الشيخ محمد مصباح يزدي
4ـ وجوب احترام قيم ومقدسات كل مجتمع
القضية الأخرى التي ينبغي أن نتناولها بالبحث هي أن القيم والمقدسات تختلف من مجتمع إلى آخر، والاهتمام بها أمر نسبي. نذكر على سبيل المثال أن بعض المجتمعات لا تستقبح وجود علاقة بين رجل وأخت أو ابنة رجل آخر. مثلما هو الحال في الدول الأوربية وأمريكا إذ لا يوجد أي مانع أمام إقامة علاقة صداقة بين أي رجل وامرأة وإلى حيث ما انتهت هذه الصداقة ما دامت برضا الجانبين. ولكن لو حصلت شكوى على اغتصاب من غير رضا، فالمحكمة تنظر حينذاك في الدعوى. بيد أنه لا توجد أية مشكلة فيما لو أقام رجل وامرأة علاقة صداقة برغبتهما! ولو قال أحد لأحد: بيني وبين أختك علاقة صداقة، وكنا البارحة في المكان الكذائي، فهذا الكلام غير قبيح في ثقافة الأوربيين، بل لعله يبعث على الارتياح والسرور، غير أنه مستهجن في مجمعنا وبيئتنا، وينظر إليه على أنه شتيمة، ولا يحق لأحد أن يتلفظ بمثل هذا الكلام.
ونستنتج من هنا شيئاً آخر وهو أن لكل مجتمع قيماً وأشياء يحترمها ويقدّسها، في حين أن مجتمعاً آخر قد لا يؤمن بمثل هذه القيم والمقدسات. ولكن ما هو الأساس الذي تقوم عليه المقدسات والقيم؟ لا شك في أن أساس هذه القيم يعود إلى الثقافة والبيئة الاجتماعية والمعتقدات الموجودة في كل مجتمع. ومن البديهي أن هذه القيم تتحدد في ضوء البيئة الاجتماعية والثقافية لكل فرد ولكل بلد. ولهذا السبب إن كانت هناك قدسية لشيء ما لدى شعب معيّن، فإنه لا ينبغي انتهاك تلك القدسية والاعتداء عليها، ولا يحق لأيّ شخص وفي أي بيئة كان أن ينطق بما يشاء؛ بل يتعين عليه أن يتحدث على نحو لا ينتهك به مقدّسات ذلك الشعب.
تبيّن لنا أن للحرية قيوداً، وفي كل مجتمع ينبغي احترام قيم ومقدّسات ذلك المجتمع.
الحرية لا تستلزم أن يقول المرء ما يشاء ويفعل ما يشاء. وإنما يمكن للمرء أن يقول في مجتمعٍ ما، ما لا يعتبر في ذلك المجتمع إهانة لما يحترمونه. أما في المتجمع الذي يعتبر فيه ذلك الكلام أو العمل إهانة لمقدّسات المجتمع والدين فإنّه لا يحق لأحد أن يتكلم كما يشاء أو يتصرف كما يحلو له بدون الالتفات إلى القيم والمقدّسات.
ومع أن الغرب لا تحظى فيه بعض هذه القضايا التي ذكرناها بالقدسية ولا يعتبرونها في عداد القيم، ولكل شخص الحرية التامة في قولها وفعلها، غير أن مجتمعنا يختلف عن الغرب بسبب ما يتصف فيه مجتمعنا من قيم وما يسود فيه من مقدّسات، ولذلك لا تتوفر فيه حالة واسعة من الحرية بحيث يتسنى لمن يشاء أن ينال من أعراض الناس. ويُعزى سبب ذلك إلى ما لهذه القضايا من قيمة في مجتمعنا وثقافتنا. ومن الطبيعي لزوم احترام قيم ومقدسات كل قوم وكل مجتمع، وليس من الصحيح انتهاكها تحت ذريعة الحرية.
إذاً الحرية بالسعة التي يتصوّرها البعض لا يقبلها أيُّ عاقل. وإنما ينبغي أن نعرّف الحرية بشكل لا يتضمن هتك مقدّسات المجتمع وسحق قيمه. وعلى هذا الأساس يُمنع التفوّه بالكلام الذي يُعتبر في ذلك المجتمع انتهاكاً للمقدّسات. وفي المجتمع الإسلامي لا يحق لأحد الاستهانة بالمقدّسات الإسلامية والقيم الاجتماعية تحت ذريعة الحرية، خاصة المقدّسات التي تعتبر أحبَّ إلى الناس من أنفسهم.
أثبت أبناء شعبنا بأنهم على استعداد للتضحية بالآلاف من أعزّائهم في سبيل بقاء الإسلام. فإذا كان أي شخص في المجتمعات الغربية عندما يتعرض لأية إهانة كانت كأن يقال له أنفك كبير أو شكلك قبيح، فإنه يحق له أن يتقدم بشكوى إلى المحكمة، كذلك في ثقافتنا لو أساء أحد إلى ما هو أحبُّ إلى الناس من أنفسهم وأعراضهم وآبائهم وأمهاتهم، لا شك في أن لهم الحقَّ في الرد عليه ومؤاخذته بسب استهانته بمقدساتهم باسم الحريّة.
