علمٌ وفكر

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد عباس نور الدين
عن الكاتب :
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران: الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه.

ضرورة رواج التعمق الفكري

 

السيد عباس نورالدين 

هل يوجد في حياتكم شيء كالتعمق الفكري؟ لأنه قد يُعدّ ميزة أساسية وفارقًا نوعيًّا في الشخصية. 
إنّ التعمّق الفكري ينشأ من فطرة الإنسان الباحثة عن الحقيقة. وأينما وجد هذا الإنسان الفطري مجالًا للمعرفة فإنّه يلج فيه والتعمق الفكري يرتبط بظواهر الوجود التي لا حدّ لعجائبها ولا منتهى لأسرارها. 
حين يكون الإنسان مهتمًّا بالفكر والتعمق بواسطة إعمال التفكر، فهو لا يتوقف عند ظواهر الأشياء ولا يقبل بأن ينظر إلى الأمور من السطح فقط؛ وهذا دليل على أنّه إنسان فطري، إنسان يعيش إنسانيته، وهو ينسجم مع الخلقة الإلهية، ومع إرادة ربّه منه، وبالتالي فهو منسجم مع الله سبحانه وتعالى. 
لأجل ذلك ينبغي أن نتوقّف أولًا لمعرفة ما هو المقصود من التعمق الفكري؛ ومن ثمّ نتعرف إلى كيفية السير في هذا الاتجاه. 
التعمّق الفكري يرتبط بالبحث عن أسرار وخبايا وخفايا أي ظاهرة أو قضية يمكن أن يواجهها الإنسان؛ هذا بالإضافة إلى أنّ التعمّق الفكري من شأنه أن يفتح على الإنسان أبواب الكثير من القضايا المجهولة. فالمتعمق بفكره لا يرضى بأن تكون حياته سطحية وهامشية، خصوصًا حين يرى الوجود وهذا الكون بما فيه من حوادث وظواهر مليئًا بالقضايا المثيرة والعجائب المدهشة، وهذا ما يحفز على التفكر فيما وراء الأشياء لمعرفة أسبابها وعللها.
إنّ التعمق الفكري يعني أن يركّز الإنسان تفكيره باتّجاه قضية ما ليتعرّف على أبعادها الخفية، وبذلك قد يُكتب له التوفيق في إدراك حقيقة الأسباب ومنها يتصل بالغايات.
من هنا يكون التعمّق الفكريّ وسيلة لتحديد العلل الأولى والأسباب الأولية؛  فإذا تفكر بظاهرة الفقر في المجتمعات البشرية، فإنّه لا يكتفي بما يُعرض أو يُقال حول البطالة وانتقال المصانع وضعف الدولة؛ وإذا تفكر في ظاهرة انتشار لهو الحديث من الغِناء أو الرقص فإنّه لا يرضى بأقل من أن يدرك العوامل التي تقف وراءها؛ وحين يسمع عن الذكاء الاصطناعي وأنّ العالم مقبل على عصر تحكمه الآلات، فإنّه لا يكتفي بما يشاهده في الأفلام؛ وهكذا..


المتعمق بفكره يبحث عن الأسباب لاستشراف المستقبل والآفاق وبهذه الطريقة يتقدم على طريق الفاعلية والتأثير الإيجابي على الآخرين. فهو شخص لا ينخدع بالظواهر ولا تنطلي عليه الأحابيل، ولا يغرق في شبر من الماء.
ولأجل ذلك، فإنّ مجتمعنا بأمسّ الحاجة إلى التعمّق الفكري، لأنّه يواجه ظاهرة خطرة هي ظاهرة الغزو الثقافي بكل أشكاله، في الوقت الذي تعشعش فيه حالة الانبهار وغلبة الأوهام، ولا يمكن الخروج من كل هذه الحالات السلبية إلا بالوعي والبصيرة التي تتحقّق بواسطة التعمق.
أجل، إنّ الدافع الأول للتعمّق الفكري هو أمر فطري، يتعزز بالتجربة والمعايشة وذلك حين يكتشف المتعمّق بفكره أمورًا لا يعرفها الآخرون ويدرك تأثير ذلك على حياته أولًا. 
بيد أنّ للأوضاع الاجتماعية دورًا مهمًّا في تعزيز هذه الحالة والحث على التعمق الفكري، مثلما أنّها قد تكون سببًا في موته وإلغائه. ففي بعض المجتمعات يكون للمتعمّق بفكره موقع الريادة، وفي بعضها الآخر قد يعاني الأمرّين، لأنّ الناس لا يريدون أن يفتحوا أبصارهم ويكتشفوا الحقيقة؛ تزعجهم الحقائق التي لم يعتادوا عليها أو التي تتطلب منهم أن يقوموا بأفعال ومبادرات ونشاطات زائدة عمّا يقومون به. ولذلك فإنّ للنظام الاجتماعي السائد أكبرَ الأثر في تعزيز هذه الحالة أو التشجيع عليها أو العكس. فإن أردنا أن نعمل على تقوية هذا الجانب لدى أبناء مجتمعنا، فعلينا العمل على إيجاد مجالات حيوية يتمكن المتعمقون من أهل الفكر من التعبير والمشاركة والتأثير، ويكون لنتاجاتهم المختلفة حضورٌ في الساحات الإعلامية وغيرها، حتى يتردد صداها في الآفاق. إنّ إهمال المتعمّقين المفكّرين يُعدّ ضربة قاصمة للتفكر والفكر الإنساني. 
إنّ الفارق النوعي بين دراسة العقيدة وفق منهج الفلسفة والعرفان وبين الفكر، هو أنّ الفكر غالبًا ما يرتبط بالظواهر المُعاشة في الزمان والمكان. في حين أنّ تلك الدراسات ترتبط بالوجود على نحوٍ كلّي؛ وهي مفيدة وضرورية ولا شك، لكنّ المفكّر يتميّز عن الفيلسوف البحت  في سعيه لمعرفة آثار وظواهر هذه الحقائق التي درسها وتعرف إليها على نحوٍ كليٍّ وذلك في آفاق الحياة وفي القضايا التي تحدث أمامه أو في الخفاء. وهنا يأتي دور المفكر ليجعل من قضايا العقيدة فكرًا يمكن أن يتلمسه الناس ويدركوا آثاره.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد