علمٌ وفكر

الحرب النفسية للصناعة التقنية على الأطفال (3)


المترجم : أبو طه / عدنان أحمد الحاجي ..

الصحوة
 الأمل في هذا الجيل الملتصق بالأجهزة قد يبدو قاتماً حتى وقت قريب، عندما تقدمت مجموعة مدهشة لانتقاد استخدام صناعة التكنولوجيا للتلاعب السايكلوجي: تنفيذيون تقنييون: تريستان هاريس Tristan Harris ، الذي كان سابقًا متخصصًا في أخلاقيات التصميم في قوقل  Google ، قد تقدم المسيرة في الكشف عن استخدام الصناعة للتصميم الاستدراجي. وقال في مقابلة أجرتها الإيكونوميست ماغازين ١٨٤٣ ، "إن مهمة هذه الشركات هي إغواء  الناس، وهم يفعلون ذلك عن طريق اختطاف مواطن ضعفنا النفسية".
وهناك مبادرة أخرى لمدير تقنية تنفيذي  رفعت إشارة الخطر حول استخدام صناعة التقنية للتلاعب بالعقول، وهو الرئيس السابق للفيسبوك شون Sean اركر. وفي مقابلة مع أكسيوس  Axios، قال: "إن عملية التفكير التي بدأت في بناء هذه التطبيقات، وكان الفيس بوك أولها ... كانت تدور حول: " كيف نستنزف الكثير من وقتك واهتمامك الواعي بقدر الإمكان؟ " أن الفيسبوك يستغل نقاط "الضعف في السايكلوحيا  البشرية" وقال، "الله وحده يعلم ما يُفعل بأدمغة أطفالنا".

يتمثل أحد المواضيع التي تطرحها هذه الشركات التقنية في أن الصناعة تستخدم تكنولوجيا الاستدراج بشكل غير عادل للحصول على عوائد ربحية. يقول تشاماث باليهابيتيا  Chamath Palihapitiya، نائب الرئيس السابق في الفيسبوك في حديث مثير للسخرية في مختبر فوغ في جامعة ستانفورد: "إن شركات الإنترنت الاستهلاكية تدور حول استغلال السايكلوجيا". "نريد أن نفهم  كيف نتعامل معك [يا فوغ] بشكل سايكلوجي في أسرع وقت ممكن ثم نعيد  لك  جرعة  الدوبامين هذه."
لو كان لديهم  أطفال يمكن أن يغير منظور مدراء التكنولوجيا التنفيذيين. يعتبر توني فادل، الذي كان يعمل في شركة أبل في السابق، أباً  لجهاز الآيباد  iPad وكذلك لمعظم أجهزة الآيفون  iPhone. وهو أيضًا مؤسس ومدير تنفيذي حالي في نيست Nest. "لم يكن لدى الكثير من المصممين والمبرمجين الذين كانوا في العشرينات من العمر عندما كنا نصنع هذه الأشياء أطفالًا. الآن، لديهم أطفال، هذه كانت ”تصريحات فادل، بينما كان يتحدث في متحف التصميم في لندن. "وهم يرون ما يحدث، ويقولون: "انتظر لحظة. "وبدأوا في إعادة النظر في قراراتهم التصميمية."
مارك بينيوفMarc Benioff، الرئيس التنفيذي لشركة الحوسبة السحابية سيلزفورس Salesforce ، هو واحد من  الأصوات التي تدعو إلى تنظيم (تقنين)  شركات التواصل  الاجتماعي وذلك بسبب إمكانيتها من إدمان الأطفال. يقول إنه كما تم تنظيم (تقنين) صناعة السجائر، كذلك ينبغي عمل ذلك في  شركات التواصل  الاجتماعي. وقال بينيوف لمحطة سي.ان.بي.سي التلفزيونية في يناير  الماضي (٢٠١٨) "أثناء وجوده في دافوس بسويسرا، في المنتدى الاقتصادي العالمي، أعتقد أن التكنولوجيا لها مشاكل إدمانية يتعين علينا معالجتها وأن مصممي هذه المنتجات يعملون على جعل هذه المنتجات أكثر إدماناً. ونريد كبح جماح ذلك قدر المستطاع".

يقول بينيوف أن أولياء الأمور  يجب أن يقوموا بدورهم للحد من أجهزة أطفالهم، ومع ذلك، "إذا كانت هناك ميزة غير عادلة أو أشياء غير مفهومة من قبل أولياء الأمور، عندئذ يجب على الحكومة أن تتقدم وتسلط الضوء على ذلك". الملايين من أولياء الأمور، على سبيل المثال، والديّ كيلي المريضة، ليس لديهم أي فكرة على الإطلاق عن أجهزة تُستخدم لتختطف عقول أطفالهم وحياتهم، وأن تنظيم (تقنين)  هذه الممارسات هو الشيء الصحيح الذي ينبغي عمله.
مجموعة أخرى غير محتملة للتحدث نيابة عن الأطفال هم مستثمرو التكنولوجيا. وفي الآونة الأخيرة، مالكو أسهم شركة أبل الكبرى - ، وهي الشركات الاستثمارية، جانا بارتنرز ونظام التقاعد الخاص بمعلمي ولاية كاليفورنيا، واللتان تملكان مجتمعتين ملياري دولار في أسهم الشركة، أثارت مخاوف من أن التصميم الاستدراجي يسهم في معاناة الأطفال. وفي رسالة مفتوحة إلى شركة آبل، قام المستثمرون، بالتعاون مع خبراء رواد في مجال تكنولوجيا الأطفال، بتقديم أدلة تفصيلية على أن استخدام الأطفال المفرط للهواتف والأجهزة يؤدي إلى زيادة خطر الإصابة بالاكتئاب وعوامل خطر الانتحار. على وجه التحديد، محملينهم التأثير المدمر للتكنولوجيا الإستدراجية، تقول الرسالة: "ليس سراً أيضًا أن المواقع والتطبيقات الخاصة بالوسائط الاجتماعية التي يكون فيها جهاز iPhone و iPad بوابة رئيسية، عادة ما تكون مصممة لتكون إدمانية ومضيعة  للوقت إلى حد  كبير. "


الذهاب إلى مستوى أهبط

كيف استجابت صناعة التكنولوجيا الاستهلاكية لدعوات التغيير هذه؟ بالذهاب حتى إلى أهبط من ذلك. أطلقت فيسبوك Facebook مؤخرًا تطبيق ماسينجر الأطفال Messenger Kids ، وهو تطبيق وسائط تواصل اجتماعي سيصل إلى أطفال لا تتجاوز أعمارهم خمس سنوات. مما يشير إلى أن التصميم الاستدراجي الضار يركز  الآن على الأطفال الصغار جدًّا هو إعلان مدير فن الأطفال التابع لماسينجر، شيو بى لوه، "نريد أن نساعد على تعزيز التواصل [على الفيسبوك] ونجعل هذا أكثر الأشياء إثارة تريد أن تقوم به. "
تعكس رؤية  ال"فيسبوك" الضيقة الأفق الخاصة بالطفولة، كيف أن الشبكة الاجتماعية وشركات التكنولوجيا الاستهلاكية الأخرى بعيدة كل البعد عن حاجات الجيل المتزايد في الاضطراب. يجب أن يكون "الشيء المثير" بالنسبة للأطفال الصغار قضاء وقت مع العائلة، واللعب في الخارج، والانخراط في اللعب الإبداعي، وغير ذلك من التجارب التنموية الحيوية - وليس الانجرار إلى دوامة وسائل التواصل الاجتماعية على الهواتف أو الأجهزة اللوحية. وعلاوة على ذلك، يقوم برنامج ماسينجر كيدز" Facebook Messenger Kids بإعطاء بداية مبكرة للحياة اللصيقة بالأجهزة على وسائل التواصل الاجتماعي التي نعرف بأنها تنطوي على مخاطر الاكتئاب والسلوك المتعلق بالانتحار للأطفال الأكبر سنًّا.
ردًّا على إطلاق ماسنجر الفيسبوك للأطفال- ماسينجر كيدز"  Facebook’s Messenger Kids، أرسلت الحملة من أجل طفولة خالية من الإعلانات التجارية (CCFC)  إلى الفيسبوك رسالة موقعة من العديد من المدافعين عن الصحة تدعو الشركة إلى سحب التطبيق. لم تجب الفيسبوك Facebook بعد على الرسالة وبدلاً عن ذلك استمرت  في تسويق "ماسينجر كيدز" للأطفال الصغار بقوة.


صمت المهنة
في الوقت الذي يصرخ فيه المسؤولون التنفيذيون والمستثمرون من التلاعب السايكلوجي لصناعة التونكلوجيا بالأطفال، فإن جمعية علم النفس الأمريكية (APA) - المكلفة بحماية الأطفال والأسر من الممارسات النفسية الضارة - كانت صامتة بشكل أساسي حول هذه المسألة. هذا لا يوحي بالخبث. وبدلاً من ذلك، فإن قيادة APA - شأنها شأن أولياء الأمور - ليست واعية على الأرجح من استخدام صناعة التكنولوجيا المشوه للسايكلوجيا. ومع ذلك، هناك مفارقة، في حين  يسترشد علماء النفس وأدواتهم القوية بالأخلاق، لكن الرؤساء التنفيذيين والمستثمرين التقنيين ليسوا كذلك.
إن الكود  code الأخلاقي لل APA ، وهي  الجمعية المهنية الرئيسية الأمريكية للسايكلوجيا، واضح تمامًا: "يسعى علماء النفس إلى إفادة أولئك الذين يعملون معهم ويحرصون على عدم الإضرار". وعلاوة على ذلك، تتطلب المعايير الأخلاقية  لل APA من المهنة بذل الجهود لتصحيح "سوء  استخدام" عمل علماء النفس، والتي من شأنها أن تشمل تطبيق تقنيات فوغ  BJ Fogg الإستدراجية  للتأثير على الأطفال بما هو ضد مصالحهم الفضلى. حتى أن القانون يوفر حماية خاصة للأطفال لأن "مواضع ضعفهم التنموية تضر بصنع القرار المستقل".
إن التلاعب بالأطفال من أجل الربح دون موافقتهم أو موافقة أولياء أمورهم، ودفع  الأطفال إلى قضاء المزيد من الوقت على الأجهزة التي تتسبب في مشاكل عاطفية وأكاديمية هو تجسيد لممارسة سايكلوجية غير أخلاقية. شركات وادي السليكون  والشركات الاستثمارية التي تدعمها مأهولة  بشكل كبير من قبل رجال بيض من ذوي امتيازات عالية يستخدمون تقنيات مؤثرة على  العقل للسيطرة على حياة أطفال لا حول لهم ولا قوة. معالجاً  لهذا الظلم  يقول تريستان هاريس: "لم يحدث سابقاً في التاريخ، أن كانت ل  ٥٠ شخصًا معظمهم من الرجال، وأعمارهم من ٢٠ إلى ٣٥، ومعظمهم من مهندسي التصميم  على  بعد  ٥٠  ميلًا من المكان الذي نحن فيه الآن [وادي السليكون] ،  السيطرة على ما يفكر به ويفعله مليار من الناس،  كان هاريس يسرد مقتطفًا من العرض  الذي قدمه أثناء وجوده في قوقل  Google في مقابلة مع الصحفية كارا سويشر عن برنامجها  التلفزيوني  Recode Decode في فبراير ٢٠١٧.
قد يجادل البعض بأنه من مسؤولية أولياء الأمور حماية أطفالهم من خداع صناعة التكنولوجيا. ومع ذلك، لا يمتلك أولياء الأمور أي فكرة عن القوى القوية المتحالفة ضدهم، ولا يعرفون كيف يتم تطوير تقنيات بتأثيرات تشبه المخدرات لجذب عقول الأطفال. لا يستطيع أولياء الأمور ببساطة حماية أطفالهم أو المراهقين من شيء مخفي وغير معروف لهم.

يدعي آخرون أنه لا ينبغي القيام بأي شيء لأن القصد من وراء التصميم الاستدراجي هو بناء منتجات أفضل، وليس التلاعب بالأطفال. في الواقع، بالنسبة لأولئك الذين يعملون في مجالات تجربة المستخدم (مزيد من التفاصيل عن تجربة المستخدم من خارج النص على هذا العنوان https://ar.m.wikipedia.org/wiki/تجربة_المستخدم)  والإستدراج، أنا متأكد من عدم وجود نية لإلحاق الأذى بالأطفال. كانت التبعات السلبية للتكنولوجيا الاستدراجية بالنسبة للجزء الأكبر عرَضيًا، وهي نتيجة ثانوية مؤسفة لعملية تصميم تنافسية استثنائية. ومع ذلك، توجد ظروف مشابهة في صناعة السجائر، حيث أن شركات التبغ هدفها هو ربحها من بيع منتجاتها، وليس إيذاء الأطفال. ومع ذلك، ولأن السجائر والتصميم الاستدراجي يضران بالأطفال بشكل متنبأ به، يجب اتخاذ إجراءات لحماية الأطفال من آثارهما.


ضمير في عصر الآلات
منذ بدايته، يعمل مجال التكنولوجيا الاستدراجية في فراغ أخلاقي. والمأساة الناتجة ليست بمفاجئة.
في الحقيقة، لقد تم الاعتراف بالقدرة الضارة لاستخدام التصميم الاستدراجي منذ وقت طويل. يقول فوغ نفسه في مقال نشر في دورية عام ١٩٩٩، "أجهزة الكمبيوتر الاستدراجية يمكن استخدامها لأغراض مدمرة.  الجانب المظلم لتغيير الأمزجة والسلوكيات يؤدي إلى التلاعب والعنف". وفي ورقة أكاديمية عام ١٩٩٨، يصف فوغ Fogg ما ينبغي أن يحدث إذا سارت الأمور بشكل خاطئ، قائلاً، لو أعتبرت التقنيات الاستدراجية" ضارة أو مشكوكاً فيها في بعض الجوانب، فيجب على الباحث حينئذ اتخاذ إجراء اجتماعياً  أو الدعوة إلى أن يقوم الآخرون بذلك ".
وفي الآونة الأخيرة، اعترف فوغ  Foggبالفعل بالآثار السيئة للتصميم الاستدراجي. في مقابلة أجراها إيان ليسلي في عام ٢٠١٦  للإيكونوميست ماغازين  1843، يقول فوغ: "أنظر إلى بعض طلابي السابقين وأتساءل ما إذا كانوا  يحاولون جعل العالم أفضل مما هو عليه، أو يحاولون كسب الأموال". وفي  مقابلته مع ماغازين  032c ، حيث اعترف قائلاً: "لو  نظرت إلى المطاعم، ستجد تقريباً أن  الكل واضعين هواتفهم  على الطاولة، وهم يبتعدون باستمرار عن التفاعل المباشر مع الشخص الآخر وجهاً لوجه - أعتقد أن هذا أمر سيئ ومع ذلك، لم يتخذ فوغ Fogg أي إجراء ذي مغزى لمساعدة أولئك المصابين بالأمراض التي أصبح هو أباً لها (سبباً لها). ولم يكن لدى من يشغلون مناصب في السلطة، باستثناء  مدراء تنفيذيين في مجال التكنولوجيا، أي شيء للحد من الاستخدام التلاعبي  والعنفي للأجهزة الرقمية المضادة للأطفال والمراهقين.

إذن ، كيف يمكن حماية الأطفال من استخدام صناعة التكنولوجيا للتصميم الاستدراجي؟ أقترح التوجه إلى توجيهات الرئيس جون كنيدي المتميزة: قال إن التكنولوجيا "ليس لها وعي خاص بها. "ما إذا كانت ستصبح قوة للخير أو الشر، فهذا يعتمد على الإنسان". أعتقد أن وظيفة علم النفس، مع معرفته  للعقل وكود code الأخلاق كمرشد ، يمكن أن يتقدم ليصبح موجهاً  واعياً لكيف تتفاعل شركات التكنولوجيا مع الأطفال والمراهقين .
يجب أن تبدأ APA بالمطالبة بإخراج أساليب التلاعب السلوكي في صناعة التكنولوجيا من الظل وتعريضها لضوء وعي  الناس. يجب إجراء تغييرات في قانون أخلاقيات ال APA من أجل منع علماء النفس من التلاعب بالأطفال باستخدام الآلات الرقمية تحديدًا، خاصةً لو كان هذا التأثير يمثل خطراً  على مصالحهم. علاوة على ذلك، يجب أن تتبع APA معاييرها الأخلاقية من خلال بذل جهود قوية لتصحيح سوء استخدام الاستدراج النفسي من جانب صناعة التكنولوجيا ومن قبل مصممي تجربة المستخدم خارج مجال علم النفس.
هناك ما هو أكثر لما يمكن لوظيفة علم النفس أن تقوم ويجب أن تقوم به لحماية الأطفال ومعالجة الضرر الذي يـُفعل بالأطفال. يجب أن تنضم إلى المسؤولين التنفيذيين في مجال التكنولوجيا الذين يطالبون بتقنين (بتنظيم( التصميم الاستدراجي  لمنتجات التكنولوجيا للأطفال. كما يجب APA أن تجعل صوتها القوي مسموعًا بين الجوقة المتنامية التي تدعو شركات التكنولوجيا التي تستغل عمداً نقاط ضعف الأطفال. ويجب على APA بذل جهود أقوى وأكثر جرأة لتثقيف أولياء الأمور والمدارس وزملاء الأطفال الآخرين عن أضرار الإفراط في استخدام الأطفال للأجهزة الرقمية.
مع كل يوم يمر، يتم نشر تقنيات استدراجية جديدة وأكثر تأثيراً للاستفادة بشكل أفضل من حدود القدرات المتأصلة للأطفال والمراهقين. وظيفة علم النفس ينبغي أن تصر في هذا العصر الجديد على أن تستخدم أدواتها لتحسين صحة الأطفال ورفاههم بدلاً من إعاقتهم. من خلال إصدار بيان قوي ضد الاستخدام الاستغلالي للتصميم الاستدراجي، يمكن أن تساعد APA ووظيفة علم النفس في توفير الوعي اللازم لتوجيهنا في عصر الآلات الرقمية القوية بشكل خطير .

المصدر
https://medium.com/s/story/the-tech-industrys-psychological-war-on-kids-c452870464ce

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد