لا بد لتعرف الأسلوب - هنا - وهو أسلوب البحث العلمي، أو الأسلوب العلمي Scientific Style من تقدمة تتضمن تعريف الأسلوب على نحو الإطلاق، ثم تقسيمه، فالانتهاء إلى معرفة الأسلوب العلمي.
تعريف الأسلوب:
لغويًّا ذكر للأسلوب أكثر من معنى هي: "الأسلوب: الطريق. ويقال: سلكت أسلوب فلان في كذا: طريقته ومذهبه. والأسلوب: طريقة الكاتب في كتابته. والأسلوب: الفن، يقال: أخذنا في أساليب من القول: فنون متنوعة. والأسلوب: الصف من النخيل ونحوه. (ج) أساليب" ( 1 )". ويطلق الأسلوب عند الفلاسفة على كيفية تعبير المرء عن أفكاره. وعلى نوع الحركة التي يجعلها في هذه الأفكار، ولذلك قال (بوفون): إن الأسلوب هو الإنسان" (2).
ولعله لهذا عرفه بعضهم ب "طريقة الإنسان في التعبير عن نفسه كتابة" (3). وذلك لأن الأسلوب من الفروق الفردية التي تميز الفرد عن الآخر، ولذا قالوا: لكل كاتب أسلوبه، ولكل عصر أسلوبه. وتسلمنا هذه التعاريف منطلقين من واقع معرفتنا للأسلوب إلى أنه - باختصار - طريقة التعبير.
تقسيم الأسلوب:
يقسم الأسلوب - كطريقة تعبير - إلى ثلاثة أقسام: الأسلوب الخطابي والأسلوب الأدبي والأسلوب العلمي.
1 - الأسلوب الخطابي:
نسبة إلى الخطابة، وهي "فن أدبي يعتمد علي القول الشّفوي في الاتصال بالناس لإبلاغهم رأيًا من الآراء حول مشكلة ذات طابع جماعي" (4). وأوضح عبد النور في (المعجم الأدبي) (5) معنى الخطابة إيضاحًا وافيًا بإلقاء الضوء على خصائص هذا الفن وعناصر أسلوبه ومؤهلات صاحبه، قال: "خطابة art aratoire:
1 - فن التعبير عن الأشياء بحيث أن السامعين يصغون إلى ما يقوله المتكلم في موقف رسمي مختلف عن المجالس المألوفة في الحياة اليومية. وهي تشد - عادة - الرابط بين أذهان السامعين وقلوبهم من جهة، والأفكار التي تتناهى إليهم من جهة أخرى.
وهذا يفرض على المتكلم أن يكون ذا ثقافة واسعة ليتوصل إلى تنسيق خطبته، وتوضيح الأفكار التي يعالجها، وطريقة عرضها لتتوافق مع المحرضات النفسية والعقلية في الجمهور.
2 - من المفروض في الخطيب أن يكون مفيدًا جذابًا مؤثرًا. وكل هذا يقضي بتمتعه بعدد من الميزات الذهنية والجسمية والأخلاقية الضرورية. وأول ما يطلب منه أن يكون بين الذكاء، سريع الخاطر، نافذ الحجة، قادرًا على تقليب الأفكار على مختلف وجوهها. وأن تكون أحكامه صادقة، مفصحة عن الحقيقة، متينة المقدمات والنتائج. وأن يكون مطلعًا على علم النفس لدى الجماهير فيشعر برهافة حسه ما يجب أن يقال، وما يتحتم أن يهمل. وأن يدرك حجج الخصم وموقف الجمهور، فيهيئ لكل موقف ما يتطلب من حجج وبراهين. وأن يقدم على الهجوم عند الحاجة، وينكفئ للانقضاض عند المناسبة المؤاتية. وأن يغلف أفكاره بأقوال دقيقة المدلول، فكهة حينًا، ساخرة أحيانًا، آسرة لانتباه الجمهور. كما يفرض عليه فن الخطابة أن تكون ذاكرته أمينة، زاخرة بالمعلومات والمعارف والشواهد. وأن يكون خياله حادًّا قادرًا على تجسيد الأفكار والمواقف. وأن يتفرد بإحساس رهيف لإثارة العواطف وتحويلها من حالة إلى أخرى، فإذا شاء أشجى جمهور ، وإذا أراد أثار مرحه وضحكه. وكل هذه الصفات مجتمعة هي التي تكون الخطيب البارع.
3 - لا حدود لمضمون الخطبة، لأن موضوعها شامل، يعنى بجميع النشاطات الإنسانية التي يتيسر التعبير عنها بالكلا ، فليس ثمة موضوع عام أو خاص، مادي أو فكري، أو أخلاقي، أو ديني، أو اقتصادي، أو اجتماعي، أو سياسي، أو أدبي، أو فني، أو علمي، أو قضائي، لم يعبر عنه بخطبة من الخطب".
