علمٌ وفكر

كيف يثبت هلال الشهر الهجري؟

        
قبل أن يبدأ المكلّف بصوم شهر رمضان، أي يصوم بنيّة شهر رمضان لا بُدّ أن يثبت عنده شرعاً دخول شهر رمضان، وأنّ هذا اليوم هو أوّل أيّام شهر رمضان، وهو المسمّى بيوم الشكّ، وذلك لاحتمال أن يكون هذا اليوم هو اليوم الثلاثون من شهر شعبان، ولمعرفة دخول شهر رمضان، وتشخيص يوم الشكّ وأنّه من شهر رمضان، هناك طرق شرعيّة لإثبات بداية الشهر الهجريّ، ومنه شهر رمضان وهي:
1- الرؤية المباشرة من قبل نفس المكلّف: وهو المسمّى بالاستهلال، حيث يقوم المكلّف عند غروب اليوم التاسع والعشرين من شهر شعبان مثلاً بالاستهلال ومراقبة ظهور هلال شهر رمضان من جهة المغرب، فإذا رأى الهلال وتيقّن به كان اليوم التالي بالنسبة إليه هو أوّل أيّام شهر رمضان فيصومه بهذه النيّة.
ويلحق بالرؤية البصريّة الرؤية بالمنظار أو التلسكوب لصدق عنوان الرؤية عليه، وأمّا التقاط صورة الهلال بواسطة الكمبيوتر ونحوه ممّا لا يعلم صدق عنوان الرؤية عليه فليست من الرؤية الشرعيّة وقال دام ظله : فيه إشكال.
2- التواتر المفيد للعلم: والمُراد به إخبار جماعة كثيرة بثبوت الهلال بحيث يوجب إخبارهم العلم واليقين عندنا بثبوت الهلال.
3- الشياع المفيد للعلم: والمقصود به أن يشيع بين الناس ثبوت الهلال بحيث يوجب العلم واليقين عندنا بثبوته. فما لم يصل إلى درجة العلم لا حجيّة له.
4- مُضي ثلاثين يوماً: من الشهر السابق كشعبان، وهذا فيما لو لم يثبت الهلال عند غروب اليوم التاسع والعشرين، فيكمل الشهر إلى ثلاثين، وبعده يكون الشهر الجديد لأنّ الشهر الهجريّ لا ينقص عن 29 يوماً ولا يزيد عن 30 يوماً.
5- البيّنة الشرعيّة: وهي عبارة عن شهادة رجلين عدلين بالرؤية، ولا يكفي مجرّد شهادة مطلق رجلين.
6- حكم الحاكم: بثبوت الشهر أو الهلال، وحكمه لا يختصّ بمقلّديه بل هو حُجّة حتّى على حاكم آخر إذا كان يرى ثبوت الهلال بحكم الحاكم .
مسألة 1: قبول حكم الحاكم وحجيّته في ثبوت الهلال موقوف على توفّر أمرين:
الأوّل: أن لا يُعلم خطأ الحاكم في حكمه أمّا إذا عُلِمَ بخطئه فلا حجيّة له، مثل أن يكون حكمه مخالفاً للواقع كما لو حكم بالهلال مع القطع بعدم تماميّة الشهر 29 يوماً، فهو خطأٌ؛ للقطع بأنّ الشهر الهجريّ لا ينقص عن 29 يوماً.
الثاني: أن لا يعلم خطأ مستنده. أمّا إذا عُلِم خطأ مستنده كما لو استند إلى الشّياع مع إفادته الظنّ لا العلم مع أنّ الحاكم لا يقول بحجيّة هكذا شياع، لكنّه اشتبه الأمر عليه، فهنا لا حجيّة لحكمه حينئذٍ. بعبارة أخرى يكون الحاكم قد استند إلى الشياع الظنّي، وهو ليس بحجّة أبدًا حتّى عنده، فالمستند للحكم كان خطأً.

مسائل متعلّقة برؤية الهلال:
مسألة1: لا يثبت الهلال بشهادة النساء أبداً، مهما كان عددهنّ، ولا بشهادة رجل وامرأتين، ولا بشهادة رجل واحد مع يمينه.
مسألة2: شهادة العدلين لا بدّ أن تكون على الرؤية الحسيّة أي الرؤية بالعين المجرّدة أو بواسطة الآلات كالمنظار كما تقدّم.
أمّا لو كانت شهادتهما علميّة بحتة كاعتمادهما على الحسابات الفلكيّة والجداول العلميّة فلا يُعتَدُّ بها.
مسألة3: يكفي في حجيّة البيّنة أن تقوم عند المكلّف وتثبت لديه سواء ثبتت عند الحاكم الشرعيّ أم لا، كما لو كان الشاهدان عدلين عند المكلّف، غير عدلين عند الحاكم، ويمكن العكس.
مسألة4: يكفي في قبول شهادة العدلين بالرؤية أن يطلق أحدهما فيقول: رأيت الهلال، دون وصفه بأيّ وصف. ويقول الآخر رأيته كذا وكذا فيصفه بما لا يخالف الواقع.
مسألة5: لو وصف أحد الشاهدين أو كلاهما الهلال بما يخالف الواقع لم تُسمع شهادتهما كأن يقولا: أنّه محدودب وحدبته إلى السماء على هذا الشكل رسمة هلال معكوس عكس ما يُرى في أوائل الشهر.
مسألة6: لو توافقا على أصل الرؤية لكن اختلفا في الأوصاف الخارجيّة التي يُحتمل فيها اختلاف التشخيص فقال أحدهما: رأيته مرتفعاً، وقال الآخر: رأيته دون هذا الارتفاع، أو قال: رأيته مطوّقاً بخيط من نور، وقال الآخر: رأيته دون تطوّق، وأمثال هذه الأمور ممّا يُحتمل فيها الإختلاف في التشخيص، لا يضرّ ذلك في قبول الشهادة. نعم إذا كان الاختلاف بينهما اختلافاً فاحشاً كأن يقول أحدهما: رأيته مرتفعاً جدّاً، وقال الآخر: رأيته منخفضاً جدّاً، لم تُقبل شهادتهما لاستبعاد هذا التفاوت الكبير في التشخيص.
مسألة7: إذا وُجدت بيّنتان مختلفتان في ثبوت الهلال فهنا صورتان:
الأوّلى: أن يكون الاختلاف بينهما بالنّفي والإثبات، أي إحداهما تثبت الهلال والأخرى تثبت عدمه، فالحكم هو سقوطهما عن الاعتبار، والرجوع إلى دليل آخر. فما لم يثبت الهلال بطريق آخر وجب إتمام الثلاثين يوماً استصحاباً لبقاء الشهر إلى الثلاثين.
الثانية: أن يكون الاختلاف بين الثبوت وعدم العلم بالثبوت، أي إحداهما تثبت الهلال والأخرى لا تنفي ولا تثبت، ولكن تقول: لم نرَ الهلال. فيُؤخذ بشهادة المثبت إذا كان الشاهدان عدلين.
مسألة8: إذا كان الطقس صاحياً وصافياً تماماً، واستهلّ النّاس وحصل تكاذب بينهم لجهة الرؤية وعدمها، وشهد عدلان بالرؤية أشكل قبول شهادتهما حينئذٍ لاحتمال اشتباههما بنحو قويّ، فالأحوط وجوباً عدم الاعتناء بشهادتهما.
مسألة9: لو ثبت الهلال في بلدٍ يكفي ذلك في ثبوته في بلدٍ آخر إذا توافقا في الأفق واتّحدا فيه، والمقصود به: وقوع البلدين على خطّ الطول الواحد باصطلاح علم الهيئة.
وكذلك لو رُؤيَ في البلدان الشرقيّة ثبت في البلدان الواقعة غرباً إذا كانت الرؤية فيها بنحو أولى، وهذا يختلف باختلاف مواقع البلدان على مدار السنة، فإذا رُؤيَ شرقاً حينئذٍ لازمه الرؤية غرباً فيثبُت ولو لم يُرَ فعلاً.
نعم في اتّحاد الأفق لا يعتبر الشرق والغرب، فقد يثبت في البلد الشرقي إذا رُؤيَ في البلد الغربيّ، وذلك إذا لم يكن الإختلاف بين أفق البلدين بحيث لا يصدق عليه التوافق أو التقارب في الأفق.

الطرق التي لا يثبت بها الهلال:
1- قول المنجّمين والفلكيّين فلا حجيّة له أبداً، إلا أن يفيد اليقين بثبوت الهلال، ولا يكفي اليقين بالتولّد من قول الفلكيّين.
2- تطوّق الهلال في الليلة الثانية الذي جعله بعض الفقهاء دليلاً على كون اليوم السابق أوّل أيّام الشهر، والمقصود به اتّصال طرفي الهلال بخيط رفيع من النور يُرى بشكل واضح.
3- غيبوبة الهلال بعد الحُمرة المغربيّة التي تسمّى بالشّفق أيضاً، الذي جعله بعضهم علامة على كون اليوم السابق أوّل أيّام الشهر.
مسألة1: ما يُذاع على التلفزيون أو المذياع من ثبوت أوّل الشهر يمكن الاعتماد عليه إذا أفاد الإطمئنان بثبوت الهلال بالرؤية أو بحكم الوليّ الفقيه.
مسألة2: إذا كان حكم الحاكم شاملاً لجميع البلاد، كان حكمه معتبراً شرعاً للجميع.
مسألة3: لا اعتبار شرعاً لحجم الهلال وارتفاعه أو انخفاضه، سعته أو ضيقه لجهة كونه لليلة أو ليلتين، فإنّ ذلك ممّا لم يدلّ دليل شرعي على ثبوت الهلال به. نعم ما أفاد علماً بثبوت الهلال كان حجّة لحجيّة العلم مع غضّ النّظر عن سببه.
ــــــــــ
*فقه الصوم، سلسلة الفقه الموضوعي، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد