يقولون إنّ الإعتقاد بعودة الأرواح، والتي لها جذور تأريخية، هى وليدةُ فلسفةٍ خاصّةٍ، وإنّ الـمُعتقدين بها يدافعون عنها اليوم؛ لأنّها تَحِلّ مشكلاتهم.
هُناك ظَواهر مُبهمة كانت تنبع منها في الماضي فرضيّة التّناسخ وعَودة الأرواح، وقد اتّضحت هذه الظواهر اليوم، في ظِلِّ التّقدم العلمي الواسع، ولم تَعُد الحاجَة لهذه الفرضيّات الخُرافيّة.
توضيح ذلك: إنّ تأريخ العقائد والأديان، يشير إلى أنّ الاعتقاد بالتّناسخ وعودَة الأرواح، من أقدم العقائد التي وُجِدت في العالم، وتأريخها ينتهي لِعصر «الأساطير».
ويُحتمل احتمالًا قويّاً أنّ «الهند» و «الصين»، هُما وطنهما الأصليان، والآن ينتشر هذا الاعتقاد في أوساط وَثَنِيّي الهِند، وقد امتزج بحياتهم حتّى أصبح من الصّعب التّفكيك بينهما.
الاحترام الخاص الذي يولّيه الهِندوس لِلحيوانات وحتّى الحَشرات، ينبع في الحقيقة من هذا الاعتقاد، انتشار «أكل النبات» في الهند ومخالفتهم لأكل لَحوم الحيوان يرتبط بهذا الاعتقاد أيضاً.
المؤرِّخ الغربي الـمَشهور «ويل ديورانت» في كتابه قصة الحَضارة، يقول:
(الهندوس الواقعيّون يمتنعون ما استطاعوا من قتل الحشرات، وحتّى من هم لَيسوا من أهل الفضيلة، يتعاملون مع الحيوانات كأخوةٍ ضُعفاء صامِتين، وليس كمخلوقاتٍ حقيرةٍ يتحكَّمون بها وفقاً لِما أمرهم اللَّه تَعالى به)!.
الهُنود يُطلقون كلمة «كارما» على التّناسخ وعَودة الأرواح مُطلقاً، سواء كانت في بدن الإنسان أو الحيوان.
هذا الاعتقاد- كالاعتقاد بالخرافات الكثيرة الأخرى-، كان وليد الجهل وضعف الإنسان في تفسير الظّواهر الطبيعيّة أو الاجتماعيّة المختلفة.
بعبارة أوضح: القدماء كالعديد من النّاس اليوم، غالباً ما كانوا يصطدِمون بحوادث، يعجزون عن تفسيرها تفسيراً علميّاً أو فلسفيّاً صحيحاً، وبما أنّ طبيعة البشر حبُّ الإطّلاع، الذي لا يُرخّص الإنسان بأن يترك سؤالًا في ذهنه دون جواب، فيضطر إلى الوقوع في التّخيّلات ويُؤلِّف تفسيراً خَياليّاً لها، وأكثر الخُرافات ظَهرت ووجدت عن هذا الطّريق.
مثلًا قد يكون الكثير منّا سمع، بأنّ بعض «العامّة» يفسرون ما يرونه ليلًا عند عَدْوِ الخَيل، من أنّ بريقاً يُضيء تحت حافرها: بأنّ الجِنَّ تُشعل مصابيح تحت أرجلها! إنّهم لا يفكرون بأنّ هذا العمل، ماذا يفيد الجِنّ، وهل أنّ الجِنّ ليس لديها أعمال إلّا إضاءة المصابيح تحت أرجل الخيل.
أولئك كانوا يرون هذه الظّاهرة الطبيعيّة ويعجزون عن تفسيرها، لذا يلجأون إلى التّخيلات.
أو الحرائق التي تحدث في بعض المنازل، ولم يَظهر لها سبب فيفسِّرونها بأنّها معلولة لأعمال الجِنّ.
لكن اليوم نعلم جيِّداً أنّ الشّرارة الكهربائيّة تحدث بسبب الاحتكاك القوي لجسمين مع بعضهما، وهى أمرٌ طبيعي، ليس له علاقة بحافر الخيول ولا الظّلمة، وتحليلها العلمي واضح أيضاً، أو إنّنا نعلم أنّ بعض المواد الكيمياويّة تكون سبباً لِلحرائق، والتي تشتعل بدون سبب وفي ظروفٍ خاصّةٍ، فإذا اقتربت منها بعض الأشياء قَسراً أو تلقائيّاً احترقت.
في ظِلّ الاكتشافات الفيزيائيّة أو الكيمياوية، فإنّ هذه الظّاهرة خرجت عن كونها خُرافةً سابقةً. طبعاً نحن لا ننكر وجود كائنات باسم الجِنّ، (الجِنّ في الأصل بِمعنى كائِن مُختَفٍ)، لكنّ الجنّ بمعناه الصّحيح والذي يُؤيِّده العِلم، والفلسفة وأيضاً جاء في القُرآن الكريم، يختلف كثيراً عن الجِنّ ذي الذّيل وذي الحافِر، الذي خلقته أفكار العامّة ونسجه خيالهم، ولسنا بصدد التّعرض لهذا الموضوع.
مسألة التّناسخ وعودَة الأرواح هى أيضاً من هذا النَّسج، لأنّه:
في الماضي كان كثير من الناس يَرون، أنّ في الـمجتمع أفراداً معلولين وأفراداً ناقِصي الخلقة من الولادة، ويرون أنّ بعض الأفراد يتعذّبون طوال عمرهم، بعكس الآخرين فإنّهم مُرفّهون تماماً، ويرون شَخصاً ذا ثروة لا يستطيع أن يحسبها، وآخر لا يملك قوت يومه، ويحن الى رغيفِ الخبز، وشخصاً موفّقاً في كلّ أعماله الحياتيّة، وآخر يواجه الفشل في أغلب الأحيان.
ولأنّهم لم يكونوا مطّلعين على الأسباب الجسميّة النفسيّة والاجتماعيّة لهذه الأمور، ولم يكونوا متمكنّين من تفسير هذه اللّاعدالة بالطرق الواقعيّة، فإنّهم يذهبون إلى «تناسخ الأرواح» و الـــ «كارما» بسرعة، ويقولون: إنّ هؤلاء الأفراد المعلولين والنّاقصين والمحرومين والمظلومين، كانوا قد جاؤوا في الماضي إلى هذا العالم، ولابدّ أنّهم في حياتهم السّابقة كانوا قد ارتكبوا جرائم، ويجب أن يرَوا كلّ هذا العَذاب، جزاء تلك الجرائم وليتطهّروا وهذه هى عين العَدالة!
(ويل ديورانت) في المجلد الثاني، الصفحة 735 من تأريخه: «مشرق الأرض تاريخ الحضارة»، يقول:
إنّ أساس «الكارما» يفسر للشعوب الهنديّة كثيراً من الحقائق المبهمة، أو الأمور غير العادلة... أنواع المصائب التي تظلم الكرة الأرضيّة وتلطخ التأريخ.
كلّ ذلك العذاب وتلك الآلام، التي تسير في دم و لحم الإنسان منذ ولادته وحتّى مثواه الأخير، كلّ هذا يهوّنه ويُيسِّره أصل «الكارما»، للهندوس الذين يعتقدون به.
هذه المصائب والجور، وهذا الاختلاف بين النّبوغ والبلاهة، والفقر والغِنى، كلّ ذلك نتائج الحياة السّابقة ووليد ذلك القانون القديم، كان يرى ظلماً وجوراً في ميزان عمر الإنسان القصير، أو اللّحظة من الأزَل. أمّا في النهاية فقد ظهر أنّه هو عين العدالة والإنصاف.
الـ «كارما» من جملة الإبداعات الكثيرة، التي أراد الإنسان أن يتحمّل بمساعدتها المصيبة والشّر بكلّ صبرٍ وحلمٍ.
إذا كانت الشّعوب الهنديّة أو باقي الشّعوب القديمة، قد أنشأت فرضيّة عودة الأرواح لتفسير هذه الظّواهر، فاليوم وفي ظِلّ تقدم «علم الطّب» و «علم النفس» و «العلوم الاجتماعية» الأخرى، لم تعد حاجة لتلك الفرضيّات الخرافيّة، لتفسير هكذا ظواهر؛ لأِنّنا نعلم:
لو التزم الإنسان بالتّعليمات الصحيّة لسَلامة جِسمه، وراعى الأب والأم التعليمات الصحيّة والنّصائح الطبيّة الخاصّة بالجَنين، فسوف لا يأتي إلى الدنيا طِفل ناقِص.
وبعبارةٍ أخرى إنّ وجود الأفراد المشوّهين والنّاقصين ليس أمراً حتميّاً، فإنّ جهاز خلق الإنسان دقيق إلى الحدّ الذي، لو التُزم بالمراقبة الكاملة واستخدمت القوانين الخاصّة به، لكان الناتج سالماً مائة بالمائة.
وعلاوةً على ما سبق، فإنّ كثيراً من الفلاحين كانوا يتصوّرون، أنّ قسماً من محصولاتهم الزراعيّة أو فاكهة الأشجار، ستكون حتماً ناقصة ومصابة بالدّيدان، وهذا من لوازم وجودها، وكانوا يقولون: (آفة الشّجرة هى من الشّجرة نفسها)، ولكنّ الدراسات العلميّة أظهرت أنّه ليس كذلك؛ وإنّ الفلاح النّموذجي باستخدام القوانين الزراعية الصحيحة، سيكون كلّ محصوله سالماً، ولن يكون هناك تفاحةٌ واحدةٌ مصابةً بالآفة في كلّ محصوله.
بناء على هذا فإنّه إمّا أن يكون الأب والأم مقصّرين، أو المجتمع الذي يعيشان فيه، لأنّه يزودهما على الأقل بالتعليمات الصحيحة أو الصحيّة أو لوازمهما الحياتيّة، حتّى لا يقع أولادهما بهذه المصيبة، وكما لو أنّ إنساناً ضرب آخر وفقأ عينه، فالإنسان هو المقصّر لا جهاز الخَلق وأصل الخِلقة، وهذا هو المعيار والضّابط في من يولد من بطن أمّه مكفوف البصر، ويستند التّقصير في ذلك الى نفس الفرد أو المجتمع.
وأمّا في موارد ثراء البعض، وفقر البعض الآخر؛ فإنّ هذا الموضوع اليوم مَردود إلى: أنّ الأنظمة الاجتماعيّة الخاطِئة والأنظمة الاقتصادية الفاسدة، هى التي ينبع منها هذا الإفراط والتّفريط، وليست مسألة عودة الأرواح والكارما. ومنه الـمُحتَمل أن يكون استنباط الهندوس القدماء سائغاً؛ لعدم علمهم بأصول «العلوم الاجتماعيّة»، و «الاقتصاد الحديث».
لكن اليوم فإنّه لا قيمة لكلّ هذه الاستنباطات.
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ محمد هادي معرفة
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
الشيخ جعفر السبحاني
الأستاذ عبد الوهاب حسين
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
عبد الوهّاب أبو زيد
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
التمثيل بالمحقَّرات في القرآن
الشّيخ صالح آل إبراهيم: ميثاقنا الزّوجي
اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا
المادة على ضوء الفيزياء
المعرض الفنّيّ التّشكيليّ (أبيض وأسود) بنسخته الثّالثة
القرآن وجاذبيّته العامة
القرآن الكريم وأمراض الوراثة
اعتبار الإسلام لرابطة الفرد والمجتمع
لا يدرك الخير إلّا بالجدّ
الوصول إلى حالة الانغماس وقياس مستواها