- نموذج للأسلوب الخطابي:
وأروع نموذج يذكر هنا مثالًا للأسلوب الخطابي هو خطبة الإمام أمير المؤمنين (ع) في الجهاد. وهي من خطب (نهج البلاغة) رقم 27. قال عليه السلام: " أما بعد: فإن الجهاد باب من أبواب الجنة، فتحه الله لخاصة أوليائه، وهو لباس التقوى، ودرع الله الحصينة، وجنته الوثيقة، فمن تركه رغبة عنه ألبسه الله ثوب الذل، وشمله البلا ، وديث بالصغار والقماء، وضرب على قلبه بالإسداد، وأديل الحق منه بتضييع الجهاد، وسيم الخسف، ومنع النصف.
ألا وإني قد دعوتكم إلى قتال هؤلاء القوم ليلًا ونهارًا، وسرًّا وإعلانًا، وقلت لكم: اغزوهم قبل أن يغزوكم، فوالله ما غزي قوم قط في عقر دارهم إلا ذلوا، فتواكلتم وتخاذلتم، حتى شنت عليكم الغارات، وملكت عليكم الأوطان. وهذا أخو غامد وقد وردت خيله الأنبار، وقد قتل حسان بن حسان البكري، وأزال خيلكم عن مسالحها.
ولقد بلغني أن الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة، والأخرى المعاهدة، فينتزع حجلها وقلبها وقلائدها ورعاثها، ما تمتنع منه إلا بالاسترجاع والاسترحام. ثم انصرفوا وافرين، ما نال رجلًا منهم كلم، ولا أريق لهم دم، فلو أن امرءًا مسلمًا مات من بعد هذا أسفًا، ما كان به ملومًا، بل كان به جديرًا.
فيا عجبًا، عجبًا، والله ، يميت القلب، ويجلب الهم، من اجتماع هؤلاء القوم على باطلهم، وتفرقكم على حقكم. فقبحًا لكم وترحًا، حين صرتم غرضًا يرمى، يغار عليكم ولا تغيرون، وتغزون ولا تغزون، ويعصى الله وترضون. فإذا أمرتكم بالسير إليهم في أيام الصيف قلتم: هذه حمارة القيظ، أمهلنا يسبخ عنا الحر، وإذا أمرتكم بالسير إليهم في الشتاء قلتم: هذه صبارة القر، أمهلنا ينسلخ عنا البرد، كل هذا فرارًا من الحر والقر، فإذا كنتم من الحر والقر تفرون، فأنتم والله من السيف أفر.
يا أشباه الرجال، ولا رجال، حلوم الأطفال، وعقول ربات الحجال، لوددت أني لم أركم، ولم أعرفكم معرفة والله جرت ندمًا، وأعقبت سدما، قاتلكم الله، لقد ملأتم قلبي قيحًا، وشحنتم صدري غيظًا، وجرعتموني نغب التهمام أنفاسًا، وأفسدتم علي رأيي بالعصيان والخذلان حتى قالت قريش: إن ابن أبي طالب رجل شجاع، ولكن لا علم له بالحرب.
لله أبوهم، وهل أحد منهم أشد لها مراسًا، وأقدم فيها مقامًا مني، لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين، وها أنا ذا قد ذرفت على الستين، ولكن لا رأي لمن لا يطاع".
إن من يقرأ هذه الخطبة الشريفة قراءة نقدية سيخلص إلى أن الإمام (ع) قد اعتمد في أسلوبها على العناصر التالية:
1 - انتقاء المفردات انتقاء يتناسب وموضوع الخطابة ويلتقي وجو الخطبة.
2 - قوة التعبير المعرب عن مدى التأثر والتأثير.
3 - استخدام الصيغ الانشائية كالتعجب والاستفهام استخدامًا يضع الصيغة في موضعها السياقي الفني اندفاعًا ودفعًا. وهذه العناصر من أهم مكونات الأسلوب ومقوماته. إلى غيرها من عناصر أخرى أشار إليها دارسو بلاغة الإمام (ع) (6).
ويرجع هذا إلى أن "التعبير: هو القالب اللفظي الذي ينقل العاطفة ويرسم الخيال ويبرز المعنى". كما أنه " عنصر أصيل ذو قيمة عظيمة في النص الأدبي" (7).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المعجم الوسيط: مادة (سلب).
(2) المعجم الفلسفي (صليبا): مادة (أسلوب).
(3) معجم مصطلحات الأدب 542.
(4) المعجم الأدبي ص 103 عن: المفيد في البلاغة لأبي حاقة ص 227.
(5) المعجم الأدبي 104.
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد هادي معرفة
عدنان الحاجي
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
السيد جعفر مرتضى
الشيخ فوزي آل سيف
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ جعفر السبحاني
حيدر حب الله
الشيخ علي المشكيني
حسين حسن آل جامع
عبد الوهّاب أبو زيد
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
الشيخ علي الجشي
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان