إن الحديث عن العصمة طويل، ومتشعب، وهي ـ بلا شك ـ عصمة اختيارية، أساسها العقل الكامل، والتوازن في الشخصية، وقضاء الفطرة، والعلم بالله وبآياته، والمعرفة التامة بشرائعه وأحكامه، ومع ذلك كله اللطف، والرعاية الإلهية، والتسديد الرباني.. على قاعدة: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ}.
فمن يرى أن أي تمرد على الله تعالى هو بمثابة شرب السم القاتل، أو بمثابة الانغماس في مادة سريعة الاشتعال، ثم إطلاق شعلة النار فيها. لا يمكن أن يقدم على أمر كهذا أبداً.. إذا كان يملك عقلاً راجحاً، وفطرة سليمة، وسوف يجد كل من يحبه، ويرأف به، ويعطف عليه، على استعداد لأن يعينه في الابتعاد عن هذا الخطر.. فكيف إذا طلب منهم ذلك، وألحّ عليهم به؟!
وليس ثمة أرحم وأعطف وأرأف من الله تعالى بعباده.. ولابد أن يساعدهم، ويسددهم، ويفتح لهم أبواب الهداية والرحمة حين يسعون للابتعاد عن الأخطار والتخلص من المهالك.. ويطلبون منه أن يكون لهم الهادي والمعين، والمرشد، والمسدد.
وإذا كان أهل البيت والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، منذ أن أفاض عليهم الوجود، قد عرفوا أن لهم خالقاً، وإلهاً، ورباً، ومدبراً، فخضعوا له، وسعوا إلى نيل رضاه، وتدرجوا في مراتب القرب منه، وحصلوا على الهدايات التي طلبوها منه، وزادهم ذلك صلابة ومناعة وقوة في دينهم، ثم زادهم قرباً منه، وبعداً عن المهالك والمزالق، وحصانة منها..
وإذا كان ذلك لا يختص في نشأة بعينها، ولا في سن بعينه، بل هم يرون الحقائق منذ صغرهم، وحتى قبل ذلك أيضاً.. ويتعاملون معها، وفق مقتضيات الفطرة السليمة، وأحكام العقل، ومعايير الأخلاق.
وإذا كنا نرى أن بعض الناس يظهر عليه التميز في سن مبكرة كأولئك الذين يحفظون القرآن، ويتصرفون فيه بدرجات عالية، وهم في سن الطفولة، وبعمر السنتين، والثلاث سنوات.. فما بالك بصفوة الخلق، وخيرة الله، فهل يمكن أن يكونوا أقل شأناً، وأضعف إدراكاً، وأدنى من أولئك تميزاً، وتفرداً؟!
أم أن المتوقع أن يكونوا في درجات لا يدانيها ولا يصل إليها أحد بل لا تمر في وهم ولا في خيال أحد من البشر، ممن هم أقل معرفة وأضعف في ملكاتهم، وفي إدراكاتهم، وفي خصائصهم.. ولم تشملهم الألطاف والعنايات الإلهية، بالمقدار الذي نال الأنبياء، والأئمة الأصفياء..
وأما لماذا لم تكن العصمة إجبارية، فذلك بحث قد أشرنا إليه في العديد من الموارد، وقلنا: إن ذلك معناه إزالتهم عن مراتب الفضل إلى حد أن يصبح أشقى الأشقياء أفضل من أفضل الأنبياء بمجرد أن يفعل حسنة واحدة في حياته..
كما أن ذلك يجعل العدل الإلهي في قفص الاتهام، ويثير أكثر من شبهة، ويطرح العديد من التساؤلات حول حقيقة هذا العدل، وصحة التدبير الإلهي..
عصمة الزهراء عليها السلام:
وأما بالنسبة لكون السيدة الزهراء عليها السلام واجبة العصمة، بمعنى أن العقل يحكم بضرورة وبداهة كونها معصومة، حتى ولو لم ينقل إلينا ذلك في آية ولا رواية.. فنقول: إن الأمر كذلك أيضاً: إذ إن للزهراء عليها السلام مهمات عظيمة جداً في حفظ أساس الإسلام، وخصوصاً الإمامة، فبها ظهر عدوان المعتدين على مقام الإمامة، وعرفت الأمة أنهم مبطلون فيما يدعونه، مخالفون لله ولرسوله فيما يسعون إليه ويطلبونه، وذلك بما جرى عليها من ضرب، وإسقاط جنين..
ثم إنها كانت هي السبب في تمكين الأمة من معرفة أن أولئك القوم يفقدون أهم الشرائط للتصدي لأي أمر ديني مهما كان بسيطاً، وذلك في قضية اغتصابهم لفدك..
وقد أوضحنا ذلك في كتاب: «مختصر مفيد» وفي كتاب: «الغدير والمعارضون»، وغير ذلك..
ووأضحت أن حفظ الإمامة من كيد الخائنين وشبهات المبطلين، حفظ للدين، في أخطر قضية واجهته بعد رسول الله صلى الله عليه وآله..
وعصمة الزهراء عليها السلام هي المرتكز الأهم في هذا الأمر الخطير، فالعقل يحكم بضرورة توفر هذا العنصر ـ العصمة ـ إذ إن الإخلال به يوجب ضياع جهود الأنبياء والأولياء والأصفياء.. وهذا معنى كونها عليها السلام واجبة العصمة..
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ عبدالهادي الفضلي
السيد محمد باقر الصدر
الأستاذ عبد الوهاب حسين
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
محمود حيدر
الشيخ حسين مظاهري
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
رؤية المدرسة الإماميّة في جمع القرآن
الشيخ عبدالكريم الحبيل: أخلاق فاطمة الزهراء عليها السلام
الشيخ عبدالكريم الحبيل: القلب السليم في القرآن الكريم (5)
الشيخ عبدالكريم الحبيل: القلب السليم في القرآن الكريم (4)
مقدّمات البحث
تأبين الشّيخ الحبيل للكاتب الشّيخ عباس البريهي
حاجتنا إلى النظام الإسلامي خاصّة
القرآن يأسر القلب والعقل
الشيخ عبدالكريم الحبيل: القلب السليم في القرآن الكريم (3)
تقييم العلمانية في العالم الإسلامي