5ـ دوافع غير مشروعة في بيان الحرية
إلى أيّ شيء يهدف أولئك الذين يزعمون انعدام الحريّة في إيران؟ يبدو أن بعضهم شاهدوا أو سمعوا عن سلوك الناس في البلدان الغربية، أو لعلهم شاهدوا بعض الأفلام، فمالت نفوسهم إلى أن تكون حياتهم على شاكلة حياة الغربيين. ولكن في إيران لا يُسمح بمثل هذه الأعمال. ومن أين تستقي الحكومة الإسلامية قوانينها؟ أليست تستقي قوانينها وأحكامها من الله ومن الرسول؟ ولكن هذه الفئة لا تريد الخضوع لحكم الله، فتجدها تختلق الحجج والذرائع ضد الولي الفقيه وتضمر له الحقد في حين أن الولي الفقيه لا يأتي بشيء من عند نفسه:
{... فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ}(1).
وهل الفقيه الذي يكتب رسالة عملية [في الأحكام الشرعية] ومرجع التقليد يأتي بشيء من عند نفسه؟ كلا طبعاً، فكل ما يقوله إنما يستقيه من القرآن والأحاديث؛ أي من كلام الله وكلام رسوله. غير أن هذه الفئة لا يروق لها قبول هذا الأمر.
قد يمارس طلاب الجامعات المعتبرة في أمريكا، في تلك الأجواء المفتوحة، وأمام أنظار الآخرين، مع الطالبات أعمالاً نستحي نحن من ذكر إسمها. فإذا كان الأمر في الجامعات على هذه الشاكلة، فكيف يكون الحال في الملاهي؟ ولكم أن تتصوروا كيف تكون طبيعة الأفلام التي تصوّر في تلك الأماكن، وكيف يكون تأثير مثل هذه الأفلام على شبابنا فيما لو وقعت بأيديهم! من الطبيعي أن الشاب الذي يشاهد مثل هذا الفيلم، لا يقر له قرار عندما يذهب صبيحة اليوم التالي إلى الجامعة؛ لأنه لم ينم تلك الليلة.
فالغريزة تضغط عليه بشدّة، ومشاهدة مثل هذه الأفلام تثيرها أكثر، فتسلبه السكينة والاستقرار. فهذا الشاب عندما يصرخ بأن الحرية معدومة فمعنى كلامه هو لماذا لا تتركوني أمارس ما يشتهيه قلبي.
المراد من جميع النقاشات والإثارات التي تطرح هنا وهناك حول الحرية والإسلام وتقدم وتأخر أي واحد منهما هو حرية إشباع الشهوات الجنسية. إذاً بيّنوا من البداية ماذا تريدون من الحرية. إن كنتم تريدون أن يشيع في الأجواء الإسلامية ما هو شائع في أجواء الكفر والإلحاد فاعلموا وكونوا على ثقة بأنَّ هذا الأمر لن يكون. فالشعب ضحّى بفلذات أكباده من أجل أن تسود القيم الإسلامية، وليس من أجل أن يشيع الفساد والتحلل الغربي.
6ـ ضرورة تبيين مفاهيم ومصاديق المصطلحات
أقترح هنا التعويل على مصاديق المصطلحات بدلاً من الخوض في ألفاظ غامضة وفضفاضة. قولوا هل هذا العمل جائز أم لا؟ مثلاً بدل أن تقولوا هل الإسلام يقر الديمقراطية أم لا؟ قولوا ماذا تريدون، وما الشيء الذي تريدون فعله؟ أتريدون الإعراض عن الله وأحكامه؟ فهذا لا يرتضيه الإسلام. وإذا كانت الديمقراطية تعني منح الناس سنَّ أيَّ قانون وإن كان خلافاً لأحكام الله، فنحن نرفض هذا النوع من الديمقراطية ولو اجتمع العالم كله عليها. ولكن إذا كانت الديمقراطية تعني أن يكون للناس تأثير في تقرير مصيرهم، من غير أن يفرض عليهم أحد إرادته، ويسيرون في إطار القيم الإسلامية وأحكام الإسلام ومبادئه، فهذا الشيء كان قد بدأ العمل به في بلدنا منذ أول الثورة. ولعلنا لا نجانب الحقيقة لو ادعينا بأنه لا يوجد أي بلد من بلدان العالم يحترم آراء الشعب كما هو الحال في إيران. وأنا استخدم هنا كلمة (لعل) لأنني لا تتوفر لديَّ الأرقام والوثائق الكافية ولكنني أعتقد بأنّه لا توجد مثل هذه الحرية في كل أنحاء العالم....
إذاً بدلاً من استخدام الألفاظ والجدل حولها، تعالوا نبحث في المصاديق ولنبيّن ما نريد بصراحة ووضوح لكي نحصل على جواب قاطع. فعندما تستخدم ألفاظ غامضة وفضفاضة وغائمة، لا يحصل من ورائها طبعاً جواب واضح. فمفاهيم الحرية، والديمقراطية، والليبرالية، والمجتمع المدني، والمدنية، والثقافة، مفاهيم غامضة وتتحمل تفسيرات شتّى، وليس من العقل إكثار الجدل حولها. قولوا ما تريدون بوضوح ودقّة لكي نقول هل ينسجم ذلك مع الإسلام أم لا.
محمود حيدر
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان