاطق للدّماء المسفوكة في عاشوراء. فالإمام السجّاد عليه السلام لم يكن هنا بحقيقته، بل كان لسان الحسين عليه السلام الصّامت، الّذي تجلّى في هذا الشّاب الثوريّ في الشّام والكوفة.
فلو لم يكن الإمام السّجّاد عليه السلام شديدًا وحادًّا وصريحًا في بيان القضايا، فإنّه لن يبقى في الحقيقة مجال لعمله المستقبليّ، لأنّ مجال عمله المستقبليّ ينطلق من دم الحسين بن علي عليه السلام الهادر، كما أنّ دم الحسين عليه السلام كان أيضًا أرضيّةً للنّهضات الشّيعيّة على طول التّاريخ. وهكذا ينبغي أن يبدأ العمل، أوّلًا بتحذير النّاس، ثمّ في ظلّ هذا التّحذير تبدأ المعارضة الأصوليّة والعميقة والبعيدة المدى. ولا يُمكن أن يتحقّق هذا التّحذير إلّا باللهجة الحادّة والشّديدة.
لذلك كان دور الإمام السجّاد عليه السلام في هذا السَّفر، ودور زينب عليها السلام حمل نداء ورسالة ثورة الحسين بن عليّ عليه السلام، إذ إنّ معرفة النّاس بقتل الحسين عليه السلام، ولماذا قُتل، وكيف قُتل، سوف تؤثّر على مستقبل الإسلام، ومستقبل دعوة أهل البيت عليهم السلام، بنحوٍ، ولو لم يعلموا فسوف تؤثّر بنحوٍ آخر. وكان ينبغي بذل الجهود الكبيرة لأجل نشر هذه الحقائق على مستوى المجتمع، وكان على الإمام أن يستخدم كلّ ما لديه من ذخائر، ويمضي بمثل هذا العمل إلى أبعد الحدود. لهذا تحرّك الإمام السجاد عليه السلام في هذا الاتّجاه مثل سكينة وفاطمة الصغرى، ومثل زينب نفسها، ومثل كلّ أسير (كلٌّ بقدر استطاعته) كحمَلة لرسالة.
لقد اجتمعت كلّ هذه الطّاقات حتّى تنثر دم الحسين عليه السلام المسفوك في الغربة في كلّ المناطق الإسلاميّة الّتي مرّوا بها من كربلاء إلى المدينة. وحين دخل الإمام السجّاد عليه السلام إلى المدينة، كان عليه أن يُبيّن الحقائق أمام العيون والأنظار لحظة وصوله، فكان هذا الفصل القصير مقطعًا استثنائيًّا في حياته. المقطع التّالي يبدأ حين يُباشر الإمام السّجّاد عليه السلام حياته في المدينة كإنسانٍ ذي قدرٍ وشأن، ويبدأ عمله من بيت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وحرمه. ولأجل بيان برنامج الإمام الرابع، نحتاج إلى دراسة الأوضاع الّتي كانت سائدة، وظروف زمانه أيضًا[1].
وفي المقلب الآخر نجد الإمام يلجأ إلى التقيَّة في التعامل مع الجهاز الحاكم، ويظنّ بعضٌ أنّه لو أراد الإمام أن يقاوم نظام بني أميّة لكان ينبغي أن يرفع راية المقاومة العسكريّة، أو أن يلتحق بالمختار، أو عبد الله بن حنظلة، أو أن يقودهما معلنًا بذلك المقاومة المسلّحة بكلّ وضوح. لكن بالنّظر إلى ظروف زمن الإمام السجّاد عليه السلام، وبالالتفات إلى هدف الأئمّة عليهم السلام، نفهم أنّ هذا النّوع من التّفكير هو تفكيرٌ خاطئ.
فلو قام الأئمّة عليهم السلام، ومن جملتهم الإمام السجّاد عليه السلام، في تلك الظّروف بمثل هذه التحرّكات العلنيّة والسّلبيّة، فباليقين لما بقي للشّيعة باقية، ولما بقيت الأرضيّة أو فُسح المجال لاستمرار ونموّ مدرسة أهل البيت، ونظام الولاية والإمامة فيما بعد. حيث كان الجهاز الحاكم، وخاصة حكومة عبد الملك بن مروان التي كان معظم عهد إمامة الإمام السجّاد، البالغة ثلاثين سنة ونيّف، في ظلّها، يقوم بالرّصد التامّ، والمراقبة الدائمة لحياة الإمام السجّاد عليه السلام، ويستخدم الجواسيس والعيون الكثيرة الّتي كانت تنقل إليه أدقّ التفاصيل، حتّى المسائل الداخلية والخاصّة بالإمام عليه السلام.
لهذا نجد أنّ الإمام السجّاد عليه السلام في قضيّة المختار، لم يُعلن التعاون معه. ورغم ما جاء في بعض الروايات عن ارتباطٍ سريّ بينهما، إلاّ أنّه، ودون شكّ، لم يكن ارتباطًا علنيًّا، حتّى قيل في بعض الرّوايات إنّ الإمام السجّاد عليه السلام كان يذمّ المختار. ويبدو هذا الأمر طبيعيًّا جدًّا من ناحية التقيّة، وذلك حتّى لا يُستشعر وجود أيّ ارتباط بينهما، مع العلم بأنّ المختار فيما لو انتصر، فإنّه بالتأكيد كان سيُعطي الحكومة لأهل البيت عليهم السلام، ولكن في حال هزيمته، ومع وجود أدنى ارتباط واضحٍ وعلنيّ، لكانت النّقمة شملت، وبشكل قطعيّ، الإمام السجّاد عليه السلام وشيعة المدينة، واجتثّت جذور التشيّع أيضًا. لأجل ذلك لم يُظهر الإمام عليه السلام أيّ نوعٍ من الارتباط العلنيّ به.
(دار المعارف الإسلامية الثقافية)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] مجلة باسدار إسلام، 6.
دعوة إلى التوازن بين الدّنيا والآخرة
الشيخ محمد مهدي شمس الدين
ميتافيزيقا العلم الذكيّ (3)
محمود حيدر
معنى (نكف) في القرآن الكريم
الشيخ حسن المصطفوي
الدوبامين يجعل الناس أطول صبرًا وأقل اندفاعيةً وأقوى على مقاومة الإغراءات الآنية
عدنان الحاجي
العقل العلمي والأخلاقي في القرآن الكريم
الشيخ شفيق جرادي
النّصير، ونعم النّصير، وخير النّاصرين في القرآن الكريم
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
تحديد دلالة آية بيعة الرضوان تحت الشجرة (2)
الشيخ محمد صنقور
ادرس خطتك قبل الانطلاق
عبدالعزيز آل زايد
من هو المنتظِر الواقعي للإمام؟
السيد عباس نور الدين
العلم المقصود للعمل
الفيض الكاشاني
واشٍ في صورة حفيد
حبيب المعاتيق
السيدة الزهراء: حزن بامتداد النّبوّات
حسين حسن آل جامع
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر
دعوة إلى التوازن بين الدّنيا والآخرة
ميتافيزيقا العلم الذكيّ (3)
معنى (نكف) في القرآن الكريم
الدوبامين يجعل الناس أطول صبرًا وأقل اندفاعيةً وأقوى على مقاومة الإغراءات الآنية
(حرّيّة مكبّلة) مجموعة قصصيّة للكاتبة الرّاحلة سهام الخليفة
العقل العلمي والأخلاقي في القرآن الكريم
فعاليّات اليوم العالميّ للطّفل في أمّ الحمام
النّصير، ونعم النّصير، وخير النّاصرين في القرآن الكريم
تحديد دلالة آية بيعة الرضوان تحت الشجرة (2)
إصلاحات الإمام علي (ع) وردود الفعل منها (3)