البلورال plural كلمة تعني الكثرة والتعدّد «1» والبلوراليّة Pluralism أو التعددية هي المذهب الذي يميل إلى التعدد والكثرة، أو بحسب اقتراح البعض - وهو الدكتور عبد العزيز ساشادينا «2» - هو المذهب الذي يتقبّل التعدّد والكثرة؛ فإنّ هذا المضمون يمثّل ترجمة أدقّ للمصطلح برأيه «3».
في الماضي كان مصطلح البلورالي يطلق على من يعتقد بإمكانيّة تولّي الشخص الواحد عدّة مناصب في الكنيسة، لكنّه بصورة تدريجية أخذ يكتسب مضموناً فلسفيّاً فيما بعد، فصار البلورالي يعني الشخص الذي يميل أو يرحّب بالتعدد والكثرة في أيّ مجالٍ فكريٍّ أو ثقافيٍّ...
ولم تتأطّر البلوراليّة بالإطار الفلسفي المعرفي الإبستمولوجي Epistemology بل تعدّته لتبرز كاتجاه في التفكير الإنساني له تجلّياته وامتداداته في مختلف نواحي الحياة، فليست هي أطروحة ذات طابع نظريّ تجريديّ بل أضحت نمطاً في الفكر والممارسة - كأكثر مسائل الفلسفة الحديثة والمعاصرة - بحيث إنّها صارت تطلق اليوم في الميدان الفكري والثقافي و... على من يرى في أيّ ميدانٍ ضرورة الاعتراف بكافّة الرّؤى والاتجاهات فيه، وبالتالي فهو - وانسجاماً مع تداعيات الاعتراف هذا - لا يرتضي أيّ نوع من أنواع التخاصم سيّما الأشكال القيصريّة منه سواء في ذلك الميدان الديني أو السياسي أو الاجتماعي أو الفنّي... ومن هنا كانت هناك تعدّدية دينيّة، وتعدّديةٌ سياسيةٌ، وتعدّديةٌ اجتماعيّةٌ، وتعدّديةٌ فنيةٌ وهكذا.
ففي الميدان السياسي على سبيل المثال تتجلّى التعددية في الائتلافات الحزبيّة في الانتخابات البرلمانيّة أو الرئاسية أو غيرها بحيث تتشكّل على أثرها حكومات وفاق تمثّل توليفة من اتجاهات متعاكسة وأحياناً متناقضة تناقضاً تامّاً من الناحية النظرية، لكنها تتعايش فيما بينها في الخارطة السياسيّة وتعترف ببعضها البعض ككياناتٍ حقيقيّة محترمة.
فالتعددية سياسيًّا "مفهوم ليبراليّ ينظر إلى المجتمع على أنّه متكوّن من روابط سياسية وغير سياسية متعدّدة، ذات مصالح مشروعة متفرّقة، ويذهب أصحاب هذا المفهوم إلى أنّ التعدّد والاختلاف يحول دون تمركز الحكم، ويساعد على تحقيق المشاركة وتوزّع المنافع.
ويعتبر الليبراليون الولايات المتحدة كمثال للتعدديّة، إلّا أنّ كلًّا من اليسار الجديد واليمين الجديد يرفض هذا المفهوم ويعارضه". «4»
وضمن هذه التعددية السياسيّة تأتي التعددية الحزبية Maltipartisme التي تعبّر عن مفهوم "سياسيّ يطلق على النظام السياسي الذي يسمح بقيام عدّة أحزاب تمتاز بضعفها (بمعنى أنّه لا يُتاح لحزب أن يقوى لدرجة الهيمنة على ما سواه) وبالخلافات العقائدية فيما بينها، ويفرض نظام تعدّدية الأحزاب في أغلب الأحيان حكومات ائتلافيّة تتصف بعدم الاستقرار الوزاري، إلا أنّ الجانب الإيجابي في مثل هذا النظام هو أنه يُتيح قدراً واسعاً لكلّ القوى السياسيّة في البلاد لتعبّر عن مواقفها وأهدافها" «5» ممارسةً بذلك تعايشاً سلمياً بالدرجة الأولى.
هذا التعايش السلمي الذي يمثّل أحد أبرز وأهم معاني التعددية - بمعناها الأوسع - بل هدفها، يجعل المجتمع التعددي مطالباً بتوظيف اختلافاته وأحياناً تناقضاته في مجال صياغة البناء الداخلي له لا على أساس الإيمان بالصّيغة الوحدويّة بالمعنى الذي يدعو إلى سيادة تفكير واحد على المجتمع في إطار سياسة الغالب والمغلوب، بل بالمعنى الذي يعترف بالتعدّد كواقعٍ، ويريد بلورة العلاقة بين الأطراف بصورة تحافظ عليها من جهة وتخدم المسيرة الكلّية للمجتمع والأمّة من جهة أخرى، لأنّ نفس التعدّد والاختلاف يمكن توظيفه في خدمة المصالح العامّة، فإنّ كثيراً من الأنشطة تحتاج إلى تكثّر في الاتجاهات وبدونه لا يتسنّى القيام بها، كما أن التعدد السياسي والحزبي يمثّل أساس التنمية السياسيّة التي تقوم على مبدأ المنافسة الذي يحتّم على كافّة الاتجاهات السياسية السّعي لكسب الرأي العام من خلال وضع البرامج الناجعة في مجال الحلول الاقتصاديّة وغيرها، وبدون منطق المنافسة هذا سوف تضعف الفعّاليات كمّاً وكيفاً نظراً لعدم وجود خطرٍ يهدّد المصالح الشخصيّة والفئوية. فالتعدّد السياسي ليس ضرورةً مفروضةً بل هو مطلبٌ لا بدّ من السّعي للحصول عليه إذا كنّا قد افتقدناه.
ومن هنا يصرّ البعض على اعتبار المجتمع البلورالي مجتمعاً مدنيّاً بالمعنى المعاصر للكلمة - غير أيديولوجيٍّ؛ لأن أدلجة المجتمع تستبطن وجود مرجعيّات فكريّةٍ وثقافيةٍ عُليا تعبّر بصورةٍ رسميةٍ عن الموقف الفكري أو الثقافي للمجتمع وتتكلّم باسمه أو تفكّر عنه، فهي توجّه تفكير المجتمع - أيّ تجعله موجّهاً - بدل أن تعبّر عنه وتعكسه في ذاتها كنموذج من نماذج فعّاليته الثقافيّة، والمجتمع التعدّدي يتناقض مع هذه الأدلجة لأنّه مبنيٌّ على مرجعيّة العقل الجمعي التي لا تؤمن بحصر المرجعيّة فرديّاً أو فئوياً «6» وإنّما تستبدلها بالفعّاليات المجموعيّة التي يمارسها المجتمع في حركة تبادله الثقافي، وبالتالي يكون المقياس في الحكم على نشاطات المجتمع الفكريّة والثقافيّة والأدبيّة والفنيّة و.. هو المحصول العام وسطح ودرجة الوعي لا انتصار فئةٍ على فئة أو احتوائها أو تقدّم شخصٍ أو جهة أو تأخّرهما أو ما شابه ذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع مادّة تعدّد، المورد عربي - إنكليزي، الدكتور روحي البعلبكي، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الحادية عشرة، 1999 م، ص 336، وكذلك التعريفات الآتية للكلمة / المذهب.
(2) مجلّة «كتاب نقد» عدد: 910 : 9.
(3) جاء في موسوعة لالاند تحت المادة الإنكليزية للكلمة: "تعدّدية، تنوعيّة، مذهب الكثرة
أ- عند وولف وكانط مصطلحٌ يقابل مصطلح الأنانيّة... مذهب وحدة الذات.
ب- مذهب يرى أنّ الكائنات التي تكوّن العالم هي كائناتٌ متنوعةٌ فرديّةٌ مستقلّةٌ، ولا يجوز اعتبارها كأنّها مجرّد نماذج أو ظواهر لحقيقة واحدة ومطلقة، ويبدو أنّ لوتر هو أوّل من استعمل الكلمة بهذا المعنى...، غالباً ما يقال في ألمانيا على مذهب هربارت في مقابل مذهبي شلينغ وهيغل، كما يقال هذا المصطلح على فلسفة رنوفييه... وعلى مذهبي و. جيمس... وشيلر... عموماً يُعارَض مع واحديّة، أحديّة، بالمعنى ب. "راجع موسوعة لالاند الفلسفية، أندريه لالاند، منشورات عويدات بيروت باريس، الطبعة الأولى، 1996 م، الجزء 2، ص 991.
وجاء في موسوعة المورد تحت نفس المادة الإنكليزية "التعدّديّة، في الفلسفة اسم يُطلق على كلّ نظرية تقول بأن ثمة عدة حقائق مطلقة، ومن هنا فُرّق ما بينها وبين الأحاديّة...". راجع موسوعة المورد، منير البعلبكي، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الأولى، 1983 م، ج 8، ص 52.
يمكن من خلال التأمّل في هذه المذاهب فهم الروح الحقيقيّة للمصطلح والذي ترجع إليه هذه النظريات - على اختلاف مجالاتها - كإطار مفهوميّ لغويّ عام.
هذا ولا بأس بالإشارة إلى أنّه قد تُرجم هذا المصطلح إلى اللغة الفارسيّة بكلمة: كثرت كرائى، تكثّر كرائى...
(4) الموسوعة السياسيّة، عبد الوهّاب الكيّالي، الطبعة الثالثة، 1990 م، ج 1، ص 768، مادّة: التعدّدية.
وقد جاء في موسوعة المورد أيضاً أن الاتجاه التعدّدي في الفلسفة السياسية يذهب "إلى أنّ السيادة ليست - أو يجب أن لا تكون - حكراً على جماعة بعينها، وإلى أنها تنبثق عن التعاون فيما بين مختلف الجماعات، بل عن إجماع هذه الجماعات، وقد يُراد بالتعددية في الدين تعدّد الطوائف التي يتألّف منها مجتمعٌ سياسيٌّ بعينه". راجع الموسوعة، مصدر سابق..
(5) م . ن .
(6) صراطهاى مستقيم، عبد الكريم سروش: 49.
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ محمد هادي معرفة
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
الشيخ جعفر السبحاني
الأستاذ عبد الوهاب حسين
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
عبد الوهّاب أبو زيد
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
التمثيل بالمحقَّرات في القرآن
الشّيخ صالح آل إبراهيم: ميثاقنا الزّوجي
اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا
المادة على ضوء الفيزياء
المعرض الفنّيّ التّشكيليّ (أبيض وأسود) بنسخته الثّالثة
القرآن وجاذبيّته العامة
القرآن الكريم وأمراض الوراثة
اعتبار الإسلام لرابطة الفرد والمجتمع
لا يدرك الخير إلّا بالجدّ
الوصول إلى حالة الانغماس وقياس مستواها