علمٌ وفكر

تعرّف باحثون على نوع جديد من خلايا الدماغ البشري


المترجم : أبو طه/ عدنان أحمد الحاجي

أحد أكثر الأسئلة إثارة للفضول حول الدماغ البشري هي أيضًا أحد أصعب الأسئلة التي ينبغي أن يجيب عليها علماء الأعصاب: ما الذي يميز أدمغتنا عن أدمغة الحيوانات الأخرى؟
"نحن لا نفهم بالفعل ما الذي يجعل الدماغ البشري دماغاً خاصًّا"، كما قال الدكتور إد لين Ed Lein,، باحث في معهد ألن Allen لعلوم الدماغ. "تعد دراسة الاختلافات على مستوى الخلايا والدارات circuits مكانًا جيدًا للبدء، والآن أصبح لدينا أدوات جديدة لعمل ذلك".
في دراسة جديدة نُشرت في ٢٧ أغسطس ٢٠١٨ في مجلة نتشر نيروساينس Nature Neuroscience ، يكشف لين وزملاؤه عن أحد الإجابات المحتملة على هذا السؤال الصعب. فريق البحث، الذي شارك في رئاسته لين جابور تاماس Gábor Tamás,، دكتوراه في علم الأعصاب بجامعة سيغيد Szeged في مدينة سيغيد، بالمجر (هنغاريا)، عن نوع جديد من خلايا الدماغ البشري التي لم يسبق رؤيتها في الفئران وغيرها من حيوانات المختبر التي درست جيداً.
أطلق  تاماس وطالب الدكتوراه ايزتر بولدوغ من جامعة سيغد على هذه الخلايا الجديدة مسمى  "عصبونات ثمرة الزهرة neurons rosehip" - بالنسبة إليهما ، الحزمة الكثيفة التي يشكلها كل محور خلية عصبية في الدماغ حول مركز الخلية تشبه الزهرة  بعد أن تتساقط  (تنحسر) بتلاتها. تنتمي الخلايا المكتشفة حديثًا إلى فئة من العصبونات تعرف باسم الخلايا العصبية المثبطة، والتي تضع مكابح على نشاط الخلايا العصبية الأخرى في الدماغ.
وقال تاماس إن الباحثين لم يفهموا بعد ما الذي قد تفعله هذه الخلايا في الدماغ البشري، لكن غيابها في الفأر يشير إلى مدى صعوبة نمذجة أمراض الدماغ البشرية في حيوانات التجارب. تماس قال إن الخطوات التالية مباشرة تتمثل لأحد زملائه في  فريقه المختبري هي في البحث عن عصبونات ثمرة الزهرة في عينات دماغية بعد الوفاة من أشخاص يعانون من اضطرابات عصبية نفسية لمعرفة ما إذا كانت هذه الخلايا المتخصصة قد تتغير في الأمراض البشرية.

عندما تلتقي تقنيات مختلفة معاً
في دراستهم، استخدم الباحثون عينات أنسجة من دماغين بعد الوفاة لرجلين في الخمسينات من العمر ماتا وتُبرع بأجسامهم للبحث. أخذوا شرائح من الطبقة العليا من القشرة، وهي المنطقة الأكثر خارجية  من الدماغ المسؤولة عن الوعي البشري والعديد من الوظائف الأخرى التي نعتقد أنها فريدة من نوعها بالنسبة لأنواعنا species. إنها أكبر بكثير مقارنة بحجم جسمنا، من الحيوانات الأخرى.
"إنه الجزء الأكثر تعقيداً من الدماغ، وقُبل عموماً على أن يكون الهيكل الأكثر تعقيدا في الطبيعة"، كما قال لين.
 مختبر أبحاث تاماس في هنغاريا يدرس دماغ الإنسان مستخدمًا مقاربة كلاسيكية إلى علوم الأعصاب، حيث يجري فحوصات تفصيلية لأشكال الخلايا وخصائصها الكهربائية. وفي معهد ألن Allen ، يقود لين فريقًا يعمل على الكشف عن مجموعة الجينات التي تجعل خلايا الدماغ البشرية متميزة عن بعضها البعض وعن خلايا الدماغ للفئران.
قبل عدة سنوات ، زار تاماس معهد ألن Allen لإلقاء محاضرة في  أحدث أبحاثه حول أنواع خلايا الدماغ البشرية المتخصصة، وسرعان ما رأت المجموعتان البحثيتان أنهما اكتشفتا  نفس الخلية باستخدام تقنيات مختلفة للغاية.
"لقد أدركنا أننا كنا نتقارب نحو نفس النوع من الخلايا من وجهات نظر مختلفة تمامًا"، قال تاماس. لذلك قرروا التعاون فيما بينهم.

 مجموعة معهد ألن، وبالتعاون مع باحثين من معهد جي كريج فنتر Craig Venter ، وجدت أن خلايا ثمرة الزهرة  تشغّل turn on مجموعة فريدة من الجينات، وهي نمط جيني (بصمة جينية) لم تظهر في أي من أنواع خلايا دماغ الفأر التي قاموا بدراستها. وجد الباحثون في جامعة سيغيد أن عصبونات ثمرة الزهرة تشكل مشابك عصبية مع نوع آخر من الخلايا العصبية في جزء مختلف من القشرة الدماغية البشرية، والمعروفة باسم الخلايا العصبية (العصبونات) الهرمية.
هذه واحدة من الدراسات الأولى لقشرة الدماغ البشري التي تجمع بين هذه التقنيات المختلفة لدراسة أنواع الخلايا، كما قالت الدكتورة ريبيكا هودج، باحثة عليا في معهد ألن لعلوم الدماغ ومؤلفة في الدراسة.
قالت هودج: "وحدها هذه التقنيات كلها قوية، لكنها تعطيك صورة غير مكتملة لما قد تفعله الخلية". "وإذا اجتمعت هذه التقنيات معاً، تكشف عن  أشياء تكاملية عن الخلية والتي ربما تتمكن من أن  تخبرك كيف تعمل في الدماغ".
ما يبدو أنه فريد من نوعه في عصبونات ثمرة  الزهرة  هو أنها تلتصق  فقط في جزء محدد من شريكها الخليوي، مما يشير  إلى أنهما قد يتحكمان في تدفق المعلومات بطريقة متخصصة للغاية.

لو اعتبرت أن جميع العصبونات المثبطة مكابح في سيارة، فإن من شأن عصبونات ثمرة الزهرة أن تجعل سيارتك تتوقف في أماكن محددة للغاية في المسار الذي تقود سيارتك عليه، كما قال تاماس. ستكون كمكابح  تعمل فقط في  بقالة، على سبيل المثال، وليس كل السيارات (أو أدمغة الحيوانات) لديها هذه المكابح .
"هذا النوع من الخلايا - أو نوع السيارة - يمكن أن يتوقف في أماكن لا يمكن أن تتوقف فيها أنواع الخلايا الأخرى"، كما قال تاماس. "لا يمكن أن تتوقف أنواع السيارات أو الخلايا المشاركة في حركة دماغ القوارض في هذه الأماكن."
والخطوة التالية للباحثين هي البحث عن عصبونات ثمرة الزهرة في أجزاء أخرى من الدماغ، واستكشاف دورها المحتمل في اضطرابات الدماغ. على الرغم من أن العلماء لا يعرفون بعد ما إذا كانت عصبونات ثمرة الزهرة فريدة من نوعها بالنسبة إلى البشر، فإن حقيقة أنها لا تظهر في القوارض هي ضربة أخرى ضد فئران المختبر كنموذج مثالي يستخدم لنمذجة الأمراض  البشرية - خاصة للأمراض العصبية، كما قال الباحثون.
"إن أدمغتنا ليست مجرد أدمغة فئران  مكبرة"، كما يقول الدكتور تريغف باكن، وباحث أعلى في معهد ألن لعلوم الدماغ ومؤلف في الدراسة. "لقد كتب الناس تعليقات على هذا الأمر لسنوات عديدة، لكن هذه الدراسة تناولت المشكلة  من عدة زوايا".
وقال تاماس: "العديد من أعضائنا يمكن نمذجتها بنحو معقول في نموذج حيواني". لكن ما يميزنا عن بقية المملكة الحيوانية هو قدرة  دماغنا ونتاجه. وهذا ما يجعلنا بشرًا. لذلك تبين أن من الصعب للغاية النمذجة في جهاز حيواني".

المصدر:
https://www.alleninstitute.org/what-we-do/brain-science/news-press/articles/scientists-identify-new-kind-human-brain-cell

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد