متابعات

ملتقى ابن المقرب يحتفي بـ "يوم الشعر العالمي"


أقام ملتقى ابن المقرب بالتعاون مع جمعية الثقافة والفنون بالدمام مساء الاثنين 26 مارس أمسية شعرية احتفالًا بيوم الشعر العالمي، شهد حضورًا كبيرًا من المثقفين والشعراء.
وألقى الشاعر علي طاهر رئيس ملتقى ابن المقرب كلمة بمناسبة يوم الشعر ذكر فيها أن الشعر تنقل من شهادة على حالة وحادثة إلى تمرد وتحليق في عوالم الغياب واللامعقول، وأن الشعراء ظلوا يكتبون والعرب يستمعون ويتذوقون حتى صار الشعر الفن الأثير المتوهج وسيبقى هكذا، وأشار إلى أن الشعر سيظل مجالًا للإبداع ما دام يقدم الجديد المدهش وفنًّا نابضًا بالحياة يثير الذائقة الشعرية لدى المتلقيين.
وبيّن أن الشعر توجد به حكمة، فهو نتاج عقل تأملي ورؤية مختلفة ونظر وبحث ونتاج تعمق وانفتاح، وأشار إلى أن حكمة الشعر بناء جديد متميز وفريد، فيما اللغة تكون كيانًا حيًّا متحولًا وساحرًا وله سحر وعالم من الإثارة والغموض والإشارات والوهم وهو ما يكون الشعر.


وأكد أن الاحتفاء بالشعر هو احتفاء بالإنسانية وإبداعها واحتفال باللغة والفصاحة والمشاعر، متوجهًا إلى الحضور بالمشاركة في يوم الشعر العالمي.
وتضمن برنامج الأمسية محاضرة للشاعر الدكتور سعيد السريحي بعنوان "الإنسان شاعرًا" أشار فيها إلى أن المنطقة الشرقية غمرته بفضل لا يستطيع التعبير عنه بانتمائه وشعوره اتجاه أهلها، وأوضح أنه عرفها من أكثر المناطق ولعًا بالشعر والحوار والفكر، وبيّن أنها تشكل الشعر في تطلعه بالحياة وبثورته وشموخه وإنسانيته.
وذكر أنه لا فارق بين أن يكون "الإنسان شاعرًا" أو "الشاعرُ إنسانًا" وفق ما قال الشاعر" خذا بطن هرشا أو قفاها فإنه كلا جانبي هرشا لهنّ سبيل"، ونقل عن ابن عساكر قوله: "أول من قال الشعر هو آدم عليه السلام في رثاء ولده الذي قتله قابيل حيث قال: "تغيرت البلاد ومن عليها فوجه الأرض مغبر قبيح"، وأشار إلى أن ابن عساكر حرص على أن يوثق الرواية وتأكد من سندها من حيث رواها حتى بلغ بالرواية إلى ابن عباس الذي قال: "أول من قال الشعر آدم"، وفي رواية أخرى أن الإمام علي عليه السلام سئل عمن قال الشعر بدءًا فقال: "أبونا آدم".


وأشار السريحي إلى أن ابن عساكر لم يتساءل عن تلك السلسلة التي تربط ابن عباس وآدم، وأنه ربما لم يكن بحاجة لأن يوثق منقولًا عن ابن عباس وأنه لا يحتاج أن أصبح الخبر مؤكدًا لكونه منقولًا عن الإمام علي وابن عباس وهو الحريص على هذه الأمور.
وقال السريحي: من أين لآدم أن يقول شعرًا عربيًّا موزونًا مقفى وهو مناقض لما نتصوره من تكوين اللغة ونشأة الفنون؟"، وأضاف: "سهل علينا أن نرد الرواية التي تسند إلى الإمامين الجليلين ابن عباس وعلي عليه السلام، غير أن الحديث عن الشعر لا يخلو من الشعر كذلك، وإن كان ذلك ما كان لنا بد من أن نخفف من غلطات ما حكمنا به على ابن عساكر من خبر وأن نعيد النظر بها لا من مفاهيم الصحة والخطأ والصدق والكذب وإنما من حيث الدلالة التي يمكن يخفيها بين كلماته وما يمكن أن تحمله من تصور يوثق علاقة الشعر في صميم التجربة الإنسانية".


وبيّن أن الشعر أصيل في الإنسان ويلازمه كما الطبع والعادة، وأن آدم عليه السلام لم تسبقه أي تجربة شعرية سابقة لكنه انطلق في إنشاد الشعر.
ورأى السريحي أن الشعر وليد لمعاناة الإنسان وخصوصًا مع معاناة آدم عليه لخروجه من الجنة  ومشاهدة مقتل ابنه على يد ابنه الآخر، وأن هذا التغير الذي ينشأ منه الشعر  والذي يحمل دلالة الرواية استنادًا على قضية قابيل وهابيل ولفت إلى أن النص الشعري مكمل  للنص المقدس المذكور في القرآن ويسرد المعاناة وهو كشف لما هو موجود في النص المقدس.
وأشار أنه بالاستناد إلى الرواية المروية عن ابن عباس والإمام علي عليه السلام فإن الشعر يحمل قداسة ولفت إلى أن العرب كانت تقرأ الشعر على قبور موتاها قصيدة المتلمس" فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى = مساغًا لنابيه الشجاع لصمما"، وأشار إلى أن العرب كانت تتوضأ قبل أن تقرأ القصيدة.


وأوضح أن الرواية تحمل وجها آخر يتلازم فيه الشعر وما يحل بالإنسان من محن، وهو مصاب آدم عليه السلام ويجسد المعاناة والحنين إلى الفردوس المفقود، و"أن الشعر يرصد القبح في العالم كي يضعه في دائرة الوعي به وكي لا نتعايش معه ولا نتجاهله ويذكرنا أننا كائنات مقدسة تقبع على أرض مدنسة بالغبار والموت والقتل ويعيدنا إلى مأساة الإنسان المطرود من الجنة".
أوضح أن مهمة الشاعر هي هتك ستر هذا الواقع وكل ما يتأسس عليه وليس بالضرورة أن يأخذ الهتك المواجهة بل يجسد الجمال لكي يشعر المتلقي بالمقارنة بدناسة هذا العالم وبناء لعالم بديل وليس مهمته تجميل ما هو قبيح وإنما فضح القبح الذي ألفناه وأن يوقظ البشرية من التعايش مع القبح وأن يجعل الإقامة على هذه الأرض مستحيلة والاشتياق إلى عالم الفردوس المفقود.


وبين أن الشاعر عندما يستخدم اللغة في بناء عالم بديل فإن عمله يبدأ من تطهير اللغة مما يشوبها من استخدام حيث أن اللغة هي علم رباني علمه الله إلى آدم عليه السلام هي كلمة ليست التي نستخدمها في يومنا وإنما غدت أداة وتنتهي بمجرد أن نستخدمها وتموت فور استخدامها إلا أن اللغة في الشعر لغة تبقى ولا تُستخدم وإنما تَستخدم.
وأوضح أن لا سبيل من تطهير اللغة مما شابها من استخدام سوى استعادتها كما كانت تحتضن رؤية الإنسان للكون التي يعيد بها صياغة العالم من حوله وفك اللغة من حساب المنطق ونبذ الشعر للعقل الممنطق، وأن الشعر هو استعادة للغة الأم.


وفي حديث لشبكة "فجر" قال السريحي إن لكل منطقة في التعبير عن هذه المناسبة وقد لا توفق بعض المناطق ولكن الاحتفالية هنا هي احتفالية بالشعراء الذين استمعت إليهم الليلة" وأضاف: "ما يميز المنطقة ليس المناسبة وحسب وإنما الشعراء الذين استمعت إليهم والذين يمثلون نماذج رائعة ترتقي بالشعر والذائقة الشعرية"، وبخصوص اهتمام العالم العربي بالشعر فقال: "الشعر طوق النجاة وعلينا ألا ننتظر شعرًا كثيرًا في أمة تحترق ولكن تظل هناك النماذج الشعرية التي نعبر من خلالها هذا المأزق الحضاري الذي نعيشه لنعود أمة تستحق أن تكون أمة الشعر".


واحتوت الأمسية مشاركات شعرية قصيرة للشعراء إبراهيم الحسين، وعبدالمجيد الموسوي، وعبدالوهاب الفارس وحبيب المعاتيق، والتي حملت في بعضها احتفاء بالشعر وما دُوِّن مسبقًا من قصائد شعرية.
واختتمت الأمسية بتكريم المشاركين في إحياء المناسبة وتوقيع الإصدارات التابعة لشعراء الملتقى حسن المبارك وزكي السالم وناجي حرابة وعبدالله النصر ونورة النمر.
وقال الشاعر فريد النمر بخصوص الأمسية: "هي احتفائية جسدت الشعر والرؤية الشعرية في ليلتها العالمية من حيث الحضور وورقة الدكتور الفارعة التي نقشت في الذاكرة وسوف تكون رؤية جديدة للشعر" وأثنى على الشعراء الذين شاركوا في الأمسية وتوجه بالشكر إلى إدارة الملتقى.


وقال الشاعر حسن المبارك: "يوم الشعر العالمي اعتبره هو يوم الحياة واستمرارها ويوم الحب ويوم الأم والاستمرار في كل شيء جميل في الحياة".

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد