علمٌ وفكر

الأمر بين أمرين

 

السيد منير الخباز
هل الإنسان في جميع أفعاله يمتلك إرادة مستقلة؟ هل يستطيع الإنسان في أفعاله وحركاته أن يستقل بفعلها عن الله؟
هذا أمرٌ غير معقول، لا يمكن للإنسان أن تكون له إرادة مستقلة عن الله لأن ذلك يعني أن يستغني المعلول عن علته حدوثًا، مثل ضوء المصباح (مُسَبّب) وسببه الطاقة الكهربائية، فلا يمكن لهذا الضوء أن يستغني عن الطاقة لحظة واحدة، ومتى توقفت انعدم الضوء، كذلك الإنسان مُسَبّب ومعلولٌ لله، فهو لا يمكن أن يستغني عن خالقه لحظة واحدة، وعليه فمن المستحيل أن يستقل الإنسان وأن يعمل بإرادة مستقلة عن الله، وهذا ما عبر عنه علماؤنا كما ورد عن الصادق (عليه السلام): "لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين".
ما معنى أمر بين أمرين؟
الإنسان يقوم بعمل (مثل المشي) فمن هو فاعله: هل هو الإنسان، أم الله، أم كلاهما؟
وهنا جاءت المدارس عند الإمامية لتحلل هذا الأمر، وهنا ثلاثة اتجاهات:
 

1- الاتجاه الكلامي: (السيد الخوئي)
يقولون أن الفاعل المباشر هو الإنسان، فلولا إرادة الإنسان لما تحقق المشي، فأين إرادة الله؟ يقولون أن إرادة الله بمثابة المادة التي يعتمد عليها الفاعل لصنع الفعل.
مثال: إذا أردتُ أن أكتب موضوعًا على ورقة فلا يمكنني الكتابة بدون الحبر، فهو المادة التي أكتب بها، فالإنسان عندما يقوم ويقعد فهو الذي صنع القيام ولكن المادة التي يعتمد عليها الإنسان هي القوة المبثوثة في الإنسان وهي من الله، وهذا معنى أن الفعل أمرٌ بين أمرين، فهو لا يعتمد على إرادة الإنسان وحدها، ولا بإرادة الله وحدها، بل بكليهما.
2- الاتجاه الفلسفي: (السيد الطباطبائي)
يقولون: نحن إذا دققنا النظر فالفاعل هو الله، فهو من يوجد المشي والقيام، فكل فعل في هذا الكون كله وكل موجود لكي يوجد يحتاج إلى مقتضٍ (ما منه الوجود) وشرطٍ (ما به فعلية الوجود).
مثال: الضوء يحتاج إلى مقتضٍ يفيض هذا الوجود، وهو الطاقة الكهربائية، والطاقة تحتاج إلى جسم لكي يتولد النور، فالشرط هو مماسة الجسم، فالإنسان إذا أراد أن يقوم فهو يملك إرادة فقط ولكن من أوجد القيام هو الله {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ}، فالإنسان منه الإرادة والله منه الإفاضة، وهذا لا يعني أنك مجبور لأنه تعالى يستطيع أن يجعلك تقوم بغير أن تريد ولكنه جعل الإفاضة بإرادتك أنت {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا}، فالفاعل الحقيقي (مصدر الفيض والوجود) هو الله وإرادة الإنسان هي الشرط.
3- الاتجاه العرفاني:
يقولون: الفاعل للقيام كلاهما (الله والإنسان) فيصح أن ينسب الفعل إلى فاعلين على نحو الانتساب الحقيقي.
مثال: في القرآن: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} وفي آية أخرى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} فنسب قبض الأرواح لملك الموت حقيقة وإلى الله، ونحن نؤمن بالولاية التكوينية لمحمّدٍ (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام).

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد