علمٌ وفكر

معلومات الكاتب :

الاسم :
حيدر حب الله
عن الكاتب :
ولد عام 1973م في مدينة صور بجنوب لبنان، درس المقدّمات والسطوح على مجموعة من الأساتذة المعروفين في مدينة صور (المدرسة الدينية). ثم سافر إلى الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانية لإكمال دراساته الحوزويّة العليا، فحضر أبحاث الخارج في الفقه والأصول عند كبار آيات الله والمرجعيات الدينية. عام 2002م، التحق بقسم دراسات الماجستير في علوم القرآن والحديث في كلّية أصول الدين في إيران، وحصل على درجة الماجستير، ثم أخذ ماجستير في علوم الشريعة (الفقه وأصول الفقه الإسلامي) من جامعة المصطفى العالميّة في إيران (الحوزة العلمية في قم). من مؤلفاته: علم الكلام المعاصر، قراءة تاريخية منهجيّة، فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حجية الحديث، إضاءات في الفكر والدين والاجتماع (خمسة أجزاء) ...

هل للأفعال أثر رجعي على الإنسان؟ وكيف؟

السؤال: يقال بأنّ هناك أثراً رجعيّاً لكلّ الأعمال التي يعملها الإنسان، فمثلاً أكل اللحم الحرام يؤثر رجعيّاً على الإنسان. سؤالي: ما هو مفهوم الأثر الرجعي وما مدى صحّته؟

 

الجواب: إذا كنتم تقصدون النتائج الواقعيّة للأكل الحرام مثلاً فهذا شيء موجود، وقد نصّت عليه النصوص الكثيرة في الكتاب والسنّة، كما يذهب إليه الكثير من علماء العدليّة (من إماميّة ومعتزلة) ممّن قال بأنّ الأحكام الشرعيّة ترجع إلى المصالح والمفاسد الموجودة في المتعلّقات والأفعال، ويكون المعنى هو أنّ شرب الخمر يترك آثاراً روحية ونفسية وسلوكيّة واجتماعيّة على الإنسان، تماماً كما يترك آثاراً أخرويّة من المؤاخذة والعقاب، وهكذا الصلاة فهي توقع في القلب نورانيّةً خاصّة بمعنى معيّن، ولها نتائج إيجابيّة على المستوى الفردي والاجتماعي. هذا هو الأثر الرجعي بمعنى الأثر الراجع والنتيجة العائدة للإنسان أو عليه من هذا الفعل أو ذاك..

 

أمّا إذا كنتم تقصدون أنّ الفعل الذي نقوم به اليوم يترك أثراً رجعيّاً ـ بالمصطلح القانوني للكلمة ـ على أمور تتعلّق بالأمس، فهذا لا صحّة له إلا في إطار أربعة مفاهيم (إذا استبعدنا مثلَ فكرة الشرط المتأخّر في أصول الفقه، وبعضَ التفاصيل الجزئيّة)، وهي:

 

المفهوم الأوّل: مفهوم الحبط، بمعنى أنّ بعض الأفعال توجب حبط قيمة أفعال سابقة حسنة، مثل الشرك الذي نصّ القرآن الكريم على أنّه يوجب حبط أعمال الإنسان وذهابها سدى، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ (الزمر: 65)، وقال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ (الحجرات: 2). وهناك كلامٌ كثير جدّاً في قضيّة الحبط في علمَي الكلام والتفسير، وثمّة تفسيرات كثيرة وجدل طويل حول هذا المفهوم ومدياته، يمكن مراجعته في محلّه، فالشرك هنا له أثر رجعي على أعمال سابقة، بمعنى أنّه يعطّل مفاعيلها ونتائجها، ويقطع الرابطة بين الفعل ونتيجته.

 

المفهوم الثاني: وهو مفهوم المغفرة والعفو، بمعنى أنّ الله سبحانه إذا فعل الإنسان فعلاً سيئاً استحقّ نتائج عليه، ولحقته هذه النتائج المأساويّة كدخول النار مثلاً، لكنّه عندما يقوم بالتوبة فإنّ الله سبحانه يغفر له، ومعنى المغفرة هو أنّ تلك النتائج السلبيّة التي سوف تترتّب على فعله السلبي (على الأقلّ أخرويّاً) سوف تتلاشى وتزول، وكأنّ الفعل لم يقع، ولهذا ورد في بعض الأحاديث أنّ الله يُنسي الأرض ما فعل هذا الشخص بحيث وكأنّه لم يفعل أيّ شيء، فالتوبة هنا لها أثر رجعي على أفعال سابقة كما أوضحنا.

 

المفهوم الثالث: مفهوم تبديل السيئات إلى حسنات، وهذا ما ذكره الله في القرآن الكريم حيث قال: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ (الفرقان: 70)، وهذا نوع من التفضّل الإلهيّ، فبعض الأعمال والطاعات قد توجب ليس فقط استحقاق الثواب عليها، ولا فقط زوال الآثار السلبيّة للأفعال السيّئة السابقة عليها، بل توجب تحوّل السيئات التي سبقتها إلى حسنات فتترتّب على تلك السيّئات آثار الحسنات، فالتوبة مع الإيمان مع العمل الصالح هذا كلّه يوجب انقلاب السيّئات إلى حسنات.

 

المفهوم الرابع: وهو مفهوم دنيوي فقهي قانوني، ويعبّر عنه في الفقه الإسلامي بقاعدة الجَبّ، ويقصد بها أنّ الإسلام يجبّ ما قبله، بمعنى أنّ ما فعله أو تركه الإنسان قبل الإسلام يصبح وكأنّه لاغياً عندما يدخل في الإسلام. والمقدار المؤكّد لهذه القاعدة هو الشؤون الدينية وقضايا حقوق الله كقضاء الصلاة والصوم مثلاً، ولا تشمل القضايا الحقوقيّة بين الناس، فلو قتل شخصٌ آخر فإنّ إسلامه بعد ذلك لا يعفيه من عقوبة القصاص، وهكذا لو سرق أو غير ذلك. وللفقهاء في حدود هذه القاعدة كلامٌ وتفصيل.

 

وكلّ واحد من هذه المفاهيم الأربعة توجد حوله دراسات في العلوم المختصّة به كعلم العقائد والتفسير والحديث والفقه، وهناك نقاشات في أصل تفسير هذه المفاهيم الأربعة وفي القبول بها وفي حدودها ومجالاتها.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد